يخصص الأستاذ رياض عبدالله حلاق في كتابه (( وجوه عرفتها )) ، والذي قدمه هدية إلى القراء والنصراء في الوطن والمهجر مع مجلته (( الضاد )) لمناسبة بلوغها الثمانين والذي هو صاحبها ومديرها المسؤول ،يخصص صفحات مضيئة لتاريخ مشرق حافل بالعطاء ، ومختصر للزمن ، صفحات تمجيد لمن هم أهل لكل مكرمة وتمجيد ، إنهم آل البابطين البررة والذين منهم عبد اللطيف سعود البابطين ، وإخوته الكرام ، فيعرف فيهم إذ هم ما كانوا بيوم إلا معرفة وشهرة ذائعة الصيت ، طارت في الآفاق ، تسطع بالنور ، وتنفح بعطر الشمائل العربية الخالصة . فالأديب عبد اللطيف البابطين محسن وفي ، وحياته موفورة ملء هذا الوجود بحميد الخلال ، ورفيع الخصال ، وجليل الأعمال . قال الأستاذ حلاق : شب َّ مع إخوته في بيت شرف وكرامة ، وسار في الحياة على نهج من قلبه الكبير ، وعلى دليل من طبعه السمح ، وقد عركته الأيام فبقي كما يبقى الجوهر الحر ، وجهه يطفح نورا ً ، وأساريره تفيض بالبشر ، وعيناه يلمع فيهما بريق الذكاء ، وهالة من الشعر الأبيض تحيط هذا الوجه كإطار محكم الترسيم . له منطق عربي ينفث السحر الحلال ، ويجود بالدرر الغوالي ، وينثر الجواهر ةاللآلئ ، ذلك عفو خطابه ، وبسيط حديثه . بحر زاخر تلتطم أمواجه أبدا ً وتصطفق أواذيه بحديث اللغة والأدب والاجتماع والدين . فتضيع في آفاقها ، وتستجمع قواك لتتبين السبيل ، فإذا أنت أمام شيخ يفيض عليك بحديثه ، كما يفيض الينبوع صافيا ً عذبا ً . هذه عواطف نفسه ولسنه في مرحه وترحه ، ثم قال الكاتب الأستاذ رياض : شهدته كذلك حين حدثني عن اللغة والآداب والمستشرقين وتراثنا العربي الخالد ، والتقيته عدة مرات ، فلمست من طيب معدنه ، وروعة خلقه ، وصدق وفائه ، وسعة علمه واطلاعه على أخبار العرب وطرائفهم ونوادرهم ، واستمعت إليه يوم تحدث في تدشين حلمه الذي حققه بسعي دؤوب وإرادة خارقة ، وعمل متواصل فكان (( مركز سعود البابطين الخيري للتراث والثقافة . ففي حفل الافتتاح ألقى كلمة طيبة تحدث فيها عن فكرة إنشاء هذا المركز ، وعما عاناه في سبيل تحقيقه حتى جاء كما أراد ليستفيد منه الباحثون والمحققون وطالبو العلم والآداب . طاف البلاد العربية والأجنبية جميعها ، وتنقل من مدينة إلى مدينة، ليبحث عن تراثنا العربي ، وعن مخطوطاته المنتشرة هنا وهناك ، وعن روائع الكتب المطبوعة على الحجر ، حتى اقتنى منها ما استطاع ، فكانت نواة مكتبته الكبرى . لم تجتمع في رجل - والقول للأستاذ رياض – معاني المروءة والإباء والحرص على الكرامة ، كما اجتمعت في شيخنا عبد اللطيف سعود البابطين ، وإن خلقه لم يتحول يوما ً منذ أن حقق أمنيته في الحفاظ على التراث العربي والإسلامي العريق . ولعل أسطع ما تجلى في سيرته من ظواهر اللطف والمحبة ، ميله إلى البساطة المتناهية . يستقبل الناس أفرادا ًوجماعات لا يفرق فيهم بين كبير وصغير ، وغني وفقير ، ولا يؤثر منهم ذا مقال على غير ذي شأن ، يكلم هذا ويؤنس ذاك ، ويلاطف سواهما ، ويمد يده إلى اليد التي تمتد إليه محيية أو مصافحة . الشيخ عبد اللطيف سعود البابطين رجل بأوسع معاني هذه الكلمة وأعمقها وأجلها شأنا ً، وأعماله الكثيرة واضحة من الدروس البالغة التي يحتاج إليها كل من يريد من رجال وشبان الرياض أن يتعلم كيف يفنى في خدمة قومه وتراثه . لا يبتغي بها جزاء ولا