وقف شابٌّ على قارعة الطريق يحمل كيس تمر وكأس ماء بارد لمن فاجأه الغروب من صائمي رمضان وهو في الطريق. أُلقي القبضُ على هذا الشابّ، واقتيد للسجن! زاره صديقان في محبسه، فاقتيدا معه للسجن! الشابُّ مسيحيّ، وصديقاه مسيحيان. الشابُّ أراد أن يتبع، ليس وحسب ناموس دينه الذي يحضُّ على محبة الآخر، مهما كان هذا الآخر، بل أراد أن ينفّذ نواميسَ الأديان كافة: بدءًا من معتقدات الفراعين، أجدادنا: “سقيتُ الظامئ وأطعمتُ الجائع"، مرورًا بكافة الديانات الوضعية، وصولا إلى الرسالات السماوية الثلاث، وانتهاء بالإسلام الذي قال رسولُه، عليه الصلاة والسلام، في حديث شريف: ““اتقوا النارَ ولو بِشِقِّ تمرة، فمَن لم يجد، فبكلمةٍ طيبة.”
هذا الشابُّ اقتدى بالأدبيات المسيحية كما تعلّمها في طفولته، ومنها درس السامريّ الصالح، كما حكاها السيدُ المسيح لتلاميذه. سأله تلميذٌ: “يا مُعلّم، ماذا عليّ أن أفعل لكي أنال الحياة الأبدية؟" فقال السيد المسيح عليه السلام: “المكتوب في ناموس الله. تحبُّ الربَّ إلهك من كل قلبك وقوتك وفكرك، وتحبُّ قريبك كنفسك.” فسأله التلميذ: “ومَن هو قريبي؟" فأجاب السيد المسيح بقصة: “كان يهوديٌّ مسافرٌ من أورشليم إلى أريحا. الطريق كانت مهدًا للصوص وقُطّاع الطرق الذين يهاجمون المسافرين. انقضّ اللصوص على المسافر وضربوه ونزعوا ثيابه وتركوه للموت. مرّ كاهنٌ ورأى الرجل الجريح يحتضر، فتركه ومضى. ومرَّ كاهنٌ آخر من أسلاف يعقوب، فلم يكتف بتركه، بل انتقل للجانب الآخر من الطريق، وتركه لموته. وبعد برهة، مرَّ رجل سامري. وهناك عداء تاريخي بين الطائفة السامرية وبين اليهود بسبب الاختلاف المذهبي والتمييز العنصري آنذاك بين الشعبين. لكن هذا السامريّ الصالح أشفق على اليهودي الجريح فداوى جراحه وربطها ورفعه على حماره وأوصله إلى فندق في المعمورة ودفع لصاحب الفندق قطعتين من الفضة ليعتني بالجريح.” انتهت القصة. وهنا سأل السيدُ المسيحُ تلميذَه: “أيٌّ من الرجال الثلاثة صار قريبًا للجريح؟" الرسالة واضحة إذن. المسيح عليه السلام يطالبُ بني الإنسان كافة أن يكونوا أقرباء بالإنسانية، وإن لم يكونوا أقرباء بالدم أو بالعقيدة، أو كما قال الإمام عليّ بن أبي طالب: “نظيرٌ له في الخَلق.” فجميع بني الإنسان نظراءُ في الخَلق، تربطنا معاني الإخوة والتحابّ، والتعاون على إعمار هذا الكون، لا على هدمه وتدميره بالبغضاء والحروب والاقتتال.
