الدورة "28" للمهرجان الدولي للرّبيع الأدبي ببوسالم فسيفساء عربية دبّجها شاعر "بلاريجيا" الكبير علالة القنوني بفائق الطرح ونمّقها الحضور العربي بفارع الصرح
**--**--**
منذ حفنة أيام أُسدل الستار على المهرجان الدولي للرّبيع الأدبي ببوسالم والذي أُقيم تحت إشراف المندوبية الجهوية للثقافة بجندوبة وبرئاسة الشاعر الكبير السيّد علالة القنوني والذي لم يدّخر أيّ محبة حتى تسمو هذه الدورة وتشّع على المستوى الدولي وكانت استضافته شاملة بدءًا من أبناء الجهة مرورا بتونس العاصمة وصولا إلى البلدان العربية الشقيقة والصديقة منها .. فكانت دورة رائعة رائقة تُذكر فتشكر رغم بعض العراقيل والعوائق خاصّة منها المادية والتي تجاوزها شاعرنا الكبير واستطاع أن يتخطى الشعاب ويقهر الصعاب شاهرا وظيفته الإنسانية في دمج المجموعة بعيدا عن أيّ لون من ألوان العنت الإيديولوجي والمذهبي ..
حضرتُ سهرة الشعر فكانت ليلة الإمتاع والإبداع ذائعة الصيت بأصوات الشعراء الشجية والتي ترافقها زخات نمير حشرجات العود فنسج الوقت محطات باذخة الروعة والدلال ، وأكثر ما استوقف الجميع وشدّ الأتراب .. وحيّر الألباب .. صوت منغم ، مرنّم ، ملحن بكثير من الدفء ، صوت جهوريّ تتقمصه نبرة شجية تُوزع الترياق والآس ، صوت قادم من " سيكا " ذاهب إلى آخر أفكار العالم ، صوت فصيح سريع البديهة مطبوع في الشعر.. صوت تتدفق الحرائق الآسنة من جوفه لتُغرق سطح قلاعنا ويبدو الوطن وشيكا ، صوت يمتلك الكثير من الفصاحة والبيان كما قال أهل الطب له "صوت حسن يسري في الجسم ويجري في العروق فيصفو له الدم ويرتاح له القلب وتهش له النفس وتهتّز الجوارح وتخف الحركات" وإنني ولتعروني غبطة وأستسمح العباس ابن الأحنف في ما خصّ به أبى نواس إذ يقول : ان "شعر أبى نواس أرق من الوهم وأنفذ من الفهم وأمضى من السهم" وهذا ما يتجلى في يواقيت شاعر الحب والوطن شاعر تونس البار الأستاذ محي الدين الشارني والذي استخرج من كنوز اللّغة ما رق وطاب فلقد مرّ بكلّ حقول المدارس الشعرية وملأ سلّته من كلّ الفواكه والخضار المتنوعة فبدا طرحه مأوى تُشاد به معابد الحروف ومحاريب القصيد فكان ليلتها هو جبل الشعر ونحن السفح منه .. صنع لنا بحفنة حروف ليلكيّة وبباقة نبض حب قِرمزيّة تاج الحياة فأحيا مدونة العرب وأحيانا..
قصائده تخترق حُجب الرّوح وأغلفة النّفس يناجي بها الرّوع ليعانق الذات الأسمى في ملكوت الإبداع ، صانع ماهر لنسيج الحرف مادته الحب وآلته نول الصب وعجينه يقطر نجما ويتوهج مرسين ، كلماته عذراء بتولا من خامات آكام المساءلة والاستخبار ينتقيها .. ذاك صديقي الشاعر النخل محي الدين الشارني والذي عرفته منذ نعومة القصيد جزل مفرط الحدس والعاطفة نبيه متفاعل بهموم الأمّة قاطبة ..
لطقوس فلسفته وشعائر حكمته يُخضع الأبجدية .. ولتبليغ حُجته ونقل دلالاته يبحر بنا على متن الآجرومية .. وها أني بعد غياب سنوات أعود لبلاط حضرة الشعر لأجده نبيُّ الكلمة ورسول القصيد .. يغترف من لُجيْن الحرف ليسقي أوطان الوريد ..
هي ليلة كانت قانية المذاق مع شاعر الكاف العالية "سيكافينيريا" العظيمة شاعر أكرمه الله بصوت يُسمع الصُم وينطق البكم أسرى بنا وعرّج بسمار القمر وتجاوز بنا الإطار التساؤلي والتأملي بسموات خيال الحرف اليقين .. فبتنا حفاة عراة إلاّ من دفء سراج معطف اللّغة اللّغز والشجن الطروب الحزين..
وبما أن الناس شجرة بغيّ قد يلومني بعضهم ويقول لي ربما تجاوزت بالفتى شاعر "سيكافينيريا" قدره .. سأقول لكم لو رأيتموه وخبرتموه لانتبهتم كم أنا مقصرة في حقه ومهما وصفت لن أبلغ كنه سريرة نبض قصيدته .. وإني وبالمناسبة ألتمس من كلّ القائمين على هذه اللّقاءات وهذه الروافد الثقافية والفكرية أن يصنعوا ثقافة تونس ويأخذونها على محمل الحب كما أرجو أن لا تغيب الدولة وكل المؤسسات المعنية بالأمر أن تولي للشمال الغربي مسقط رأس شاعرنا الأستاذ محي الدين الشارني قدرا فكلّ الدرر الإبداعية بزغت من هناك وإنني لشاكرة فضل كل من حرر الكلمة وأطلق صراح الأفواه المكممة وما عدنا نتوجس من أن نكرم زفراتنا ونطلقها في الفضاء خوفا من أن تتلقفها آذان القلوب المريضة ..
أحبتي الطيبين لكم منّي أزكى سلام وأذكى نمير برسيم الكلام .. أحبتي لن نجد كالحرف سراجا ننشّ به على غربان الظلام ولن نجد كالقصيد سارية لشراع فرح الأحزان ولن نجد إلاّك أيّها الوطن تخبز لنا رغيف ترياق مُضاد لصهد الزمان ..
مع تحيات الشاعرة التونسية رجاء محمد زروقي
1 comments:
دائما متألقة أيتها الشاعرة الرقيقة
إرسال تعليق