مجلة ٧ أيام | ١٢ نوفمبر ٢٠١٣
العنوان ليس مزحةً سخيفة، كما يتبادر إلى عقول الأسوياء قرّاء المقال. ولا مبالغة شعرية، جمح بها خيالُ شاعر مجنون. ولا خيالا ديكتاتوريّا مريضًا، عَنّ في رأسٍ معطوب لمتطرفٍ، سرعان ما تراجع مخافةَ أن يفضحه الناسُ ويُجرّسوه، كما يُجرِّسُ القرويون اللصوصَ والزُّناة. بل هو واقعٌ بشع وصل فيه الإقصاءُ والفاشية الدينية آمادًا لا معقولة، وتجاوز فيه الإرهابُ الفكري كل سخافات الوجود!
كان هذا مناشيت أحد الصحف: "محكمة تمنع غير المسلمين من استخدام لفظ ’الله‘." يا الله!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! علامات التعجب التي تتواثبُ أمام عينيك، من عندي أنا. ولو أنني "صمويل بيكيت" أو "هارولد بنتر" أو أيًّا من كُتّاب "مسرح العبث"، لأكملتُ المقالَ بعلامات التعجّب، ثم أنهيتُه بضحكة ساخرة، تحملُ المُرَّ والوجع.
حدث بالفعل، في أحد بلاد الله فوق هذا الكوكب التعس، أن حرّمت محكمةٌ قضائيةٌ مواطنيها من مناجاة الله باسمه، لأنهم غير مسلمين! دعوني أولًا أشكر الَله أن ذاك البلد ليس مصر. ثم اندهشوا معي أن تلك الدولة تُسمى: "ماليزيا"!!! نعم، ماليزيا! بلد العظيم "مهاتير محمد" الذي انتقل ببلاده من دولة زراعية نامية إلى دولة صناعية متقدمة، أحد النمور الآسيوية الصغيرة، وأحدث طفرة فائقة في التعليم والبحث العلميّ. البلد التعدديّ المثقف الذي احتضن كافة الأديان في سلام؛ فعاش المسلمُ جوار البوذي والمسيحي والهنودسي والكونفوشيوسي والطاوي واللا ديني في تحابٍّ ووئام دون نزعات طائفية تُذكر. الدولة التي يضمن دستورُها للمواطن حريةَ العقيدة.
في هذا البلد، رفع مجموعةٌ من المتطرفين لافتاتٍ فاشيةً إرهابية تقول: Allah just for Muslim, fight no Fear. “الله فقط للمسلم. قاتلْ ولا تخف"! وبدلا من أن تعتقلهم الدولةُ بتهمة شقّ الصف ومحاولة "اختطاف" اسم "الله"، لفصيل دون غيره، بينما هو إله البشر كافة، بدلا من إعادة تأهيل أولئك المارقين لكي يتهذّبوا مع الله، ومع خلق الله، ويتعلموا أنهم لم يحتكروا الله لأنفسهم دون سواهم، بدلا من كل هذا، حكمت المحكمةُ لهم بما أرادوا من جنون، وحرمّت على المسيحي والبوذي والطاوي أن يتذوقوا حلاوة "اسم الله"، بألسنهم! تُرى كيف يناجون الله؟
بدأت "النكتة" المُرةّ عام ٢٠٠٩، حين منعت الحكومةُ آنذاك صحيفةَ "هيرالد" الكاثوليكية في ماليزيا من استخدام لفظ "الله" في نسختها باللغة الملايوية. فتوجهت الصحيفةُ إلى المحكمة التي رفضت قرارَ الحكومة؛ وأقرّت للجميع حق استخدام لفظ الجلالة خالق الكل ورب البشر. فاستأنفت على حكم المحكمة العادل العاقل، الحكومةُ العنصرية (التي تغازل الأغلبية المسلمة)! وظلّت القضيةُ معلّقةً نحو أربع سنوات حتى صدور الحكم الأخير منذ أيام، حيث حصرت لفظ "الله" على المسلمين وحدهم دون سواهم، بما يعد انتكاسة لجهود الدولة في دعم قانون حماية الأقليات الدينية. بينما ترى تلك الجماعاتُ المسلمة المتطرفة أن استخدام لفظ "الله" لغير المسلمين سيشجع على اعتناق المسلمين الديانةَ المسيحية! تصوروا كيف وصل بهم الفكرُ الساذج القشريّ!
سذاجتُهم تبدأ من اختصارهم ربَّ العزة، مالك الملك، وملك الملوك، خالق السموات والأرض، وخالق الكون الشاسع الذي لا تحيطُ به خرائطُ ولا تحدُّه خطوطُ طول وعرض، ولا يتصور مداه عقلٌ، في مجرد "مفردة" في معجم! الكونُ الذي يسافر فيه شعاعُ ضوء بسرعة ٣٠٠ كيلو متر/ ثانية، في خط مستقيم، سنواتٍ وعقودًا وقرونًا ضوئية، ولا يصل منتهاه. خالق مثل هذا الكون الهائل المُعجز، يختصرونه في كلمة! وتنتهي سذاجتُهم عند تصورهم أن محض "مفردة" بوسعها أن تخلع إيمانَ إنسانٍ من قلبه؛ فيتحول من الإسلام إلى المسيحية، أو العكس! مرورًا بعشرات السذاجات مثل اختطاف قيمةٍ عُليا كأنما ورثوها من الله ذاته. الإرهابيُّ قد يسرق "الروح"، فيقتل. أو يسرق "الأرض" فيهدم كنيسةً أو معبدًا أو تمثالا. أو يسرق "المال" فيسطوا على محل مجوهرات يمتلكه مسيحي. أو يسرق "النفس" و"العِرضَ" فيختطف أنثى ويجعلها جارية مما ملكت يمينه. لكن "عشنا وشفنا" إرهابيين يسرقون "الله"!!
هل يمكن أن يحدث مثل هذا "الهطل" في مصر؟! الإجابة: “لا"، حاسمةً. لماذا؟ لأنني أثق أن شعبَ مصر المحترم، الذي أنجب: "الست عواطف" (أم أشرف، التي صفعها الإخوانيُّ الجهول)، وأنجب السير د. ومجدي يعقوب، شعبًا مثل هذا مستحيلٌ أن ينجرف إلى مثل تلك التراهات. لماذا اخترتُ هذين النموذجين بالذات؟ لسببين. أولا: هي سيدةٌ أُميّة بسيطة، وهو رجل من أعظم وأعلم عقول الأرض. وبهذا فقد جمعتُ القوسَ من قُطبيه ليضمَّ ما بينهما من مستويات علمية وثقافية متراوحة ومتباينة. وثانيًا: لأن السيدةَ البسيطة، مسلمةٌ، قالت: “مصر للمصريين، وقبل المصريين الأقباط". دعك من الارتباك في المصطلحات، فإنما تقصد: “أن مصر للمصريين مسيحيين ومسلمين”. وأما الرجلُ الطبيب، فمسيحيٌّ، يعالج قلوبَ أطفال المسلمين، قبل أطفال المسيحيين. لأنه ببساطة ينظر إلى العِلّة في القلب الصغير المعطوب، ولا ينظر إلى عقيدته.
بلد مثل هذا مُصانٌ بأمر الله من فوق سبع سموات، ولا خوفٌ عليه من بلاهة المتطرفين. أما سارقو الله، فلهم الله!
0 comments:
إرسال تعليق