بعد مخاض غزة العسير سلطة رام الله تلد مسخاً/ حسن العاصي

مازالت السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس يراهنون على الدور الأمريكي في الضغط على إسرائيل لقبولها ترسيم الحدود مع الجانب الفلسطيني .
فقد أعلن أبو مازن عن خطته البائسة المؤلفة من ثلاث مراحل ، تبدأ بمنح الإدارة الأمريكية فترة أربعة أشهر كي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية ممارسة ضغوط على الكيان الصهيوني من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات مع الجانب الفلسطيني ، لبدء مرحلة جديدة من المفاوضات تؤدي إلى أنهاء الإحتلال الصهيوني ، وفي حال فشل هذه الخطوة ، ستقوم القيادة الفلسطينية باللجوء إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية على حدود ماقبل السابع من حزيران عام 1967 ، وإن لم تتكلّل هذه الخطوة بالنجاح ، ستلجأ القيادة الفلسطينية إلى الإنتساب لعضوية كافة المنطمات والهيئات الدولية التابعة للأمم المتحدة لوقف آخر احتلال بالكون ، ووضع العالم أمام مسؤولياته الأخلاقية والقانونية ، خاصة تلك الدول التي وقفت إلى جانب فلسطين في قبولها كعضو مراقب في الأمم المتحدة ، و بما يضمن تقديم إسرائيل لمحكمة الجنايات الدولية .
الأمر المفجع بتصريحات محمود عباس و بخطة جوقته أنه يتم الإعلان عنها ولم تجف دماء مئات الشهداء الذين قتلتهم آلة العدوان والبطش الصهيونية في آخر حلقة من مسلسل الإعتداءات التي تشنها كحرب إبادة على الشعب الفلسطيني ،وقد ترافق الإعلان عن هذه الخطة مع تصريحات لأبو مازن نفسه ولبعض أصوات السلطة في رام الله ، تشكك في حنكة قيادة حركة حماس في غزة في إدارتها للحرب الأخيرة ،وفي اسباب ومسببات العدوان ،ولسان حالهم يقول أن حماس هي من استجر العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني ، وأنه كان من الممكن تقليل عدد الشهداء لو قبلت حماس المبادرة المصرية بصيغتها الأولى والتي طرحها النظام المصري بعد أسبوع على العدوان الصهيوني على غزة ،بل أن بعض قيادات السلطة الفلسطينية في رام الله ذهب إلى أبعد من ذلك حين اعتبر أن حماس انهزمت في العدوان ولم تنتصر ، وإن كان من نصر للشعب الفلسطيني فإنه يتمثل في عدم زيادة عدد الشهداء الذين سقطوا شهيدا واحداً إضافياً ، هذا في الوقت الذي تقر فيه إسرائيل بهزيمتها ، ويعترف فيه الكثير من قادة الكيان الصهيوني ومن مفكريه أنهم لم يستطيعوا تحقيق الأهداف التي وضعوها بداية عدوانهم على الشعب الفلسطيني في غزة .
هذه المواقف ليست غريبة عن سلطة أفلست منذ زمن ، ولم يبق في جعبتها إلّا توجيه الشتائم واللوم للآخرين ،هذه التصريحات من قبل سلطة رام الله ورئيسها هي مواقف منسجمة تماماً مع خيارات وقناعات هذه المجموعة التي ارتضت لنفسها أن تعلن عن إنتهاء مرحلة الكفاح الفلسطيني المسلح ، وبداية العمل السياسي ، والمفارقة المبكية التي لاتريد هذه السلطة رؤيتها ، هو أنه بعد عشرين عاماً من بدء هذه المرحلة مع التوقيع على اتفاقيات أوسلو ، لم تستطيع السلطة الفلسطينية تحقيق ولو جزء من أهداف الشعب الفلسطيني ، بل على العكس تماماً فإن الجانب الفلسطيني تم ابتزازه من قبل الكيان الصهيوني على مدى الاعوام التي تلت توقيع الاتفاقية ،وبشكل متكرر أدى إلى عدم التزام الكيان الصهيوني بالحقوق الفلسطينية التي نصت عليها اتفاقية اوسلو ، وأصبحت غاية المفاوض الفلسطيني