الدكتور موفق ساوا.. تسكنه فضاءات المسرح/ الأب يوسف الجزراوي

كثيرون هم الذين يدركون أنني في كتابي (الأب يوسف جزراوي وهؤلاء) أو (هؤلاء عرفتهم)  أستثني أشخاصًا لهم مكانتهم ولا أكتب عنهم، والسبب ببساطة هو أنني لم أتشرف بالتعرف على تلك الشخصيات أو الاقتراب منها، لأن ظروف الحياة لم تتح لهم ولي ذلك. وها أنا أكتب اليوم عن شخصية عراقية لها ثقلها الثقافي بين صفوف الجالية العربية في استراليا، لمست فيها المعنى الواضح لمفهوم العصامية.

أكتبُ عن رجلٍ لو قيل له ما فردوسك لاجابك في الحال: "المسرح". فحياته لا تعدو أنْ تكونَ في العيش خارج خشبة المسرح، لا جوارها، ولا أمامها، ولا خلفها... بل على الخشبة فقط!؛ فالمسرح هو طوق النجاة له في بحر غربته المتلاطم الامواج.

تلمعُ عيناه بــالطموح ليغسلَ كآبة نوافذه المثقوبة وراء ستائر غربته بنصٍ مسرحي؛ فعلى ما يبدو أنَّ الهمومَ وعجلة الزمن لم تهزم إرادته ولم تضعف قدرته على التعبير والتفكير في رؤية مسرحية يطلّ بها على الناس.

نحيل الجسد، طويل القامة، النظارات الطبية لا تفارق عينيه، مظهره بسيط،، لحضوره بريق. لم يبحث يومًا عن جائزة، لكنه كان الجائزة التي نالتها منه خشبة المسرح.

لم يلهث وراء الساسة، ولم يغازل السلطة، لكنه قارع ظلم الحاكم عبرَ نصوص مسرحياته.  صُدرَ عليه حكم الإعدام عام 1978 في الكوت في اشرس هجمة لحكم العفالقة، لكن العناية الإلهية ابعدت عنه ذلك الحكم اللاإنساني.

 على مدار سنوات معرفتي به روى لي الرجل  ذكرياته يوم عرضَ عليّ جروح الذاكرة ، ليمتد بنا الحديث حول تفاصيل تلك الحادثة والظروف التي احاطتها، لكنني تجنبت هنا  الولوج في تفاصيلها، لأن الوقت لا يسعفني. والحال، لقد مضى الرجل في حياته العامة والفنية عبرَ رحلة مثيرة فيها من المعاناة والمتاعب، النجاحات والإخفاقات، بعد أن كان طريقه مُعبّدًا بالجمرِ.

 هو مسيحي المولد، شيوعي الثقافة، غربي الذهنية، عربي الأبجدية. له حديث طلي يشد المستمعين إليه في الأحاديث والجلسات العامة؛ لكنه إذا امتلك الميكروفون بين يديه تلقاه مرتعشًا مُتلعثمًا. ولقد تميز أبو نرساي باطلالته على الآخرين في المناسبات العامة والأمسيات الثقافية بربطة عـنـق غالبًا ما تكون حمراء اللون! فلعلّها ترمز إلى انبهاره الشديد بالفكر الماركسي والإنتماء إليه.

إنَّه  الدكتور موفق ساوا ذلك الكاتب والمخرج المسرحي العراقي القدير، رئيس تحرير صحيفة العراقيّة الاستراليّة الغرّاء، الذي تعود معرفتي به إلى تاريخ 7/5/2011 يوم حضر حفل توقيع كتبي في قاعة كنيسة مار توما الرسول بسيدني، ثم عملَ فيما بعد على التغطية الاعلامية لبعض الأنشطة  الثقافية التي كنت أُقيمها في تلك الكنيسة العزيزة.