هذا الشابُّ المسيحي أراد أن يقول، "فعلاً" لا قولا: “ أيها المسلمون، نحنُ نحبّكم. لأننا جميعًا أبناءُ الإنسانية. نحبكم لأن المسيح علّمنا أن نحبّ حتى أعداءنا، ولستم بأعدائنا، ولن تكونوا أبدًا، مهما فعل بنا بعضُكم المضلَّل بفتاوى المغرضين. نحترم شعائركم الإسلامية، مهما فعل بنا بعضُ سفهائكم ففجّر كنائسنا أو حرق إنجيلنا أو سخر من شعائرنا، أو حتى ذبح داعشيون مجرمون ينتسبون للإسلام أشقاءً لنا وألقوا رؤوسهم في مياه البحر. فنحن نعلم أن أولئك السفاحين ليسوا منكم، ويقتلونكم مثلما يقتلوننا. نعلم أن الخير فيكم وفينا إلى يوم الدين. وأن القلّة الفاسدة منكم، ومنّا، ليسوا منكم وليسوا منّا، وليسوا من الإنسانية وليسوا من مصر. نصومُ نهارَ رمضان كما تصومون احترامًا منّا لدينكم، وحين يحين الغروبُ على أرض مصر، نقفُ على نواصي الطرقات لنُطعم صائميكم بحبّات التمر الرطب كما كان رسولكم الكريم يُفطر على تمرة أو تمرتين، ونسقي ظامئيكم بكأس ماء، لأن كتابنا يقول: ’كأسُ ماءٍ بارد لا يضيع أجرُه.‘ صومًا مقبولا وإفطارًا شهيًّا.”
تلك هي الكلمات التي كانت تحملها حبّات التمر التي حملها الشابُّ وصديقاه الذين ينتظرون الآن خلف القضبان مع القتلة واللصوص وقطّاع الطرق! ينتظرون مصيرَهم الذي سيحدده قاضٍ عادل محترم نثق في حُسن إسلامه وإشراقة استنارته.
هل جزاءُ الإحسان إلا الإحسان؟ نسألُ ونعرف أن القضاء المحترم سيجيب قائلا: "بل جزاؤه مزيدٌ من الإحسان.” لا تقتلوا المحبةَ بين شباب مصر. فتلك الواقعة المخزية من شأنها أن تمنع الخير عن أرضنا الصبور الطيبة. وإن ضاعت المحبة، حلّ الخراب.
يحكي لنا المأثور عن فارس كان يسير في الصحراء بفرسه، فصادف رجلا تائهًا يتعثّر في أسماله وظمأه وجوعه. قرّر الفارسُ النبيل أن ينقذ التائه من الموت المحقق، فأركبه حصانَه ليوصله إلى المعمورة. فما كان من الرجل التعس إلا أن لكز الفرس بمهمازيه وجرى به بعيدًا وهو يضحك. فهتف الفارسُ: “خذ الحصان، إن شئتَ، ولكن لا تحكي لأحد ما كان بيننا.” فأجاب اللصُّ مقهقهًا: “هل تخشى أن يُعيّرك العربُ لبلاهتك؟!” فأجاب الفارسُ: “لا! بل أخشى أن تختفي الشهامةُ من أرض العرب بعدما يعرفون ما جرى منك ومني.” فأعاد اللصُ الحصانَ للفارس، وندم واعتذر. خافَ اللصُّ، أن يختفي النبلُ من أرض العرب.
أعترف للرئيس المحترم "عبد الفتاح السيسي" أنه نجح في هدم الفجوة التي صنعها من سبقوه من رؤساء بين المسلمين والمسيحيين. لهذا أناشده بأن يردّ لهذا الشابّ المسيحي اعتباره وتقدم مصرُ له ولرفيقيه اعتذارًا رسميًّا، حتى لا يموتَ الخيرُ في أرضنا. كما أنتظر منه أن يُتوّج تلك الروح المصرية المستنيرة ببناء كنيسة جميلة في منطقة قناة السويس الجديدة، جوار المسجد الجميل الذي شُيّد هناك، حتى تكتمل وحدتُنا كمصريين، تجمعنا مصرُ، ولا يفرقنا مُغرض عميل يحقق مآرب صهيون في تفتيتنا.
مجلة ٧ أيام
0 comments:
إرسال تعليق