الخمير الحمر وداعش نتاج بيئة أوجدتها الولايات المتحدة الأميركية وتسببتا بإحداث مأساة إنسانية حقيقية الأولى في كمبوديا والثانية في العراق ومن ثم سورية. وإذا كان التاريخ قد كشف المدى الحقيقي لفظاعة الجرائم التي ارتكبها الخمير الحمر والذين تجاوز عدد ضحاياهم الألفي إنسان كمبودي فإنّ الحاضر يكشف ماهية داعش التي استخدمت القتل والقتل الجماعي كغاية في حد ذاته، والتي مازال تعداد ضحاياها في ازدياد.
وبمقارنة نشأة هاتين الجماعتين ومسيرتهما نجد مدى وحدة الظروف ووحدة المسار وحتمية النهاية لتنظيم داعش وأخواته والتي لن تكون مغايرة لنهاية جماعات الخمير الحمر.
فمن حيث النشأة كان لريتشارد نيكسون ومستشاره الأمني ماكفرلين ووزير خارجيته هنري كيسنجر الدور الأساسي في صياغة خطة شيطانية في كمبوديا في السبعينيات من القرن المنصرم, حيث قصفت الولايات المتحدة كمبوديا, ودمرت معظم بناها التحتية ومناطقها ما أدى إلى نشوء «بيئة» مناسبة لنمو خلايا ومنظمات «الخمير الحمر» وسيطرتها الإرهابية على عموم البلاد. وتكرر المشهد في العراق ولكن تحت مبررات مخالفة وضمن أهداف أخرى. فوضعت الإدارة الأميركية التي كان يترأسها الجمهوري جورج بوش الأب خطة حصار العراق بعد "حرب تحرير الكويت" وقال يومها عبارته الشهيرة "سنعيد العراق إلى القرون الوسطى" وجاء بعده الديمقراطي كلينتون ليطبق الحصار على العراق ويتسبب بمأساة إنسانية رهيبة راح ضحيتها مئات آلاف الأطفال العراقيين نتيجة سوء التغذية والتي لولا سورية التي كانت تكسر الحصار وترسل المواد الغذائية للشعب العراقي لكانت المأساة أكبر. وبعد كلينتون جاء بوش الابن ليغزو العراق بحجة القضاء على "أسلحة الدمار الشامل العراقية" المزعومة, ويدمر بنى العراق التحتية ومؤسساته ويهيئ للبيئة التي أدت لنشوء التنظيمات المعادية للإنسانية والتي كان آخرها تنظيم داعش.
أما في الأهداف فقد وضع الخمير الحمر هدفهم آنذاك وهو بناء "المدينة الزراعية الفاضلة" ووضعوا سياساتهم التي قامت على إشعال حرب طبقية، سعت إلى تفريغ المدن، ومنع الأموال، وإعدام المثقفين، بل وإعدام أي شخص يرتدي النظارات، في محاولة من أجل تأسيس تلك "المدينة الزراعية الفاضلة." ولكن بدلاً من تأسيس تلك المدينة المنشودة، انتهى الأمر بتلك الجماعة إلى ارتكاب جرائم إبادة جماعية، أودت بحياة ما يقرب من مليوني شخص.
ونفس الشيء يتكرر اليوم مع داعش وأخواتها مع اختلاف الأهداف حيث وضعت داعش هدفها وهو إقامة "دولة الخلافة الإسلامية" وتحت هذه الذريعة قامت بإحداث مأساة حقيقية في أجزاء من العراق ومن ثم سورية وقبل أن يتكشف المدى الحقيقي لفظاعات تلك الجماعة على مستوى واسع، مازال البعض ممن لم يكتوِ بنارها يعتقد بنبل هدفها كما كان بعض أتباع الخمير الحمر يعتقدون بقدسية هدفهم .
فكما حوّل الخمير الحمر المدارس في كمبوديا إلى سجون لتصفية من يشككون في ولائه أغلقت داعش المدارس بحجة تغيير المناهج لتتوافق مع الشريعة في الجزء الذي تسيطر عليه وحوّلت بعضها لسجون ومعتقلات تمارس فيها أبشع أنواع الجرائم ضد الإنسانية.
أما على صعيد تطبيق القانون فقد وضع الخمير الحمر وداعش قوانينهم المزاجية الخاصة بهم وتصرف القراصنة بوصفهم جهات منفذة للقانون متجاهلين حتى أبسط المعايير الأساسية للتفاعل الإنساني.
ومن حيث النهاية فبعد أن تمكن الخمير الحمر من تدمير كمبوديا وإعادتها للقرون الوسطى. فسحت الولايات المتحدة لفيتنام الشمالية المجال للقضاء على الخمير الحمر. بل أخذت تحث المحاكم الدولية لملاحقة قادتهم ومحاسبتهم على الجرائم التي ارتكبوها ضد الإنسانية.
وختاماً أقول إنّه على نفس خطا الخمير الحمر الذين حكموا كمبوديا بين نيسان 1975 وكانون ثاني 1979 ثم سقطوا ولوحقوا بالجرائم الذي ارتكبوها وبنفس المدة الزمنية ستتلاشى داعش وتنهار فليس بقطع الرؤوس ولا بالمذابح ستتمكن من السيطرة وإنّما عنفها دليل على محاولة إيهام الآخرين بقوتها, وفي الحقيقة تكشف هذه التصرفات مدى ضعفها وفشلها وقرب زوالها.
وإذا كانت وحشية بول بوت والخمير الحمر في كمبوديا أثناء حكمهم مؤشر على انحسار المد الشيوعي السوفييتي وعلى قرب سقوطه فإنّ وحشية البغدادي وداعش والنصرة وأمثالهم هي المؤشر على قرب انحسار الإسلام السياسي وقرب سقوط ما يسمى بدولة الخلافة.
0 comments:
إرسال تعليق