كثر الحديث في المحافل الدولية عن بدء التحضيرات لعقد جنيف ٣ من أجل إيجاد حل للأزمة السورية، وبدأت تتحدث بعض القوى المؤثرة على المشهد السوري عن حلول على شاكلة اتفاق الطائف اللبناني الذي وقع عام ١٩٨٩ وأنهى الحرب الأهلية اللبنانية، والذي نصت المادة الأولى منه على تأكيد استقلال لبنان وهويته العربية وشكله السياسي كدولة جمهورية برلمانية ديمقراطية. وقد تم الالتفاف على هذه المقدمة من خلال مجموعة من الإصلاحات السياسية سيئة الصيت والتي تم الاتفاق عليها كتوزيع مقاعد مجلس النواب مناصفة بين المسلمين والمسيحيين وتقاسم للمناصب الكبيرة بحيث يكون رئيس الجمهورية مارونياً ورئيس مجلس النواب شيعياً ورئيس الوزراء سنياً، إضافة إلى إصلاحات أخرى لا تقل سوءاً في مجالات مختلفة كالإدارة والتعليم والمحاكم. وسورية لا يمكن ان تحكم بالمحاصصات الطائفية او العشائرية أو المناطقية، والسوريون على جميع أطيافهم لا يرغبون بعد أن وصلوا إلى مرحلة مقبولة من النموذج العلماني أن بنسفوا العلمانية، ويصبحوا عبيداً لملوك الطوئف، وأنا كمسيحي على سبيل المثال، لا يهمني عدد المسيحيين في الحكومة أو مجلس النواب أو المجالس المحلية، ما يهمني هو تكافؤ الفرص والمساواة في الحقوق والواجبات وسيادة القانون وتطبيقه . وهنا لا بد من الإشارة إلى الخطأ الكبير الذي ترتكبه الدولة السورية باعتمادها أسلوب التوازنات الطائغية في التعيينات والتشكيلات الحكومية المختلفة، حتى وصل هذا المرض إلى تشكيلات المناصب داخل حزب البعث العربي الاشتراكي.
إن حل الأزمة السورية ما زال عجراً وكافة مشاريع الحلول ما زالت سراباً وأكثرها سراباً وبعداً عن إمكانية التحقق، هو ذاك الذي يصاغ على شاكلة اتفاق الطائف اللبناني لأسباب كثيرة منها :
١- عدم إمكانية اشراك الكثير من القوى الموجودة على الأرض كداعش والنصرة في أي حلول مستقبلية للأزمة، لأن تركيبتها البنيوية تقوم على رفض أي شكل من أشكال الديمقراطية، وتكفير من يخالفها الرأي وتبرر لنفسها تصفيته، حتى إنها تكفر بعضها بعضاً، إضافة الى أن هذه التنظيمات هي تنظيمات ظرفية أوجدتها استخبارات دولية لتحقق من خلالها أهدافاً استراتيجية بقصد إعادة المنطقة إلى القرون الوسطى وهو الهدف الذي حدده جورج بوش الأب بعد غزو الكويت، حيث أطلق عبارته الشهيرة << سنعيد العراق الى القرون الوسطى >>.
٢- إن ما تسمى قوى المعارضة الممثلة بما يسمى الائتلاف لا تعدو كونها ممثلة لقوى إقليمية ودولية فاعلة في الحرب التي تشن على الدولة السورية، وهذه المعارضة لا تملك تجربة الحكم وليس لها فعل على الأرض، وقد استهلكها صانعوها وقاموا برميها وتهميشها، ولم تعد تصلح حتى كشماعة بعد أن انكشفت عورتها.
٣- إن ما يتم إطلاق تسمية قوى المعارضة الوطنية عليهم، لم يتمكنوا من تأمين حواضن شعبية لهم ولا زالت أفكارهم ضحلة وهم يسعون ليأخذوا حصة من السلطة، والبارز منهم على الساحة مرتبط بأجندات خارجية وإن كان بعضها من أصدقاء سورية، ويقف إلى جانب شعبها وحكومتها.
٤- الأهم من كل ما سبق هو أن الدول المسيطرة على النظام الدولي لا زالت تسعى لهدفها لتحويل سورية لدولة فاشلة، وفي نفس الوقت تسعى لاستكمال نهب الثروة البشرية السورية، وإخراج سورية من دائرة الفعل الإقليمي، ولا زالت مصالح هذه الدول في المنطقة متضاربة وغير متوافقة، وهي غير معنية بإنهاء عذابات الانسان السوري.
أمام هذا الواقع المرير لم يعد هناك حل جذري للمشكلة في المدى المنظور، ولا بد من إنجاز مشروع مرحلي على طريق الحل الجذري، مشروع يتمحور على إخراج التنظيمات التكفيرية المارقة من معادلة الصراع الدائرة من خلال توحيد الجهود لمحاربتها فكرياً وعسكرياً وسياسياً، والتوجه لتحصين المجتمع لمقاومة شرورها والقضاء على أذنابها.
0 comments:
إرسال تعليق