إن حجم الدمار الشامل الذي خلّفه العدوان الصهيوني الأخير على غزة ،شكّل لحظة عمياء في كل القيم والمبادئ الإنسانية
التي يتبجح بها المجتمع المدني المتحضر ، ولايمكن مقارنة هذه الوحشية إلّا بغزو التتار لمدينة بغداد .
إن الشعب الفلسطيني يتعرض لحرب تصفية و إبادة من قبل ماكينة القتل الصهيونية من طرف عدو إقصائي لاعلاقة له بالقيم الأخلاقية ، الدينية منها أو الإنسانية ، فالعقلية الصهيونية تقتل الإنسان الفلسطيني وتدمر كل شيء ، وتحرق المزروعات من منطلقات استعلائية تمجّد العرق اليهودي على سواه ، وتتحدث عن دولة يهودية لاوجود فيها للعرب ، وهي بذلك تتقاطع مع الأفكار النازية وقيمها المدمرة ، والتي كان اليهود أنفسهم للمفارقة ، أهم ضحاياها خلال أربعينيات القرن الماضي .
إن بشاعة هذا العدوان والفكر العنصري الفاشي الذي يغذيه ، يجعلنا نتساءل عن عجز الفكر الإنساني والمجتمعات المعاصرة والوعي الجمعي للعالم عامة ، وللدول الغربية خاصة ، عجزه عن محاصرة هذه الأفكلر الشوفينية والقضاء عليها بعد مرور أكثر من نصف قرن على القضاء عليها في مهدها .
من جهة أخرى، فإن حالة العجز والذل والهوان التي يعيشها المواطن العربي ، أوقعته ضحية الشعارات والإحتجاجات اللتان لجأ إليهما كوسائل احتجاج ودفاع و تضامن مع الشهب الفلسطيني ، وهو في هذا يعزز ضعفه وسلبيته ويُظهر حالة التكلس التي اصابت مفاصل الحراك الشعبي العربي ، ومازال المواطن العربي لايدرك أن الشعب الفلسطيني يدافع عن كرامة الأمة العربية في وجه أعداءها ،وأن لاجدوى من شعارات دعم نضال الشعب الفلسطيني ما لم يستعيد المواطن العربي كرامته من النَظم الحاكمة ، وأن لا فائدة من الدعاء ومن الصراخ ما لم نبدأ في تفكيك أزمة الإنسان العربي وفهمها والنضال إلى تجاوزها .
كما يبدو فإنه في الوقت الذي يظهر فيه رجال الأمة العربية والإسلامية مازالوا غير جاهزين لتلبية نداءات النساء الفلسطينيات والإستجابة إلى صرخات أطفال غزة الذين تفرمهم آلة القتل الصهيونية فإن الحكّام العرب أصبحوا يتحدثون عن الاستخدام"المفرط للقوة" أو "للحرب بين الجانبين" ، ولم يعد الكيان الصهوني هو العدو الوحيد للأمة العربية ولشعوبها ، بل أصبح طرفاً من الأطراف ، ومن سخرية هذا الواقع المرير الذي يعيشه العرب أن الزعماء والقادة والحكام يتظاهرون أيضاً جنباً إلى جنب مع شعوبهم للتنديد بوحشية العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني ، ويوقعون على مذكرات الإدانة ، وكأنهم جزء من لعبة شطرنج ، وليسوا قادة وعلى عاتقهم تقع مسؤولية اتخاذ قرارات تاريخية ومصيرية متعلقة بمصير شعوبها وشعوب الأمة العربية ، وبذلك وفي صورة سوريالية ، نجد الحكام والشعوب في خندق واحد للمفارقة ، ينددون بالعدوان الصهيوني .
بعيداً عن المزايدات والبطولات التاريخية ، وبعيداً عن الخطابات الإنهزامية الإستسلامية ، فإن على الأمة العربية والإسلامية شعوباً وحكومات واجب دعم المقاومة ورجالها وقواها السياسية في فلسطين وفي غزة تحديداً ، وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني الحاضن للمقاومة، كما علينا أن نعيد صياغة القيم الأخلاقية والتنويرية ، وإعادة تفعيل قيم النضال والكفاح التي تنحاز لمصالح الشعوب العربية وكرامتها بما يحقق مصالحها ويبني مستقبلها ، نحتاج إلى إعادة الروح لمفاهيم التضامن العربي-العربي ، والتصالح العربي مه محيطه الإقليمي ومع كافة الأقليات الغير عربية في المنطقة والتي تتعرض لنفس التهديدات .
إن الفكر الصهيوني بمفاعيله العنصرية ، والعدوانية التوسعية ، يشكل خطراً على جميع سكان المنطقة وعلى مستقبلهم ، وعلى الجميع التضافر من أجل درء هذا الخطر ، وإلّا فعلى الجميع أن يتحسس رأسه في قادم الأيام
0 comments:
إرسال تعليق