إتفاق الإطار او ما يسمى مجازاً حكومة “الوفاق" الوطني،لم يمض على تشكيلها فترة قصيرة حتى دخلت في "مطبات" هددت بقاءها واستمرارها،حيث ان ولادتها أتت على عجل وليس تعبيراً عن حاجة ومصلحة الشعب الفلسطيني،وكضرورة إجبارية وتعبيراً عن مصالح جماعات لديها أزماتها التي دفعتها للموافقة على تشكيلها واخراجها،ولذلك كانت ازمة رواتب موظفي سلطة حماس ال(40000)،هؤلاء الذين كان يجب ان يجري الاتفاق حولهم قبل تشكيل حكومة "الوفاق"الوطني فهذه قضية ليست بالبسيطة،فهي ذات بعدين سياسي وانساني،فقبول حماس بالخروج من الحكومة،كان مرتبطاً أصلاً بأن تقوم حكومة "الوفاق" بدفع رواتب موظفيها التي أصبحت عاجزة عن دفعها،ومع عدم دفع حكومة "الوفاق" لرواتبهم،تفجرت الأزمة وعصفت بحكومة الوحدة،وكانت الإحتجاجات والمظاهرات والفوضى التي أشاعها موظفو حماس،حيث جرى اغلاق البنوك ومنع موظفو السلطة الفلسطينية من قبض رواتبهم،وخلقت تلك الخطوة حالة من الإحتقان،كادت ان تفجر الأوضاع الداخلية،ولكن تم احتواء الأزمة بناء على وعود بدفع رواتب موظفي حماس خلال فترة قصيرة وعبر حكومة قطر التي التزمت بدفعها،ولم تهدأ الأمور على امل ان لا ينفرط عقد حكومة "الوفاق" وأن لا نعود مرة ثانية للمربع الأول،حيث ان التصريحات والتصريحات المضادة من حيث الإتهامات المتبادلة بين حماس وفتح على خلفية تلك الأزمة كادت ان تؤجج نيران الأزمة نحو انفراط عقد حكومة التوافق،وخصوصا ان "الألغام في طريقها كثيرة وكبيرة،من حيث عدم ولاية رئيس الوزراء على الأجهزة الأمنية،وبالتالي عدم سيطرته فعليا على القطاع،حيث حماس بقيت تتحكم بالسيطرة على كل مخرجات الحياة فيه ،وايضاً ما صدر عن الرئيس عباس بأن تلك الحكومة هي حكومته وبرنامجها برنامجه،وبأن التنسيق الأمني مع الإحتلال مقدس ولخدمة الشعب الفلسطيني،كان ينبيء،في ظل عدم التوافق على برنامج سياسي واستراتيجية موحدة،بأن المسألة لن تتعدى الإستمرار في إدارة الإنقسام وليس إنهاءه وان قطار المصالحة لن ينطلق فعلياً على الأرض،وبما يجعل الشعب الفلسطيني يتلمس ذلك عبر ممارسات عملية على الأرض.
اسرائيل التي رفضت الإعتراف بحكومة الوفاق الوطني وأتهمتها بالإرهاب وتوعدت بإتخاذ خطوات وعقوبات من شأنها ان تجعلها لا تبصر النور،ولكن تلك العقوبات والتهديدات،ليس فقط ما كان يتهدد إستمرار تلك الحكومة،بل إندفعت الأمور على نحو يجعل إنفراط عقد حكومة"الوفاق" مسألة وقت ليس أكثر،حيث أنه بعد اختفاء ثلاثة اسرائيليين في منطقة الخليل وإتهام حركة حماس بإختطافهم،عمدت اسرائيل الى التنكيل بالشعب الفلسطيني بشكل غير مسبوق،ليس فقط من خلال إختطاف شعب بأكمله،وسلسلة عقوبات جماعية قاسية،من حيث عمليات الإعتقال والإرهاب والتخويف والمداهمة والتفتشيات والإقتحامات،وتدمير البنى التحتية والمؤسسات والمنازل والممتلكات،والحد من حرية الحركة والتنقل،ومنع سكان الضفة الغربية وعلى وجه الخصوص اهالي الخليل من الدخول الى القدس ومناطق الثمانية وأربعين وغيرها،بل عمليات الإعتقالات الواسعة التي طالت عدداً كبيراً من قيادات وكادرات حماس على وجه الخصوص،كانت تعطي مؤشرات على ان اسرائيل تريد ان تصفي حركة حماس في الضفة الغربية،وكذلك أن تكسر إرادة المقاومة عند شعبنا الفلسطيني،واوغلت في عنجهيتها وغطرستها عندما عمدت الى اعتقال الأسرى المحررين في صفقة الوفاء للأسرى تشرين اول/2011،وما قامت به اسرائيل،ليس فقط له علاقة بالعمل على إعادة مستوطنيها المختفين(المأسورين)مجازاً،بل ما يجري له اهداف سياسية،فإسرائيل وحكومتها اليمينية المتطرفة،تعمل منذ زمن على تنفيذ مشروع سياسي،وهذا المشروع وجدت بأن ما حصل في الخليل يوفر لها اللحظة المناسبة للعمل على تنفيذه،وهذا المشروع خطوطه العامة،تتلخص في منع تبلور اي حالة وحدوية بين الجغرافيا الفلسطينية الضفة والقطاع،من خلال الإبقاء على الإنقسام الفلسطيني سياسياً وجغرافياً وإدارياً،العمل على فك وتركيب السلطة من جديد بما يخدم هذا المشروع،من خلال الضغط المتواصل على السلطة الفلسطينية،وبما يجعلها اكثر استجابة للشروط والإملاءات الإسرائيلية،وبما يمنع التفاوض من جديد لإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران،بل مفاوضات تقوم على أساس دولة فلسطينية ضمن حدود مؤقتة كخيار استراتيجي،كانتونات وجيوب فلسطينية في محيط اسرائيلي واسع.