شكورا ً إلا رضى الله ورسوله والمؤمنين والناس أجمعين . تفتحت نفسه للخير كما تتفتح الزهرة وقد أحست دفء الربيع ونوره وصفاءه ، فهو يصطدم كل صباح ومساء بالحياة المادية الجبارة في قوانينها وفروضها ليصرعها ويلبي نداء نفس عظيمة تبحث عن مثل أعلى ، عن طمأنينة روحية لا لتستقل بها في أثرة ، وإنما لتنشرها على المحتاجين إليها الذين ينتظرونها متلهفين ، ويحتفظ في قرارة نفسه بعد ذلك بطبيعته الخيرة وروحه الصافية ، وكل من عرفه أو عاشره – والكلام للكاتب الأستاذ حلاق – أو أتيح له أن يجالسه ولو لساعة يقر بهذه الحقيقة البارزة ، ويجهر بان عبد اللطيف سعود البابطين علم من أعلام الخير ، تزدهر في قلبه الكبير، صفات الحمية والإباء والوفاء ، وتجول في نفسه ةالحرة مزايا الكرم والإيثار والإصلاح والنجدة العربية الحقة . عبد الوهاب سعود البابطين هو أيضا ً أديب ورجل أعما كبير تبرع بمبنى (( وحدة سعود البابطين لأمراض القلب )) وهو مبنى مؤلف من ست طبقات في مدينة الدمام للعلاج المجاني ، ويعتبرهذا المبنى صرحا ً شامخا ً افتتح عام 2002 وسد فراغا ً كبيرا ً في هذا المضمار . عبد الكريم سعود البابطين هو الأصغر سنا ً ، وهو أديب أريب ورجل فضل وأعمال عديدة فقد تبرع عام 2002 بمبنى (( مركز البابطين وبرج سعود البابطين )) اغسيل الكلى من ست طبقات ، ووضع حجر أساسه في مستشفى الملك فيصل التخصصي . عبد الرحمن عبد اللطيف البابطين . أما السيد عبد الرحمن وهو نجل الشيخ عبد اللطيف ، فهو المشرف العام على مركز سعود البابطين الخيري للتراث والثقافة ، وهو شاب وسيم يمتلئ حبا ً وعشقا ً كوالده للتراث والثقافة ، ولقد تعرفت إلى رجال البابطين جميعا ً ولمست فيهم نعم الرجال الأماثل الأجاويد . .. عبد العزيز سعود البابطين ومعجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين .. ومن مشاعل هذه الأسرة الكريمة السيد عبد العزيز صاحب مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري التي تفصح بتسميتها عن حب صاحبها الكبير للشعر ومبدعيه . فعبد العزيز سعود البابطين يرى أن الشعر أبو الفنون وقمة الإبداع العربي فهو لا يتعامل مع معشوقته القصيدة تعاملا ً باردا ً حياديا ً إنه العاشق المتيم الذي لا يبخل على معشوقته برغيبة ، ولا يضن عليها بغال ٍ ، ولا يمسك عنها نفيسا ً ، بل يجود حتى يتجاوز جوده حدود كل جود . وقد بلغ هيامه بالشعر وتعلقه به أن حلم بتأليف (( معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين)) ، وقد استطاع أن يحقق هذا الحلم المعجزة الذي طالما راوده ، وأن يحيي هذا الأمل العملاق الذي كان يخالج نفسه حينما يخلو بها. وهذا المعجم لم تنبت فكرته من فراغ فباعثه هو هذا الحب الصوفي للشعر العربي عند عبد العزيز سعود البابطين ، ويبدو هذا الحب في إهداء المعجم الذي جاء فيه : إلى أمتي العربية .. الحلم والواقع .. وإلى الشعر العربي ضميرها الحي .. وإلى معلمينا الأوائل أصحاب المعاجم والمختارات .. وإلى الشعراء العرب رسل التنوير والثقافة والتقدم .. أهدي هذا المعجم . فهو يهديه إلى أمته العربية ، ولم يحصر الإهداء بقيود قطرية ، لأن عمل المعجم عمل قومي يفترش الوطن العربي من محيطه إلى خليجه ويخدم شعر الأمة العربية أيا ًكان يسكن القصور أو يقيم تحت الخيام ، وسواء ارتدى قبعة