الشيوعية فكرا قبل أن تكون إنتماءا "رقميا" كما الحال بالنسبة للأحزاب القومية والايدلوجية الاخرى.... في عالمنا العربي أغلب الأحزاب الايدلوجية تبحث عن الأرقام التي تتفاخر بها ...قطيع من البشر يستخدمونهم عند الحاجة أما للسب والشتم وأما لاعمال "بلطجة وتشبيح " لا تليق بأحزاب لها باع طويل في تشكيل جزءا رئيسيا من خارطة الاحداث العربية ...
نشر نصار تسجيلاً حاكم به نفسه حزبيا في الدرجة الأولى كعضوا شيوعياً ملتزما بنظام حزبه في لبنان .... وبادر إلى فصل نفسه من الحزب الشيوعي اللبناني بعد تاريخ طويل وغني، رغم أن ما اقترفه نصار لا يستوجب ذلك، مع وجود الأدلة والبراهين التي أرغمته على اقتراف "ذنب" إعلان موته.
وليام نصار وجد في محاكمته التي أقرها بنفسه طوق نجاة لم يقدمه له المقربون ....أما الذين كان في يوم من الأيام ركنا من منظومتهم، حاولوا ابتزازه سياسيا وشخصيا، كي يعيدوه إلى الحياة كما فعلوا أثناء مرضه هم "وأعدائهم"، إلا أنه فاجأهم بأعلان موته ظانا أنه يفي بالتزامه الأخلاقي والوطني على حساب مصلحته الشخصية.
وفي التسجيل الصوتي، أيضا، يحاكم نصار نفسه سياسياً، ولا يبوح بكل ما لديه رغم كثرتها. ويقيني أني أعرف ومتأكد أن لديه الكثير ليقوله، بحكم علاقتي الوطيدة به، لكنه يأبى الحديث ويغير وجهته كلما سألته عن أمر.
وليام نصار .....الجديد بمواقفه السياسية ......والمناضل الذي لم يغادر ساحات الكفاح الفكري والسياسي ....والفارس الذي لم يترجل عن فرسه ...لكنه صحح مساره الانساني والسياسي ليكون عونا للمظلوم "الحقيقي" على الظالم. ....
أدرك وليام نصار مبكرا أن تورط حزب الله في الوحل السوري والعراقي لن يجلب سوى الخراب، وحاول إيصال كلمته، لكنها اصطدمت بحائط النشوة التي كان غارقا بها حزب الله. وأنا شاهد على مكالمته مع إحدى السيدات قبل تورط حزب الله في مستنقع الدم السوري بأكثر من ستة أشهر، والطلب منها نقل جديث له مع أحد الصحافيين الفرنسيين حيث قال له: " الكل يراهن على دخول حزب الله في المعركة الدائرة في سوريا إلى جانب النظام، وتورطه هذا سيكون نهاية أسطورته وفقدان مصداقيته". وأغلب ظني أن تلك السيدة كانت تدعي أنها من حزب الله إلا أنها في الحقيقة والواقع ومن خلال متابعتي بين الفينة والأخرى لصفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي، أرجح بأنها ليست سوى مخبر صغير للنظام السوري وأجهزته، وقد نبهت صديقي وليام إلى هذه المسألة، لكنه رفض الاصغاء.
النظام الايراني كما إسرائيل وراعيها الولايات المتجدة الأمريكية، أوصل العرب إلى طريق مسدود، وضع أوطاننا على كفِ عفريت ....فرق بين الأخوة وأبناء الوطن الواحد، وحول مقاومة حزب الله ضد إسرائيل إلى ميليشيا من الشبيحة تدافع عن شخص، ويا ليتها كانت تدافع عن نظام ..
وليام نصار لم يغادر ساحة الفن الهادف والعمل السياسي ....وإنما صحح مساره ووجه سهامه للعدو الحقيقي للعرب والانسانية..."الموت في سبيل لا شيء" .. و "خوض حروب في سبيل الغير وبالنيابة عن الغير" ...
حتى في قناعاته الجديدة، والتي تطورت لديه بعد زيارته لفلسطين وإسرائيل، يبقى وليام نصار متفردا في طرحه ونظرته ثاقبة وصحيحة فيما يتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي. فالسلام والتعايش بالنسبة لوليام نصار مع دولة إسرائيل هما معركة وجود أيضا، وفي قناعاته الجديدة يؤمن وليام نصار بأن السلاح والحروب لن تنهك إسرائيل ولن تنهي وجودها، بل السلام هو الأخطر على هذا الكيان لما يحمله من تطوير للقدرات العربية علميا وثقافيا وإجتماعيا وممارسة ديمقراطية.
وليام نصار حاكم نفسه سياسيا وإنسانيا بالفصل من الحزب الشيوعي اللبناني إيمانا منه بأن زملاءه وأحبائه السابقين لم يقفوا معه في محنته التي يواجهها والتي خرج منها بأقل الخسائر على الصعيد الشخصي، وبأغلاها على من كان يوما ما رمزا من رموزهم.
بسبب مواقفه السياسية الراسخة الجديدة .. وجد في قرار فصل نفسه من الحزب الشيوعي اللبناني، وسيلة لاخراج حزبه من الاحراج الذي أوقعه به مرغما، وللشروع في بداية جديدة ومرحلة جديدة في حياته الفنية الهادفة ومواقفه السياسية والانسانية.
كلمة أخيرة أنهي بها مقالتي هذه:
على مدار تسعة عشر عاما، خاض وليام نصار حروبا قانونية وسياسية مع داعمي إسرائيل بسبب إلمامه في كيفية التعاطي مع ملف الأسرى في السجون الاسرائيلية .. ونجاحه مع فريق عمله من المتطوعين بالافراج عن العديد منهم .. إلا أن تلك الحروب لم تخاض بمعزل عن الأخلاق والقيم والقانون.
أقول ذلك لمقارنتي بين رفاق وليام نصار سابقا من "قوى الممانعة" وافتقادهم للعامل الأخلاقي والانساني في الاختلاف السياسي .. وبين عدو تلك الممانعة التي كانت تحترم عناده وحرفيته في معاداتهم.
إسرائيل وأصدقاؤها في الولايات المتحدة الامريكية وكندا وأوروبا، لم يستطيعوا إيقاف نشطاء أولاد البلد عن النضال السلمي من أجل قضية فلسطين والأسرى ... غير أن المفارقة المضحكة أن من ينادون بالعداء المطلق لاسرائيل وجنس اليهود هم من كان لهم الفضل في قتل تلك التجربة الفريدة.
0 comments:
إرسال تعليق