ذات صباح وبعد أن مضت الشهور، تلقيت منه دعوة للكتابة في صحيفة العراقيّة، كان ذلك في 13/11/2011، ونزولاً لطلبه دبجتُ يومها مقالاً بعنوان "يريدون أدمغة حمير" وقد اهتم الرجل كثيرًا في الاخراج الفني لذلك المقال، يوم وضع حبل المشنقة حول كلمة "إبداع". ولقد حقق ذلك المقال صدى طيبًا بين صفوف القرّاء، ومنذ ذلك الحين بدأت رحلتي مع صحيفة العراقيّة وخلالها توطدت أواصر المعرفة بـ "أبي نرساي" الذي أكن له ولعائلته العزيزة المحبة والتقدير، رغم أنني اقف مع الرجل أحيانًا على هضاب فكرية وحياتية مختلفة، ولكنني لا اتقاطع معه إنسانيًا، وهذه هي سنة الحياة. ولقد توطدت علاقتي به بشكلٍ كبير إلى حدٍ كنا نلتقي كلّ إسبوع تقريبًا أثناء التحضيرات الاولية لمهرجان العراقيّة ومعنا مجموعة من الأصدقاء، اذكر منهم الأديب الكبير شربل بعيني والكابتن القدير سعدي توما والاستاذة هيفاء كيوركيس.

ولقد جمعتني  به مناسبات كثيرة بعد ذلك، فتبادلنا الزيارات، ومن ثم لبيت دعوته في منزله يوم منح درع التكريم للكابتن سعدي توما الذي تعذر عليه حضور مهرجان العراقية لسفره خارج استراليا. وأيضًا يوم قصدت داره صحبة الأب الصديق يونان داؤد يوم كانت عقيلته الفاضلة تعاني من وعكة صحية.

لقد عهدت في الرجل إنفتاحه على الرأي الآخر، فعاش ما مضى من حياته مؤمنًا بأنَّ في الحياة متسعًا له وللآخر، وما زلت اتذكر رحابة صدره عندما عرضت عليه فكرة انتداب أكثر من كاتب للصحيفة، فكانت فكلمة "نعم"  لسان حاله في كلّ الاوقات، ولعلَّ الشاعر حيدر كريم كان اخرهم.

أقول هذا لأنني أريد أنْ أضع القارئ أمام شخصية خلاقّة  نقشت اسمها بجدارة في نبراس الذاكرة  لتاريخ الصحافة العربية باستراليا، التي اكسبته قدرًا لا بأس به من الشعبية، فضلاً عن  قيمته الفنية التي جلبها معه من بلاد وادي الرافدين.

إنَّه ذلك المسرحي القدير والصحافي المهجري المعروف بين صفوف أبناء الجالية الذي ادركته واسع الثقافة شامل الرؤية عميق النظرة. وإذا كان مقال صفحة الابحاث المسرحية للدكتور موفق ساوا في صحيفة العراقية يشدني فإنَّ مقال الشاعر موفق ساوا  في الصفحة  الثقافية من ذات الصحيفة يبهرني هو الآخر أيضًا؛ فالرجل على ما يبدو عاش فى صباه وشبابه فترة عميقة أهلته ليغترف من الكتب قراءات غنية، بعد أن تنقلَ بين صفحاتها، وعرف مفكريها ومثقفيها، وتذوق  معانيها بعمق ودراية.

أبصر النور في ناحية القوش عام 1950. وفي عام 1956 انتقلت عائلته إلى ناحية الحقلانية التابعة لقضاء حديثة (محافظة الانبار) فترعرع هناك وقوى عوده.

عام 1961 انتقل والده إلى دار القاء وهو في سنّ صغيرة من العمر؛ فتحملت والدته مسؤولية العائلة بجانب أخيه الأكبر سعيد؛ حيث كان المعيل الوحيد للعائلة.

 في ناحية الحقلانية كتبَ أول نصوصه المسرحية بعنوان "بنت المختار" عام 1970، فعرضها في ذلك الوقت على الممثل هيلان سالم الحديثي لثمثيلها، فاعتذر لعدم توفر العنصر النسائي. وهنالك في ذلك القضاء اكمل دراسته الإعدادية، (الفرع العلمي) عام 1971-1972 .

وطأت قدماه أرض بغداد عام 1972 لغرض إكمال دراسته الجامعية، وبعد سنتين تقويميتين حصل على دبلومٍ عال في  الاشعة السينية من معهد الصحة العالي/ جامعة بغداد.

نشر أولى قصائده في صحيفة التآخي عام 1973 بعنوان "عبادة الشمس" ومن ثم كتبَ في صحيفة "طريق الشعب اليومية" التي كان يصدرها الحزب الشيوعي العراقي للاعوام 1974- 1978، وكان يذيل مقالاته وتحقيقاته الصحفية تارة باسم "أبو نهرين" وتارة أخرى باسم "أبو مهيار". لتنبؤه المسبق بخيانة جلاوزة حزب البعث.

حبّرَ العديد من المقالات في مجلة الثقافة الجديدة الشهرية التابعة للحزب الشيوعي، بعد أن كتبَ في جريدة "الراصد" بعض القصائد. وكان له منشورات ادبية وشعرية وبحوث في مجلة "المثقف الاثوري" بمعظم اعدادها التي صدرت في بغداد.

عام 1980 جمعه مع السيّدة هيفاء كوركيس زواج مقدس، التي ساهمت بقدرٍ كبير في إنجازات حياته عبر رحلة العمر. لديهما اليوم ولدين وبنتين، وستة احفاد، ولقد كنتُ قد منحت سرّ العماذ المُقدس لحفيده ليونير نرساي في عيد الدنح بتاريخ 6/1/2011 بكنيسة مار توما الرسول بسيدني، كما وكللتُ ايضًا كريمته ناردين بتاريخ 20/9/2014 في كنيسة الربان هرمزد بسيدني.

في بغداد حصلَ على إجازة تأسيس (فرقة مسرح شيرا عام 1993) وصار مؤسسها ورئيسًا لها لحين تركه العراق عام 1999. وقد صارحني الرجل ذات يوم بندمه في اختياره ثلةٍ من الاعضاء المؤسسين لعدم وجود ارضية مشتركة يقفون عليها، فضلاً عن غياب التجانس الفكري بينهم، بعد أن اتضح للرجل أنَ قدومهم كان لغرض مأرب مالية وليس من أجل الإبداع الفني.

 كانت بدايته الفنية في بنت المختار عام 1970 ثم كَتَبَ وأخرج َ 18 مسرحية في العراق وسيدني:

العميان يعودون ... والتي عرضت على مسرح بغداد عام 1994،

وأيضًا مسرحية  الاميرة الآشورية عرضت  على خشبة مسرح الرشيد - بغداد عام 1998.

وله أعمال اخرى منها: سارة والبيك 1995، الحديقة 1996، الوصية 1997،

وقدم مسرحية "سيزيف والموت" التي عرضت في كلية الفنون الجميلة/ بغداد عام 1997، كاطروحة تخرج وحـصـل على درجـة أمـتـيـاز 98%).

ومسرحيات أُخرى عديدة منها:  حلم الحطاب، شدَّة بعد الفرج، كلكامش والخلود، الوصية، شـَميرام ملكـًة، المعبد، الحصار. الحديـقـة، عـتـريـس وأم خـميـس، (3 لواعيب) عـرضـت فـي  سيـدنـي، (2003)، في انـتـظار الـضـيـاء (عـرضـت فـي  سيدنـي، 2004م) ومسرحية بيت بليه بيبان 2011 كتبت في سيدني.

وأخيرًا مسرحية (انتبهوا ... القطار قادم) وسوف تعرض بتاريخ 24-05-2015 في

 Casual powerhouse, in Liverpool 

في بغداد إفتتح عيادة العراق للاشعة في حي بغداد الجديدة/ عمارة الباوي من عام 1986 إلى عام 1999، وقدم خدمات جليلة مجانًا لكلّ من لم يستطع توفير أجور الفحص الشعاعي بالاضافة إلى فحص جميع الأدباء والفنانين مجانًا. وكان في الاعوام 1994 - 1998 طالبًا في كلية الفنون الجميلة/ قسم الدراسات المسائية، إلى أن حصلَ على شهادة بكالوريوس في الفنون المسرحية فرع (الإخراج)، من جامعة بغداد 1998.

غادر العراق صحبة عائلته الفاضلة إلى تركيا / اسطنبول، وهناك وجدَ متسعًا من الوقت لوضع اللمسات الختامية لاطروحته الموسومة (المسرح السرياني في العراق) بعد أن ادخل محتوياتها على الة الحاسوب.

حطَّ الرحال في بلاد الكنغر عام 2002، فانصرف مُشتغلاً في اعمالٍ مسرحية. وكان الرجل قد حدثني يومًا بأنَّ السيّد شمعون حدّاد رئيس الهيئة الادارية لنادي نينوي يومذاك تبنى اول اعماله المسرحية في سيدني، والذي حمل عنوان " 3 لواعيب" عام 2003، إذ تبرع بمبلغ 2000  دولار استرالي.  أما  مسرحية " في انتظار الضياء" فكانت من انتاج لجنة شيرا الربان هرمزد الالقوشية عام 2004.

في عام 2004 قدم اطروحته الى رئيس قسم الدراسات الشرقية في جامعة سيدني الدكتور رفعت عبيد الذي وافق على قبولها في قسم الدراسات العليا. وبسبب انشغال الرجل بالمسرح لمدة عامين متتاليتين فضلها على الشهادة! ولا  يخالجني شك يتاخم اليقين بأنّ الرجلَ قد ندم على إضاعته لتلك الفرصة رغم أنه عوضها في مرحلة أخرى من مراحل العمر.

عام 2004 نشرَ في سيدني كتابًا بعنوان "المسرح السرياني في العراق منذ 1880- 2000)؛ إذ تبنى أبن جلدته السيّد نادر كجوجه تكاليف طباعة الكتاب على نفقته الخاصة. وكان قد كتب ديباجة الكتاب البرفسور صلاح القصب الذي وصف الفنان موفق ساوا بـ"قديس" المسرح العراقي. إذ كتب في ديباجته" الفنان موفق ساوا أرى بحركتهِ حركة المسرح الذي يبحث عن كلّ ما هو جليل وجميل. موفق ساوا يعشق المسرح بصدقٍ. إنَّه قديس يبحث عن خلاص لمسرح عراقي متقدم". (أنظر كلمة الدكتور القصب في مُقدّمة الكتاب ص 6).

مضت السنون في سيدني وبعد أن وجدَ أنَّ تكاليف عملية الإنتاج باهظة الثمن، فضلاً عن ندرة الممثلين المحترفين وغياب المنتج، ارتأى الرجل التوجه إلى عالم الصحافة بناءً على اقتراحٍ اسدته له زوجته هيفاء وولداه نرساي ومهيار للتوجه إلى اصدار مجلة أو صحيفة؛  لذا قرر أن يوظفَ افكاره المسرحية الأكاديمية في الصحافة والإعلام عبرَ مسرح صحيفة العراقيّة؛ فمسرحَ صفحاتها إن جاز التعبير؛ فأصدر بتاريخ 5/10/2005 العدد الأول من صحيفة العراقيّة ولا تزال إلى يومنا هذا.

ولقد أراد الله أنْ يكون لـ (العراقية) شأن متميز بين صفوف الجاليتين العربية والعراقية، بفضل همة القائمين عليها وحرصهم الشديد على اظهارها بالشكل الصحفي اللائق، إذ نهلوا من أنهار المهنية التي باتت نقطة إرتكاز محرريها وكتّابها الأفاضل، لكن تلك المسيرة الجليلة والحبلى بالعطاء لم تأتِ بتلك السهولة التي يتصورها البعض، فالقائمون عليها كرسوا حياتهم وقلمهم لنشر شذى المعرفة في الأفئدة والقلوب على حساب الوقت والصحة والبهجة. ولا بُدّ من كلمة حق تقال هنا بأنَّ الرجل وعقيلته المصون لا يمتلكان مكتبًا أو كادرًا فنيًا وإعلاميًا، وإنما تتم عملية التصميم والتنضيد والتحرير من قبلهما في غرفةٍ صغيرة الحجم في بيتهما. ورغم فقر الامكانيات وقلة ذات اليد وقحط الدعم، ألا أنَّ العراقيّة سطعَ اشعاعها الفكري والثقافي في سماء سيدني، لتغدو باسقةً في أرضِ الغربة كنخلة العراق الشامخ.

ولا يفوتني أن اذكر بأنَّ الرجلَ يتمتع بموهبةٍ ناصعة وطموح كبير، حديثه طلي وشخصيته بسيطة رغم انه شديدة الاعتزاز بنفسهِ، كثير الحديث عن تاريخه المسرحي في بغداد حين يسترجع ذكريات العمر الذي مضى. كما أنَّ القيمة الإنسانية لأبي نرساي  لا تقل عن قيمته المسرحية والثقافية فهو بحق علامة مضيئة بين الشخصيات العراقية المعروفة في المهجر الأسترالي، لأنه واسع الاطلاع دائم النشاط، لا تتوقف قيمته عند حد معين. فضلاً عن إلمامه بالشعر. ومثلما هو شديد الاطلاع على تاريخ المسرح للثقافات السريانية والعربية فى جانب، فهو على اطلاع أيضًا بتاريخ المسرح في الثقافة  الغربية في جانب آخر، علاوة عن حقيبة الذكريات التي تحتوي على لحظات أنتصار وأنكسار، واوقات جميلة وعصيبة، كما أنها تحمل أسرار وخفايا خشبة المسرح العراقي التي عرفها من الدهاليز والكواليس التي مرَّ عليها في مسارح بغداد.

ورغم أنَّ صديقنا  ساوا حسن المعشر لين العريكة، ويتقن فن الإعتذار حين تصدر عنه الأخطاء، إلاّ أنه قليل الإبتسامة، يتأرجح مزاجه بمراجيح الهواء، سريع الإنفعال، محبًا للعناد، كثير العفوية، دمث الاخلاق، موضوعي الحكم، حيادي الموقف. وبين دوامة المحبين والمتقاطعين معه تراه  لا يخشى في الحق لومة لائم ويعبر عن رأيه في صراحةٍ ووضوح  حتّى لو قاده ذلك للسباحة ضد التيار أو التغريد خارج السرب.

والرجل رغم تعدد معارفه، ألا أنه نادرًا ما  يبارح بيته، مُقل في علاقاتهِ، يقضي جلَّ وقته جالسًا خلف شاشة ألة الحاسوب، إما منهمكًا في إعداد تصاميم صفحات صحيفته أو غارقًا في تنضيد نصوص مسرحياته، وأن لم يكن الامر كذلك، فتلقاه يعد طبخة مسرحية يقدم خلالها وجبة فنية عالية الدسم.  

وقد يعرف العارفون أنَّ الرجل ابتكرَ رؤية فنية في عملية الاخراج المسرحي أطلق عليها تسمية (مسرح الميكانو عام 1998). ولسوف تبقى اطروحته "المسرح السرياني في العراق"  التي نال على اثرها شهادة الدكتوراه من جامعة المعرفة العالمية في دبي عام 2014  مصدر إلهام للاجيال القادمة.

عرفته متأرجحًا بين ناصية المسرح وصفحات الإعلام المقروء، رغم أنَّ الرجل قد باح لي في أكثر من جلسة ومناسبة عن رغبته في ترك مهنة الصحافة والإعلام ليتفرغ لاعماله المسرحية.

إنَّ ذلك الإنسان العراقي الذي يتمتع بحديثٍ ممتع يشد إليه مستمعيه بما يحكيه من نوادر، هو إنسانٌ يتميز بدفء المشاعر ورقة الإحساس ودقة البحث فى التفاصيل،  لكنه لم يتقاعس عن اجلاء الكثير من علامات الاستفهام فى تاريخنا المسرحي بدراساته الرصينة.

وقد لا اذيع سرًا إنْ قلت: إنَّ الرجل يرجع الي في بعض المواقف يتبادل الاراء ويستعرض الرؤى مفكرًا بصوتٍ عال مناقشًا معي الطموحات والنشاطات. وهذه ثقة أعتز بها.

وقد جمعتني بالرجل مسرحية "اوبريت القيامة" التي عرضت بتاريخ  7/7/2013 على خشبة نادي نينوى الاجتماعي، وخلال فترة التحضيرات لمست فيه الخبرة العالية والحساسية المفرطة والإنفعال الشديد، وطول الاناة، والقدرة على التعليم. ولقد لقيَ ذلك العمل استحسانًا من المشاهدين، وقد منح الرجل ليلتها جائزة تقديرية على جهوده القيمة.

إنّ تلك الخبرة كونت لي رؤية بأنَّ د. ساوا ليس مع طغيان الشكل على المفردة، بل وجدته يخلق التوازن بين الشكل والمضمون، مهتمًا بعامل الإضاءة، وبالشفرات والرموز والدلالات التعبيرية.

واذكر للرجل يوم شرفني بكلمة القاها في امسية توقيع كتابي "أحاديث قلم"؛ حيث وصف قلمي بالكاميرا المتنقلة: "إنني اطالب صديقنا الأب يوسف جزراوي بكتابة سيناريو النصوص المسرحية". ولا تغيب عن ذاكرتي تلك الواقعة التي حدثت في تلك الامسية الثقافية؛ حيث سقط سهوًا ممن عرّفوا الأمسية التعريف بالدكتور ساوا، وقاموا بتأخير كلمته خلف كلمة الأستاذ أنطوان القزي على خلاف ما كان قد أُعد. فلمست في الرجل حينها رحابة الصدر، وتواضع النفس، والمبادرة في اعطاء الاولوية للضيوف العرب. وقد ظلّ الرجل ملازمًا في قاعة الحفل ولعلّه كان أخر المغادرين رغم قحط الوقت بسبب إنشغاله بزواج كريمته في اليوم التالي.

وقد يعلم العالمون أنَّ الرجلَ  أسس وترأس  (فرقة مسرح ساوا) في سيدني منذ عام 2003 والتي لا تزال قائمة إلى الآن. وهو عضو فاعل في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب والعراقيين وعضو فاعل في نقابة الفنانين العراقيين. كما له 4 مخطوطات في الشعر باللغتين العربية والسريانية، ومخطوطة أُخرى بعنوان "سيناريو صوري"، وكتاب تحت الطبع في بيروت يحمل عنوان "قنصــل الشعـراء".

عام 2012 اقام أضخم مهرجان للاغنية العراقية الأول في سيدني؛ حيث جمع 22 مطربًا من مختلف قوميات بلاد النهرين.

وهو مؤسس ورئيس المؤسسة العراقية الاسترالية للثقافة والفنون والإعلام في سيدني عام 2012، التي كرمت 22 شخصية من المبدعين العراقيين والعرب من الادباء والفنانين وإعلاميين ورياضين في استراليا، وهذه خطوة تحسب له. ولعلَّ الرجل يذكر في الاحاديث العامة أنّ كاتب هذه السطور كان كالجندي المجهول في الإعداد لذلك المهرجان الفريد، في خطوة غير مسبوقة ولم نعتد عليها وهي تكريم المبدعين الأحياء، لأننا في العادة الَفنَا تكريم المبدعين بعد أن يحتضنهم القبر!. فانصبت الجهود يومها بعد أن تلاقت الرؤى بأن يكون مهرجانًا لتكريم الاحياء.

بتاريخ الأول من  شباط  2015 كرمه منتدى الجامعيين العراقي في استراليا بمهرجان الإبداع والجمال في اليوم الثقافي العراقي. كما وكان  قد حاز على جائزة شربل بعيني العالمية بتاريخ 8/3/2012 بسيدني في احتفالية مؤسسة العراقيّة يوم كرمت نخبة من مبدعي الجالية؛ وكان الرجل قد شرفني بدرع التكريم بعد أن وقعَ عليّ الإختيار لكي أكون من قبل الشخصيات التي حظيت بالتكريم  من قبل لجنة المهرجان.

نال الرجل العديد من  كتب الشكر والتقدير من قبل مؤسسات وجمعيات، ولعلَّ ابرزها  كتاب شكر من رئيس وزراء العراق الحالي د. حيدر العبادي، وذلك لنهج صحيفة العراقية الوطني. ولعلّي لا افشي سرًا بأنَّ الرجل تم ترشيحه مؤخرًا لنيل الميدالية الذهبية لرئيس وزراء ولاية (نيو ساوث ويلز).

إنّه ذلك الكاتب والمخرج المسرحي المرموق، الحاصل على سفير السلام من اتحاد السلام العالمي (UPF) في سيدني عام 2008، والذي نال شهادتي الماجستير والدكتوراه في   الفنون المسرحية عامي 2013 و 2014. والرجل  دخل الآن في التحضيرات الأخيرة لمسرحيته " انتبهوا.... القطار قادم" التي سوف تعرض على  مسرح (كسوله بور هاوس) بسيدني، في يوم الاحد الصادف 24/05/2015.،

أمد  الله في عمره وعمرنا حتّى نعوض فى صحبته ما ضاع منّا في بغداد وفي سنوات الغربة في الخارج وراء خدمة العباد، وستظلّ اعماله المسرحية كالنبتة المغروسة في الأرض تزهر الإنفتاح الفكري والتعايش  الأخلاقي والوعي الحياتي والتألق الإنساني.

تبقى في الختام نقطة لا أتحرج أن اثيرها : إنَّ بلدًا كالعراق ينتمي إليه  أمثال د. موفق ساوا وغيره من الشخصيات الفنية والمسرحية يجب أن يكونَ فخورًا متميزًا مرفوع الرأس لا ينكّس هامته أبدًا!

  اتمنى له مواصلة العطاء وديمومة الإبداع.