جسر الزرقاء الغافية والنائمة على شاطئ البحر المتوسط ، التي ترخي جدائلها وضفائرها ، وترهف اذنيها ، وتمد عنقها، لتصغي لحوريات بحرها الازرق الجميل ، هي احدى قرانا العربية الفلسطينية الساحلية ، التي قاومت الترحيل والتشريد والتهجير، وظلت صامدة على الساحل الفلسطيني ، لكن الزمن نسيها طويلاً . وما يميزها هو موقعها الطبيعي الجميل الخلّاب حيث زرقة البحر وخيوط الشمس عند الغروب .انها قرية منسية تعاني الاجحاف والاهمال والتقصير السلطوي العنصري كعقوبة الصمود والبقاء على البحر ،وكذلك تعاني من مستوى تطويري متدن ٍ ، وتعيش اوضاعاً مزرية وصعبة في مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتطويرية ما يجعلها قنبلة موقوتة قد تنفجر في كل لحظة ، نتيجة اوضاع سكانها الحياتية والمعيشية ، وتدني المستوى الاقتصادي وتفشي الفقر والبؤس والفاقة والأمية وشح الخدمات .
وبعد ان كانت جسر الزرقاء تغط في نومها وسباتها العميق ، فها هي اليوم تشب على الطوق وتتحدى الاهمال ، وتنهض من جديد ، وتصحو من نومها بفضل جيلها الجديد الصاعد والناشئ ، الذي تجرع المعاناة وذاق الألم ، فامتلك الوعي السياسي والارادة الوطنية ، ويأبى الخضوع والخنوع والاستسلام ، وصار يؤمن بأن الكف تلاطم المخرز . هذا الجيل المسيس الذي انخرط في صفوف الحركة الوطنية، وفي حركة المعارضة المناهضة لسياسة السلطة الغاشمة بانتمائه الى الاحزاب والحركات السياسية والتقدمية اليسارية الفاعلة بين اوساط شعبنا وجماهيرنا العربية ،ولفظ الاحزاب الصهيونية في انتخابات الكنيست الاخيرة بمنح اصوات القرية لاحزابنا العربية .
وفي الآونة الأخيرة تبلورت في جسر الزرقاء مبادرات ثقافية واجتماعية وتطوعية وخيرية ، بدأت تشق طريقها وسط الحواجز والعراقيل والمصاعب المادية ، بهدف تطوير القرية والنهوض بالأحوال والاوضاع الاجتماعية والثقافية لشبابها ونسائها وسكانها اجمع ،ونحو بناء مجتمع سليم معافى وحضاري ، وفي سبيل حاضر ومستقبل وغد افضل لجسر الزرقاء .وبفضل هذه الجهود والمبادرات الثقافية والاجتماعية تشهد هذه القرية المنسية حراكاً سياسياً ووطنياً وثقافياً لافتاً للنظر ، وتخليداً ليوم الأرض المجيد ، وحماية تاريخنا الوطني وذاكرتنا ، وصيانة تراثنا الشعبي ، احتضنت قرية الصيادين المقامة على شاطئها يوما للتراث الفلسطيني ، وسط الأجواء التراثية ونكهة الزعتر والزعيتمان والشومر والسريس ، تعبيراً عن ارتباط الانسان الفلسطيني بتراثه من خلال تمسكه بارضه وجذوره الممتدة في عمق التاريخ . وكما قال احد القائمين على هذا النشاط الصحافي سامي العلي :" نستذكر للتراث يوماً احتفاءً واحتراماً بما قدمه اجدادنا ، وما نقدم لحاضرنا ومستقبلنا فأننا نقيمه على شرف يوم الارض ، فالارض بخصوبتها انثى تحمل لتنجب الحضارة والتراث".
إن ما يحدث ويجري في جسر الزرقاء امر يثير الشعور بالغبطة والفرح ، ويؤكد على اليقظة الواعية والصحوة السياسية والفكرية لشبابها الناهض ، رغم تأخرها كثيراً . ونحن بدورنا نشد على ايدي كل المؤسسين والمبادرين لهذه الانشطة والفعاليات الثقافية والفنية في القرية ، نامل لهم مواصلة المسيرة واداء رسالتهم العظيمة ودورهم الفاعل قي خدمة المجتمع الجسراوي ونهضته وتقدمه ، وتعميق قيم البذل والعطاء بين ابنائه . وتحية صميمية من عمق الفؤاد لكل من يغرس سنبلة في بيدر الوعي والتنوير الثقافي والبناء النهضوي.
0 comments:
إرسال تعليق