السائد في عصرنا الحديث هو الاضطراب في كل شيء ، اضطراب في السلوك وفي التعامل ، ومبعث هذا الاضطراب أمران ، الأول الاختلاط المفرط في المفاهيم الذي قد يكون عن جهل من طرف من تصوروا أنفسهم أوصياء على الأمة ، أو عن قصد من طرف من يضيقون من المنافسة الفكرية كسبيل للرقي الثقافي ، والثاني عدم ثقة كل فريق في الآخر وهي التي تسقط معها الحق الإنساني في البوح الحر والتعبير عن الرأي، وما يصوره البعض حول العلاقة بين السلفيين و العلمانيين زاد من حدة الاضطراب لأنه كان تصويرا مضطربا أيضا فالسلفيون ينظرون إلى قضية العلم و الإيمان من زاوية أن الإيمان يأتي أولا حتى يكون ما نعلم في حدود ذلك الإيمان ، فيما ينظر العلمانيون لذات المسألة من زاوية أن العلم يأتي أولا حتى يكون الإيمان بعد ذلك على أساس بصير ، إذن لا السلفيون أنكروا العلم ولا العلمانيون نفروا من العقيدة والدين ، ولكن طول أمد انشغال العلمانيين بالكشف عن أسرار الكون و حقيقة الموجودات والكائنات وشدة انبهارهم من نتائج القفزات العلمية والتكنولوجية العملاقة وما أحدثته تطبيقات العلوم الحديثة من تطور هائل في حياة الانسان أدت إلى ظهور العقيدة المعروفة وهي أن قوة الدولة من ازدهار الفكر و الإبداع ، في مقابل ذلك عاش المسلمين في مختلف بقاع العالم فترات استعمارية طويلة أضعفت قدراتهم الابتكارية ودمرت تراكماتهم المعرفية فتراجعت خطواتهم على مسار الإبداع ، والمفارقة أن الملاذ الوحيد الذي كان قائما هو التمسك بأهداب الدين للخلاص من المستعمرين ، وأمام وضع جديد خضع لمنطق لكل فعل يقع رد فعل له تبلورت المواقف في شاكلة مسلمين مقهورين تم تجريدهم بقوة السلاح من ريادتهم العلمية في العالم لفترات طويلة ،وقوى أخرى كانت قد ذاقت من قبل ويلات سلطة الكنيسة فثارت عليها و بقيت دائما تسوق لقضية الفزاعة الدينية ومنها السلفية الإسلامية ، وقد يبدو تأثر عدة أنظمة عربية بالتوجهات الغربية و استلاب بعض النخب السياسية و الثقافية للفكر الغربي هو ما أدى إلى انتقال أمراض القلق و الاضطراب إلى داخل البلد الواحد ومن طرف أبنائه وبقدر لهث الأنظمة العربية وراء محاولة امتلاك ناصية العلوم من أجل التنمية بقدر ما ضاق عليها الوقت لتدارك تأخرها في وضع آلية تعاملها مع القوى الدينية وبالقدر نفسه تعاظمت الشكوك في حقيقة إخلاص السلطة لدينها فحدث التطرف من بداية توجيه الاتهامات و الرمي بالكفر و الفساد .
شتان أن نقارب بين العودة المنطقية لظهور السلفيين بمنطلقاتهم الدينية إلى الحياة السياسية و العودة لظهور غير بريء للنازيين الجدد في الغرب بمنطلقاتهم العرقية والعنصرية المقيتةلا يمكن أن يتبادر إلى الذهن أن تلتقي السفلية كتوجه إسلامي يوما مع الصهيونية كعقيدة عنصرية معادية تماما لكل البشر، ومع ذلك فالسماحة الإسلامية التي تعترف بكل الأديان السماوية ومنها اليهودية لا تجد غضاضة في المساهمة مثلا في جهود تقارب الحضارات وحوار الأديان والثقافات والشعوب من أجل أهداف إنسانية سامية تتعلق بدعم الأمن و السلام في العالم
المتفق عليه أن من لا ثقافة سياسية له يجد في العنف وسيلته و أداته لتحقيق مطالبه وأهدافه،ويتساوى في ذلك كل الناس على اختلاف مشاربهم و مآربهم ، وأن تحرير الفكر من حالته المأزومة والمقيدة بالمطلقات تمنح القدرة على فهم النفس و الحياة ،وقد يؤدي مثل هذا التشخيص المتواضع إلى تصور السبيل لتصحيح المفاهيم التي تسيطر على من يفضل الانكفاء خارج دائرة المعنيين بضرورة اقتران العمل بالعلم من أجل الحياة .
0 comments:
إرسال تعليق