وهنا لست بصدد التطرق الى الأهداف الإسرائيلية الداخلية من عملياتها وإعادة إحتلالها للضفة من جديد،في عملية شبيهة بما حصل في عملية السور الواقي/2002،والتفصيل في مشروعها السياسي،بل تداعيات ما حصل ويحصل على الساحة الفلسطينية،حيث ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في جدة،ادلى بتصريحات أثارت جدلاً واسعة في الساحة الفلسطينية،جدلاً من شأنه ان يعمق من حالة الفراق والتباعد في الساحة الفلسطينية،فهو بدلاً من ان يركز ويشدد على خرق اسرائيل لكافة القوانين والإتفاقيات الدولية،وعلى ان ما تقوم به في الخليل والضفة الغربية من إجراءات وممارسات قمعية وإذلالية يرتقي الى جرائم حرب،وجدنا ان يتحدث عن الإضرار التي لحقت بشعبنا الفلسطيني نتيجة الانتفاضة الثانية،وانه لن يسمح بقيام انتفاضة ثالثه،وعن اهمية التنسيق الأمني وقدسيته،وكذلك محاسبة من أقدموا على أسر المستوطنين الإسرائيليين،وان المستوطنين المختفين(المأسورين) مجازاً بشراً يجب إعادتهم الى اهلهم،ويرى بأنه اذا ثبت بأن حماس متورطة او هي من قامت بعملية الأسر،فهذا يعني خرقها لتعهداتها فيما يتعلق بحكومة "الوفاق"،وأن ذلك سيعني نهاية هذه الحكومة.
وفي المقابل رأت حماس والفصائل الوطنية الأخرى والكثير من مكونات الشعب الفلسطيني،بأن ما ادلى به الرئيس أبا مازن من تصريحات،هي إساءة لنضالات وتضحيات الشعب الفلسطيني،وهي تعبير عن ثقافة هزيمة وخضوع لإسرائيل وإشتراطاتها،وهذه التصريحات تشجع اسرائيل على التمادي في غطرستها وعنجهيتها وقمعها للشعب الفلسطيني،فنحن رأينا كيف كانت رد فعل اسرائيل على تصريحات أبا مازن بأنه لا يريد إغراق الداخل الفلسطيني(اسرائيل) باللاجئين والعودة لصفد،حيث كان الرد الإسرائيلي مطالبته بالإعتراف بيهودية الدولة،وفي الوقت الذي تستبيح فيه اسرائيل الضفة الغربية،وتعتقل المئات من المناضلين الفلسطينين،وتعيث الخراب والدمار في الأرض الفلسطينية،خرجت لتقول بقدسية واهمية وفائدة التنسيق الأمني لشعبنا الفلسطيني ومحاسبة من قلت انهم متورطين في عملية الخليل.
واضح انه مع تصريحات الرئيس ابا مازن،ومع اشتداد حملة القمع الصهيوني،تلك التصريحات التي وصفتها وزيرة العدل الإسرائيلية "تسفي ليفني"بأنها،تثبت بأن حماس منظمة ارهابية وليست شريكة في السلام،تجعل من انفراط عقد حكومة ما يسمى بالتوافق الوطني مسألة وقت،وهي لن تقلع خطوة اخرى الى الأمام،بل ما سيحصل على ضوء ما نراه وما نشهدة،سيكون له تداعيات خطيرة وكبيرة على الساحة الفلسطينية،تعمق من حالة الضعف والإنقسام الحاصلة،مع تعريض الحقوق والقضية الفلسطينية الى خطر تصفية جدي وحقيقي، وخصوصاً وان ما يجري طبخه من مشروع سياسي لتصفية القضية الفلسطينية تشارك به أطراف عربية وإقليمية ودولية.
0 comments:
إرسال تعليق