من الواضح للعيان وللأذهان , وسواء رضينا أم أبينا فإن الثورة لا محالة قد طالت الصغار
ومن الواضح للعيان وما لا تكذبه العقول أن ثورتنا قد تبناها الأطفال
بعد ذلك وفى التجمعات التى كنا نعلنها سلمية كنا نشجع على إصطحاب الزوجة والأطفال والأم والأخت ولم نكن ندرى أو ربما كنا ننثر بذور الثورة والكرامة فى نفوس هؤلاء الصغار
وسرعان ما طرح الزرع ويا فرحتنا عندما كنا نهتف مرددين وراء طفل صغير أو طفلة هتافات الثورة , وكم تباهينا عند مشاهدتنا لأطفال براعم صغيرة لم تتفتح بعد تناقش وتطرح وجهة نظرها فى الحكم وفى المجتمع
وكم تمنينا أن تكون ثورتنا هذه فاتحة خير لتعطى لكل صغير حقه فى الحياة , فى التعليم , فى العلاج , فى المأوى والمأكل والعيش بكرامة وعزة
وبتنا نمنى أنفسنا بإختفاء صورة طفل الشوارع , بإختفاء الضياع والبيات تحت الكبارى
وكانت صورة أول شهيد طفل صغير لم تكتمل العاشرة من عمره فى غضون الأيام الثمانية عشر للثورة كانت دافع لتحقيق مجتمع مختلف مدنى متطور متمدين لهؤلاء البراعم يحفظ لهم أبسط حقوقهم فى الحياة
ولكن سرعان ما باغتتنا مذبحة بورسعيد بعد عام من الثورة بإستشهاد الطفل الثانى فى الثورة وكان هدفه فى هذه المرة الإستمتاع بمشاهدة مباراة كرة القدم وتشجيع ناديه ليس إلا ولكن رصاص الغدر لم يسمح له
بعد ذلك تتابعت علينا حوادث القطارات وكأنها كانت تستهدف من بين ما تستهدف إبادة للطفولة البريئة , وسواء أكانت مقصودة أم لا , بفعل فاعل أم تلقائية فالمحصلة واحدة , أطفال براعم أغمضت عينيها للأبد وأسلمت روحها لرب كريم
وبعد مرور عامين بالكمال والتمام على تنحى المخلوع , بعد أن إنتخبنا رئيس ووضعنا دستور وجئنا بجماعة بنظم حكم جديدة , وعدتنا فيما وعدت بالخير فقد كان شعارها نحن نحمل الخير لمصر !!!! ماذا فعلت هذه الجماعة لهؤلاء الأطفال
طفل صغير لم يتجاوز العقد الأول من عمره - ولم يسمح له بتجاوزه - يخرج فى الصباح الباكر على عربة بطاطا ليعول أسرة لينفق على أب عجوز- ربما - وأم مريضة – ربما - وربما أخوة – ليس بدعا فى أولاد الشوارع ولكن هذا هو العرف السائد – فماذا يحدث له !!!!!! فإذا برصاص الداخلية – الأمن المركزى – يأبى إلا أن يسكن قلبه فيرديه قتيلا , وتخرج الداخلية فى بيانها الصادر فى نفس يوم إغتياله لتقول نصف الحقيقة !! بائع البطاطا مات بالخطأ ,, ولا تذكر أنه طفل ولا تبحث عن أهله لتسلمه لهم ولكن تكتفى بإيداعه – غير مأسوفا عليه – بالمشرحة الى أن يرحمه المولى برحمته ويرسل له من يهتم بأمره – من خارج الحكومة وبعيدا عن النظام الحاكم طبعا الذى لا يهتم إلا بالمبانى والأماكن والنباتات – والى الآن لم نسمع كلمة واحدة تبكى هذا الصغير , لم نر أحد يترحم عليه , بل أقسى ما قرأناه ترديد عبارة آتية من أسفل دهاليز جهنم الحمراء تقول كل هذه الضجة المفتعلة من إعلام مأجور ومحرض من أجل بياع بطاطا !!!!!
وكأن بياع البطاطا هذا لم يكن روحا
وكأن بياع البطاطا هذا لم يكن مسئول عن بيت وعيلة
بياع البطاطا هذا فى الواقع أرجل وأكرم وأفضل من كثيرين ممن فقدو النخوة , ممن تجمدت الدماء ف شرايينهم , ممن ماتت وتعفنت ضمائرهم برغم صغر سنه وهوانه عليهم
ولكن للأسف الشديد لم يكن هذا فقط ما فعلته الثورة بأطفالنا , فعلى النقيض ولسخرية الأقدار , فهناك – تطبيقا لمثل مصرى قديم يقول من كان له ظهر لا يضرب على بطنه – فقد رأينا طفل آخر صغيرا أيضا ولكن له أب , وأبوه عضو محترم فى مجلس شورى الإخوان , فماذا فعل هذا الأب بهذا الطفل !!!! جاء به الى لجنة سرية – نعم سرية – من إحدى لجان المجلس الموقر !!!!! ولم نر ولم نسمع كلمة لوم ولا عتاب وجهت للعضو المحترم الأب الذى يعلم إبنه الصغير عدم إحترام مكان عمله وعدم أخذ سرية العمل على محمل الجد
ولم يعد الأمر كما يقال أن شر البلية ما يضحك , فلم يعد فى الأمر ما يضحك , بل لم يعد فى الأمور ما يعتبر مقبولا ولا حتى معقولا
فهل قمنا بثورة حتى نلغى الفوارق الإجتماعية ونقرب المسافات ونرسى قواعد العدالة أم أننا ما زلنا نرتع فى دهاليز الظلم والجور , ما زلنا مكبلين مخنوقين بدخان الجهل والعنجهية ويحكمنا منطق العظمة بكل جنونه وصلفه
هل قمنا بثورة لنحقق عدالة لكل البشر أم لنزيد الفرقاء فرقة ونزيد الأوساط تباعدا ونزيد البلة طينا !!!!!
يا من حكمتم البلاد فزاد فى عهدكم ظلم العباد إرحمو من فى الأرض يرحمكم من فى السماء ,وإنظرو بعين الرحمة والعطف لهؤلاء الصغار فسوف تسألون عنهم يوما ,يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
ألا هل بلغت اللهم فإشهد
0 comments:
إرسال تعليق