أن ينتزع موافقة الكيان الصهيوني على الإلتزام بما تم الإتفاق عليه في أوسلو ، وأن كل ما فعلته هذه السلطة هو إجهاض كل حراك ثوري جماهيري في الضفة الغربية ، ومنع مقاتلي فصائل المقاومة من توجيه بنادقهم إلى العدو الصهيوني ، وتحويل آلاف المناضلين إلى موظفين يتكدسون في الوزارات و الدوائر ينتظرون راتب نهاية الشهر ،وقضت على كل ما من شأنه أن يعكّر علاقاتها مع الكيان الصهيوني الذي مازال يصول ويجول بعنجهية في شوارع الضفة الغربية ، ومازال يعتقل الفلسطينيين من مختلف القوى بما فيهم أعضاء من حزب الرئيس نفسه. 
فما الذي يجعل السلطة الفلسطينية ورئيسها متمسكين بخيارات العمل السياسي فقط ونبذ كافة أشكال النضال الأخرى ،هو ببساطة حالة الإفلاس الفكري والأخلاقي والنضالي لديهم ، إضافة إلى تشابك مصالح رؤوس الأموال ورجال الأعمال في رام الله مع رجالات السلطة وتتقاطع هذه المصالح مع مصالح بعض رجال الأعمال الصهاينة ، الأمر الذي يجعل من أي حالة من عدم الهدوء هو يهدد مصالح هذه الطغمة ، والشواهد هنا أكثر من أن يتم ذكرها في مقالنا هذا ، لكن يكفينا أن نشير إلى دور إبن محمود عباس نفسه مع عدد من رجال السلطة وعلاقاتهم مع بعض رجال الأعمال داخل الكيان الصهيوني ، وهذه العلاقات المبنية على المصالح الشخصية بعيدا عن هموم ومصالح وحقوق الشعب الفلسطيني التي تُنتهك يومياً من قبل الكيان الصهيوني ومن قبل سلطة محمود عباس أيضاً .
المطلوب في هذه المرحلة فلسطينياً ، أن يجري استثمار حالة الصمود الرائع لأهالي غزة في مواجهة ماكينة القتل والدمار الصهيونية ،بما يضمن توحيد الصف الفلسطيني ، وتعميق وتعزيز وتطوير هذه الوحدة وتصليبها ، وجعلها عصيّة على الكسر والتفتت ، والإنتهاء من موضوع الإنقسام الفلسطيني مرة واحدة وإلى الأبد ، كما ولا بد مكن محاسبة الفاسدين في السلطة أينما كانوا ومهما كانت المواقع التي يشغلونها، كما تبرز مهمة دعم المقاومة والحفاظ عليها وحمايتها وتطوير تسليحها وتعزيز صمودها أمراً في غاية الأهمية ، حتى لو كانت السلطة ستلجأ إلى الحلول التفاوضية والسياسية الأخرى ،فالمقاومة والقوة هي أهم لغة يفهمها الكيان الصهيوني ، وهي وحدها القادرة على تحقيق إنجازات للشعب الفلسطيني ، ومطلوب أيضاً البدء فوراُ دون أي إبطاء بانتساب فلسطين إلى كافة المحافل الدولية التي يحق لها طلب العضوية فيها وأهمها محكمة الجنايات الدولية ، كي تتم محاسبة قادة الكيان الصهيوني على المجازر التي ارتكبوها بحق الفلسطينيين ، فلا نرى سبباً موضوعياً لتأجيل هذه الخطوة أربعة أشهر ، أيضاً هناك مهام أخرى كثيرة تنتظر الفلسطينيين في المرحلة المقبلة ، لعل من ابرزها أيضاً هو ترميم جراح غزة ، والبدء في عملية إعادة الإعمار ، وإدخال كافة مواد البناء ، وكل ما يحتاجه القطاع من مستلزمات ، ورفع الحصار ، وفتح المعابر كي يتمكن سكان غزة من ممارسة حياة طبيعية أسوة بباقي شعوب الأرض .
على السلطة الفلسطينية في رام الله أن تكف عن محاولة تفريغ وتقويض الإنجاز الذي تم تحقيقه في غزة لأسباب فصائلية مقيتة لا علاقة لها بمصالح الشعب الفلسطيني، ومحاولتها استغلال هذا الوضع المستجد لإعادة تموضعها على حساب دماء الغزّاويين ، وأن تتوقف عن طرح المبادرات الهزيلة التي لا تستجيب بأي حال لأهداف الشعب الفلسطيني ، ولا تتناسب مع حجم التضحيات الكبيرة التي قدمها هذا الشعب 

CONVERSATION

0 comments: