يسأل العديد من اللبنانيين عن جدوى سبب تمسك القوات اللبنانية بموقفها الرافض مشاركة حزب الله في أي حكومة أو حوار دون التزام هذا الحزب (ومعه من هم تابعين له ولمرجعياته الإقليمية السورية والإيرانية) بخطوات سيادية وميثاقية محددة في مقدمها اعترافه الصريح والعلني والعملاني بسلطة الدولة اللبنانية الحصرية من خلال مؤسساتها كافة على كامل الأراضي اللبنانية، وعلى كل الشرائح التي يتكون منها النسيج اللبناني طبقاً لما تنص عليه بنود الدستور والمواثيق والأعراف.
هذا الهامش اللبناني السيادي الحر في اتخاذ القرارات الذي تتمسك به القوات اللبنانية هو ارث ماروني تاريخي ثمين حافظ تاريخياً على استمرارية الدولة اللبنانية وصان الكيان والهوية والمفاهيم الميثاقية ومبدأ التعايش والحريات رغم كل الحروب والضغوطات المحلية والدولية والإقليمية العالية الكلفة لبنانياً عموماً ومسيحياً بشكل خاص.
في هذا السياق لا بد من العودة إلى صفحات التاريخ المعاصر لنتذكر بفرح وفخر كيف تصرف قادتنا التاريخيين على خلفية هامش القرار اللبناني السيادي الحر هذا بتاريخ 13 آذار سنة 1976 يوم نصح الموفد الأميركي دين براون الرئيسين كميل شمعون وسليمان فرنجية والشيخ بيار الجميل بضرورة قبول القرار الدولي بموت دولة لبنان ووقف المقاومة وترحيل المسيحيين حيث كانت السفن بانتظارهم لتنقلهم إلى بلاد الله الواسعة وترك وطنهم المقدس للغزاة والمارقين. القادة التاريخيين هؤلاء رفضوا بعناد وكبرياء وارتضوا بفرح ومعهم شعبهم تقديم التضحيات واستمرت المقاومة وبقي لبنان على صورته وفشل مشروع قتله.
اليوم موقف القوات اللبنانية، وكما نفهمه، من عدم دخول حكومة الرئيس سلام يأتي في هذا السياق التاريخي والسيادي لهامش القرار الحر، وهي في موقفها الوطني والصعب والمكلف والمعاكس 100% للتوافقات الدولية والإقليمية والتي يقال قد فرضت تشكيل الحكومة، هي، أي القوات اللبنانية ملتزمة بمبدأ المحافظة على لبنان كياناً ودولة وهوية ورسالة وتعايش، وهذا مبدأ لا تؤثر به أو عليه التهديدات ومحاولات الاغتيال والعزل أو المغانم الآنية من حصص وزارية ومنافع شخصية وممارسات غرائزية تتحكم بعقول ونفسيات قادة موارنة تحديداً تخلوا عن دورهم الوطني وعن واجباتهم الأخلاقية وعن ثوابت صرحهم التاريخية. وفي مقدمة هؤلاء العماد ميشال عون وكل الذين انتقلوا معه على خلفية اسخريوتية وملجمية من القاطع السيادي اللبناني الحر إلى قاطع القطعان والأغنام.
تاريخياً ومنذ ما يزيد عن 1500 سنة كانت بكركي التي أعطي لها مجد لبنان، المرجعية المسيحية واللبنانية الأولى، هي المؤتمنة ضميرياً واجب الحفاظ على هامش القرار السيادي الحر الذي اليوم تتقيد به القوات اللبنانية ومعها كوكبة كبيرة من الأحزاب والشخصيات والناشطين من مختلف المذاهب داخل لبنان وفي بلاد الاغتراب، وقد قدم عدداً كبيراً من البطاركة الموارنة أنفسهم قرابين على مذبح وطن الأرز للمحافظة العملية على هذا الهامش خلال حقبات صعبة وقاسية من تاريخ لبنان.
الكارثة اليوم وكما نراها تكمن في تخلي البطريرك الماروني بشارة الراعي عن دور الصرح البطريركي التاريخي وعن ثوابت الصرح الوطنية ودخوله مع المطارنة المقربين منه مجال العمل السياسي والغرق في أوحال التحالفات والمناكفات والكيديات مما افقد الصرح دوره التاريخي، وافقد لبنان واللبنانيين فاعلية الوقوف في وجه الهجمات القاتلة التي تستهدفهم وتستهدف كيان دولتهم ورسالته.
من هنا على كل لبناني حر وسيادي لم يقتل بداخله حاسة النقد ويرفض الغنمية ومفاهيم القطعان، عليه أن لا يغرق في أفخاخ ميشال عون والبطريرك الراعي وبعض رجال الدين المسيحيين والقيادات والأحزاب المسيحية تحديداً الذين تخلوا عن الهامش اللبناني السيادي الحر وغرقوا طوعاً في مستنقعات النرسيسية والمصالح الخاصة التي تغرف من مفاهيم عبادة تراب الأرض، والأبواب الواسعة، والإنسان العتيق الغرائزي الرافض للحرية، طبقاً للمفاهيم الإنجيلية.
أما المشكلة الأخرى الخطيرة على المستوى الوطني والتي علينا أن نتعاط معها بهدوء وعقلانية وواقعية وعض على الجراح بهدف المحافظة على وحدة وأهداف ثورة الأرز الممثلة قيادياً بتجمع 14 آذار، هي أن الحلفاء من غير المسيحيين في هذا التجمع ليس متوفراً لديهم الهامش اللبناني السيادي الحر في اتخاذ القرارات الذي تتمسك به القوات اللبنانية وغيرها من المؤمنين به قولاً وعملاً وهم من كافة المذاهب .
في الخلاصة، إن الذين دخلوا من مسيحيي 14 آذار الحكومة قد تخلوا طوعاً وعلناً عن الهامش اللبناني السيادي الحر في اتخاذ القرارات مفضلين مصالحهم الشخصية والمغانم وكل حججهم هي غير مبررة.
كما علينا أن ندرك ودون أوهام إن هؤلاء الحلفاء من غير المسيحيين في 14 آذار الذين شاركوا في الحكومة هم مجبرين وغير مخيرين وبالتالي لم يتمكنوا من الالتزام لا بالسقوف التي كانوا هم أنفسهم رفعوها ولا بالوعود والعهود التي كانوا نادوا بها لأن الهامش اللبناني السيادي الحر في اتخاذ القرارات على المستوى الإستراتيجي ليس بيدهم.
المطلوب من السياديين والأحرار من كل الشرائح اللبنانية عدم قبول حجج المسيحيين ال 14 آذاريين الذين شاركوا في الحكومة ولا تصديقهم أو الوثوق بهم، كما المطلوب عدم معاداة غير المسيحيين ال 14 آذاريين الذين رضخوا للاتفاقات الإقليمية المتناقضة كلياً مع أطروحاتهم وشعاراتهم ومواقفهم، والأهم المطلوب عدم فرط عقد 14 آذار.
المطلوب أن نستمر في حفاظنا على الهامش اللبناني السيادي الحر في اتخاذ القرارات، وان نجهد في نفس الوقت لإسقاط هذا الالتزام وإدخاله على ثقافة وممارسات باقي مكونات 14 آذار من غير المسيحيين خصوصاً وأنها ترفع شعار لبنان أولاً.
يبقى أن الحفاظ على الأوطان يتطلب تقديم التضحيات باستمرار، ومن يتمسك من شرائح شعبنا بالهامش اللبناني السيادي الحر في اتخاذ القرارات متفهم 100% لهذه الحقيقة ومقتنع بصوابيتها وبالتضحيات التي تلازمها وهو يتصرف على هذا الأساس الوطني والإيماني عملاً بقول السيد المسيح: "ما من حب أعظم من هذا: أن يضحي الإنسان بنفسه في سبيل أحبائه." (يوحنا 15/13).
ونختم في سياق هذا المفهوم الإيماني والوطني الملتزم المبادئ بقول بولس الرسول (01 كورنتوس/10) "لا تقدرون أن تشربوا كأس الرب وكأس الشياطين، ولا أن تشتركوا في مائدة الرب ومائدة الشياطين".
0 comments:
إرسال تعليق