الغرب وسراويله أو ارتدى عباء العرب وعقالهم ، وسواء كان يلعب بمحار البحر أو يغمس قدمه في رمال الصحراء . ثم إن عبد العزيز سعود البابطين أراد لهذا المعجم أن يكون امتدادا ً لمؤلفات المعلمين الأوائل أصحاب المعاجم والمختارات . إن هذا المعجم موسوعي ، فقد قدم لنا 1645 شاعرا ً معاصرا ً ، وسيرهم ، وعناوينهم ، وعناوين أعمالهم ، وعناوين الدراسات التي كتبت عنهم ، ونماذج من شعرهم ، ونماذج من خطوطهم ، تعايشوا فيه فنيا ً على اختلاف اتجاهاتهم ومذاهبهم الفنية ، وانتماء شعرهم إلى الشعر العمودي أو شعر التفعيلة ، أو قصيدة النثر . وإننا لننحني إعجابا ً وتقديرا ً وإكبارا ً لما بذل في هذا المعجم من جهد مضن ٍ، ووقت ومال ، ويكفي أن نذكر معاناة الوصول إلى الشعراء ، والاتصال بهم ، وشرح الغاية والهدف من المعجم ومحاورتهم لكي يقدموا صورهم الشخصية وسيرهم الذاتية ونماذج من شعرهم وخطهم لتكون مادة المعجم ، ويكفي أن نذكر وسائل إعلامهم في مواقع إقامتهم على امتداد الوطن العربي وخارجه ، المرئية والمسموعة والمكتوبة ، وعن طريق الاتصال بالمؤسسات والهيئات الثقافية . ويكفي أن نذكر جهد من خطط للمعجم ، وحرك شبكة هذا الجيش العامل الذي قطع كل فرد من أفراده في كل الاتجاهات آلاف الأميال ليعود من أزهار الشعر بالرحيق إلى الخلية المركز ، التي انكب فيها المستشارون والمغربلون والمصححون والمنظمون وفق منهجية صارمة يتساوى في ميزانها كل شعراء المعجم مشهورهم ومغمورهم ، صغيرهم وكبيرهم ، ذكرهم وأنثاهم ، قاصيهم ودانيهم ، شهيرهم وخاملهم ، وزود المعجم بفهارس متنوعة تضمنت فهرس الأعلام والإحالات ، وفهرس الشعراء ، وفهرس الدواوين الشعرية ، وفهرس الشعراء حسب بلدانهم ، وفهرس السنوات والعقود . وتوج كل ذلك بتوطئة نقدية عن الشعر العربي الحديث جاءت في المجلد الأول وببحوث ودراسات ألحقت بالمعجم بمجلد خاص بها ، كتبها لفيف من كبار النقاد ومؤرخي الأدب في الوطن العربي رصدوا من خلالها الملامح المشتركة لتجليات حركة الشعر العربي المعاصر عبر البيئات المحلية القطرية الإبداعية المختلفة ، وبذلك أضيئت الخلفية التاريخية لهذا الشعر ، ورسم الإطار العام للظروف الثقافية والفنية التي أرهصت به ، وصورت الأرضية التي درجت عليها حركة الشعر العربي المعاصر . إن معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين عمل استثنائي فذ قال عنه أحد وزراء الثقافة العرب (( إنه لو اجتمعت الدول العربية ربما لا تستطيع إصدار مثل هذا المعجم . وقد أهدى الشاعر الأديب الأستاذ رياض عبدالله حلاق صاحب ومدير مسؤؤل مجلة الضاد قصيدة ألقاها في افتتاح مركز سعود البابطين الخيري للتراث والثقافة بتاريخ / 10 / آذار / 2002 في مدينة الرياض جاء فيها
: شددتُ رحالي اليوم نحو أحبتي ورحت ُ أمَّني النفس بالقبلات
ِ فمن حلب الشهباء قد جئتُ طائرا ً ألبي بعشق ٍ أعطر الدعوات ِ
بنو البابطين الزهر ، في كل مشرق ٍ لهم بارقٌ في أحرف الصفحات ِ
لقد حملوا للحرف في العرب مشعلا ً فكانوا به للعرب ِنعمَ هداة ِ
فكم مثل هذا الصرح للحرف قد بنوا فكانوا لصرح العقل ذخر بناة ِ
فيا حبذا هذي الربوع ثقافة وأهلا ً وأرضا ً عذبة النفحات ِ
هنا في رمال النجد مهد عروبتي وتربة نبضاتي وجذر نواتي
- مفيد فهد نبزو – - سوريا -
0 comments:
إرسال تعليق