اذا كان المكتوب يُقرأ من عنوانه، كما يقول المثل الشائع، فأنا اقرؤُه أيضاً من اهدائه. الشاعرة سوزان عون، في مجموعتها الثانية "ليلى حتى الرمق الأخير"، تُهدي كتابها الى امها، والى كل امرأة ستكمل معها المشوار. عن أي مشوار تتحدث سوزان، والى أين ستقودها رحلتها؟ قد يكون الجواب البديهي يشير الى التحرر من ربقة العبودية والظلم، لكنني تلمّستُ في كتابها توقاً الى غائبٍ ترك بصماته في القلب والقصائد. كأنّ كتابها عزفٌ منفرد على ناي الغياب، في ليل الغربة الطويل. فمن تُراه يكون الغائب؟
هو أولاً الحبيب الذي هو "محترفٌ يتعمّد الاختباء، ويتحايل على الحضور"، على حدّ قولها. وما يوجعها هو صمته المستمر، فتناديه:" انت قمري الغائب... غريبٌ انت وصمتك".هذا الغياب يثير فيها جدلاً، فتجفّ سنابلها قبل الأوان، وتتأخر المواسم. لكن سوزان لا تستسلم للهزيمة، فتمتشق القصيدة سلاحاً للثأر، والثأر وجه آخر للعشق. تقول للغائب: "لن تفلت من ثأر قصائدي"، وتقسم انها "لن تواري أصابعها في كهوف الصمت"... هكذا تصير الكتابة فعل تعويض عن غياب الأحبة، وبلسماً للروح التي جرّحها الرحيل.
والغائب الثاني هو الوطن الذي عانى مرّ الحروب والظلم والاجتياحات، فتصرخ سوزان:" متى ستجتاحك عاصفة الأمان والسكينة يا وطني؟" لنلاحظ هنا استعمالها لكلمة "اجتياح" في معرض الكلام عن الأمان، لأن ذاكرة اللبنانيين المنتشرين ما زالت مثقلة بذكريات الموت والنار والدمار. وشأن كل الذين تركوا ارضهم وبيوتهم طلباً للأمان والسكينة، لا تتعب سوزان من السؤال عن موعد عودة الأمان الى لبنان، مما يتيح لها امكانية الرجوع اليه. وتمرّ سوزان على الغائبين في ظلال الموت، فتعلن حضور الروح حيث يحتجب الجسد:" لا يعلمون بأن الجسد ارتفع، والروح لا زالت حولنا تحوم...ما أصعب افراغ الذاكرة منهم!"
واتساءل: ما سرّ هذا العزف على وتر الغياب في مجمل صفحات الكتاب؟ هل الخلفيّة الثقافية الشرقية تتجلّى في حياة سوزان وكتاباتها، ام ان الاحساس بالفجيعة أمر ناتج عن تجربة شخصية صعبة؟ لا شك ان وعي السقوط في الحزن فتح باب الارتقاء الى نشوة اللقاء، ولو في الحلم. تقول سوزان مزهوةً: " فانُوس الحلم في يدي"، وفي استعمال كلمة "فانوس" اشارة الى البعد التاريخي للمعاناة الراهنة... هكذا تخرج سوزان من ضيق المعاناة الفردية الى رحاب الخبرة الجماعية.
سوزان عون في تجربتها الشعرية المميزة صوتٌ صارخ في البريّة، وإضافة مباركة الى أدب مهجريّ قادر على رفد الثقافة العربية بنسغٍ شعري جديد. وحين يعجز المنطق عن حل المعضلات، ويقف العقل حائراً امام اشكاليات الحضور والغياب، تصف سوزان دواءها الشافي:" اتبع قلبك!" صدقتِ يا سوزان!
هو أولاً الحبيب الذي هو "محترفٌ يتعمّد الاختباء، ويتحايل على الحضور"، على حدّ قولها. وما يوجعها هو صمته المستمر، فتناديه:" انت قمري الغائب... غريبٌ انت وصمتك".هذا الغياب يثير فيها جدلاً، فتجفّ سنابلها قبل الأوان، وتتأخر المواسم. لكن سوزان لا تستسلم للهزيمة، فتمتشق القصيدة سلاحاً للثأر، والثأر وجه آخر للعشق. تقول للغائب: "لن تفلت من ثأر قصائدي"، وتقسم انها "لن تواري أصابعها في كهوف الصمت"... هكذا تصير الكتابة فعل تعويض عن غياب الأحبة، وبلسماً للروح التي جرّحها الرحيل.
والغائب الثاني هو الوطن الذي عانى مرّ الحروب والظلم والاجتياحات، فتصرخ سوزان:" متى ستجتاحك عاصفة الأمان والسكينة يا وطني؟" لنلاحظ هنا استعمالها لكلمة "اجتياح" في معرض الكلام عن الأمان، لأن ذاكرة اللبنانيين المنتشرين ما زالت مثقلة بذكريات الموت والنار والدمار. وشأن كل الذين تركوا ارضهم وبيوتهم طلباً للأمان والسكينة، لا تتعب سوزان من السؤال عن موعد عودة الأمان الى لبنان، مما يتيح لها امكانية الرجوع اليه. وتمرّ سوزان على الغائبين في ظلال الموت، فتعلن حضور الروح حيث يحتجب الجسد:" لا يعلمون بأن الجسد ارتفع، والروح لا زالت حولنا تحوم...ما أصعب افراغ الذاكرة منهم!"
واتساءل: ما سرّ هذا العزف على وتر الغياب في مجمل صفحات الكتاب؟ هل الخلفيّة الثقافية الشرقية تتجلّى في حياة سوزان وكتاباتها، ام ان الاحساس بالفجيعة أمر ناتج عن تجربة شخصية صعبة؟ لا شك ان وعي السقوط في الحزن فتح باب الارتقاء الى نشوة اللقاء، ولو في الحلم. تقول سوزان مزهوةً: " فانُوس الحلم في يدي"، وفي استعمال كلمة "فانوس" اشارة الى البعد التاريخي للمعاناة الراهنة... هكذا تخرج سوزان من ضيق المعاناة الفردية الى رحاب الخبرة الجماعية.
سوزان عون في تجربتها الشعرية المميزة صوتٌ صارخ في البريّة، وإضافة مباركة الى أدب مهجريّ قادر على رفد الثقافة العربية بنسغٍ شعري جديد. وحين يعجز المنطق عن حل المعضلات، ويقف العقل حائراً امام اشكاليات الحضور والغياب، تصف سوزان دواءها الشافي:" اتبع قلبك!" صدقتِ يا سوزان!
0 comments:
إرسال تعليق