تعالت الأصوات الشعبية والحزبية المطالِبة بوقف التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل وأصبحت هذه القضية تشغل بال الفلسطينيين، وذلك لما تسببه من مخاسر وضغائن، حيث تجري عملية التنسيق الأمني باتجاه واحد ولصالح إسرائيل فقط، فلا يمكن أن تقوم إسرائيل بتبليغ الطرف الفلسطيني عن نية المستوطنين في القمع والتخريب ومصادرة الأراضي، بل إن كافة أعمال التنسيق تتم فقط لخدمة أمن إسرائيل وفقط.
لقد نصت المادة (140) من قانون القضاء الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية قبل التعديل على أن عقوبة الإعدام ستُنفذ ضد من يعطي معلومات للعدو الصهيوني أو يعرض قوات الثورة التي تنفذ عمليات للخطر، لقد شطبت هذه المادة من ميثاق منظمة التحرير وحل محلها مصطلح محسن فقد سمي التخابر وإعطاء المعلومات للعدو، واعتقال ومصادرة كل الأدوات التي من شأنها أن تساهم في تحرير فلسطين _التنسيق الأمني_ كنوع من تلطيف المصطلح.
إن التنسيق الأمني لا يقتصر على تسيير الدوريات الفلسطينية الاسرائيلية المشتركة معاً، بل امتد ليشمل اعتقال كل من يشتبه في رغبته بالانتماء لأي من فصائل المقاومة، وزجهم في السجون وتعذيبهم وتلفيق التهم لهم، وملاحقة سلاح المقاومة وإغلاق المؤسسات التي تتبع لفصائل المقاومة، والقضاء على البنى التحتية لكل فصيل أو حركة فلسطينية تشكل خطراً على أمن إسرائيل، كما أن الوظيفة الرسمية وشهادة حسن السلوك ورخصة القيادة لا تمنح لكل من يمت للمقاومة بصلة من قريب أو من بعيد.
لقد تطور التنسيق الأمني بعد أحداث 2007م في غزة بدرجة كبيرة جداً، فبعد هروب الأجهزة الأمنية من غزة والهزيمة التي تعرضت لها أصبح للتنسيق الأمني بعد آخر وهو الانتقام من حركة حماس بشكل خاص، وأصبحت تمارس كل أشكال القمع ضد أفراد ومؤسسات التنظيمات الإسلامية لاسيما حماس والجهاد الإسلامي، وأصبحت هذه التنظيمات عدواً مشتركاً لإسرائيل والسلطة على حد سواء، كما صرح أحد ضباط الأمن الفلسطيني في وثيقة مسربة كشف عنها "نحوم بيرنغ" المحلل في صحيفة يديعوت احرنوت أنه خلت قائمة المطلوبين الفلسطينيين للشاباك الإسرائيلي في الضفة الغربية وأصبح رصيدها "صفر" بفضل جهود السلطة الفلسطينية برام الله، والتي قامت بعمليات ميدانية مشتركة مع قوات الأمن الصهيوني بحق الفلسطينيين، فقد بلغ التنسيق الأمني مرحلة صعبة لم نكن نتخيلها نحن كفلسطينيين، وأصبح عرابوه يتباهون به، فيقول محمود عباس:- "إن التنسيق الأمني مقدس"، فعلاً هو كذلك بالنسبة له ومن يقودون السلطة في رام الله، بدليل أن حروباً ثلاث شنت ضد الفلسطينيين في غزة ولم يتوقف التنسيق الأمني، بل ساهمت المعلومات التي قدمها ضباط وقادة يعملون في أجهزة السلطة ويسكنون في غزة في زيادة بنك المعلومات لإسرائيل كي تقصف وتخرب وتدمر، والواقع والمنطق يثبت بأن السماح بإقامة سلطة فلسطينية على أراضٍ فلسطينية لم يكن ليكون لولا أن إسرائيل متأكدة بأن هذه السلطة ستشكل كلب حراسة لها، وكما أن السلطة تقدس التنسيق الأمني، فإن إسرائيل أيضاً تقدسه لأنها أكثر المستفيدين منه، ويوفر عليها الجهد والمال، وتؤكد دوماً عليه، وبالرغم من توقف المفاوضات بين السلطة وإسرائيل وسوء العلاقة إلا أن التنسيق الأمني لم يتوقف ولو للحظة واحدة لأنه مرتبط بتقديم الدعم المالي للسلطة.
إن التنسيق الأمني مزق الصف الوطني الفلسطيني، وكبح جماح المقاومة في الضفة الغربية، وداس على كل التضحيات والبطولات التي قدمها الفلسطيني على مدار عشرات السنين، وزاد معاناتهم، ويريد من يقود التنسيق الأمني إلى بناء دولة المؤسسات وفق المواصفات "الإسرائيلية"، فنقول لهم تباً لدولة تقوم بمقاييس إسرائيلية.
واستشهاد أبو عين جعل بعض الأصوات داخل السلطة وخارجها تنادي بضرورة وقف التنسيق الأمني، لكن المتابع للمجريات على الأرض على يقين بأن التهديد بوقف التنسيق الأمني هو تهديد في الهواء لأن وقف التنسيق الأمني يعني إنهاء السلطة لسبب وجوده
0 comments:
إرسال تعليق