أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 25/44 لتاريخ 20/11/1989 والذي بموجبه تم التصديق والتوقيع على شرعة حقوق الطفل، ودخلت الشرعة حيز التنفيذ في الثاني من أيلول/سبتمبر من العام 1990 وفقا للمادة 49، وقد حظيت بتوقيع 191 دولة في العالم.
تتضمن الشرعة 54 مادة وبمجملها تتحدث عن أن جميع الأطفال بغض النظر عن اللون أو الجنس أو المعتقد متساوون في الحقوق والواجبات، وأن من حق الطفل بأن يعيش بأمان وإستقرار، وأن يكون له منزل وعائلة وأن يُحترم رأيه وأن يعبر عنه بالمشاركة، وعن حقه باللعب والتعليم والفرح وأن يتمتع بصحة جيدة، وأن يحظى بالحق في الحماية القانونية والإنسانية والنفسية والجسدية، وأن يكون لديه إسم يُكنّى به وجنسية، وربما الأهم بين تلك الحقوق ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة السادسة من الشرعة بأن "لكل طفل حقاً أصيلاً بالحياة"، والفقرة الثانية من نفس المادة التي تنص على "تَكفُل الدول الأطراف إلى أقصى حد ممكن بقاء الطفل ونموه"، وقد تم تشكيل آليات دولية لمتابعة تطبيق الشرعة في العالم وتقديم التقارير الدورية إلى الجمعية العامة التي تتحدث عن أوضاع الأطفال في الدول التي تتعرض للفقر والكوارث والصراعات والحروب..
إلا أن ما يشهده الواقع؛ أن مضامين الشرعة شيئ والتطبيق على الأرض شيئ آخر، خاصة فيما يتعلق بحقوق الطفل الفلسطيني التي تُنتهك حقوقه منذ ما يقارب المائة عام وليس فقط منذ التوقيع على الشرعة في العام 1989، فسياسة الإقتلاع وارتكاب المجازر ومصادرة الأراضي واحتلال البيوت من قبل الصهاينة المستوطنين منذ أن احتلت فلسطين من قبل بريطانيا في العام 1917 مروراً بتكريس الإنتداب، وبعد ذلك قيام دولة الكيان الإسرائيلي في العام 1948 ثم إحتلال ما تبقى من الأراضي الفلسطينية في العام 1967، وما نتج عن هذه المرحلة القاسية والصعبة من لجوء وتهجير، كان لها تأثير مباشر على العائلة الفلسطينية ومكوناتها عموماً وعلى الأطفال بشكل خاص.
تُقتل الطفولة في غزة وبشكل منهجي، فخلال العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع المحتل في تموز 2014 فقط، سقط أكثر من ألفي شهيد، ثلثهم كان من الأطفال (447 شهيد)، وفي سوريا جميع اللاجئين الفلسطينيين (540 ألف لاجئ) بحاجة إلى مساعدة يمثل الأطفال منهم ما نسبته حوالي 43%، وأعداد كبيرة من الأطفال الفلسطينيين والسوريين لاقت حتفها نتيجة الحرب في سوريا، أو نتيجة الهجرة غير الشرعية أثناء رحلات مراكب الموت بين الدول لا سيما الأوروبية منها، أو بسبب الجوع في المخيمات المحاصرة، ناهيك عما يتعرض له الأطفال من إهانات خلال عمليات الأعتقال في بعض الدول العربية وهم في طريق الهجرة.. أما في لبنان فلا تزال المخيمات الفلسطينية على مساحتها الجغرافية منذ أن أُنشِئت هذه المخيمات بالإتفاق بين وكالة "الأونروا" والدولة اللبنانية منذ ما يزيد على 66 سنة ممنوع عليها التمدد. في العام 1948 وصل إلى لبنان حوالي تسعين ألف لاجئ فلسطيني، أصبح عددهم الآن حوالي 480 ألف لاجئ، فلم يعد هناك أماكن للعب الأطفال في المخيمات أو مساحات للبناء.. عدا عن الساعات الطويلة التي تقضيها العائلة في ظلمة الليل والنهار نتيجية الإنقطاع الدائم للكهرباء والبناء العامودي والأفقي المتراكم في المخيمات، وهذا كان نتيجيته على سبيل المثال لا الحصر أن 35% من طلاب مدارس "الأونروا" في مخيم شاتيلا يعانون من مشكلة قصر النظر، وارتفاع في نسبة التسرب المدرسي (18% تراكمي)، وغيرها من المشاكل الصحية والنفسية والإجتماعية والتربوية بين الأطفال، كذلك يعاني الطفل الفلسطيني في الأردن من حالة اللجوء كجزء من حالة عامة للاجئين، وفي الضفة الغربية هناك الإحتلال وحالة اللجوء التي لها تأثير مباشر على الأطفال.
منذ أن تم التوقيع على الشرعة، تكتفي المنظمات الدولية المعنية بمراقبة أوضاع الأطفال لا سيما اليونيسف ومنظمة العفو الدولية ووكالة "الأونروا"، بإعداد التقارير وتشخيص الواقع والتعبير عن الشجب والإدانة والإستنكار لأي حالة إعتداء على الأطفال، وإطلاق المناشدات لتوفير الحقوق المشروعة للطفل الفلسطيني وضرورة توفير الحماية وإبعاد الأطفال عن الصراعات الداخلية سواء في أماكن اللجوء أو في الشتات أو في الداخل الفلسطيني المحتل، لكن لا تملك تلك المنظمات الأدوات الكفيلة بفرض تطبيق الشرعة على الأطراف المعنية خاصة الكيان الإسرائيلي حيث يعيش الطفل الفلسطيني تحت الإحتلال، وما يتعرض له من أعمال القتل والترهيب وإمتهان للكرامة والإعتقال (300 طفل في السجون الإسرائيلية)..، ولهذا من المفترض أن يُمارس المزيد من الضغط على الجمعية العامة للأمم المتحدة لأخذ أوضاع الطفل وحقوقه وحمايته المشروعة بعين الإعتبار واتخاذ ما يلزم من الإجراءات القانونية المناسبة التي من شأنها تطبيق العقوبات على جميع الدول التي تنتهك تلك الحقوق ولا تأخذ بتوجيهات وقرارات الدول الأعضاء، لاسيما الكيان الإسرائيلي الموقِّع على الشرعة في 2/11/1991.
في كل عام يحيي المجتمع الدولي الذكرى السنوية للتوقيع، ومنذ 25 سنة والدول الأعضاء تُطلق سنوياً مناشدات لإحترام تطبيق المواد التي وقَّعت الدول الأعضاء نفسها عليها. لم يتغير حال الطفل الفلسطيني سواءً الواقع تحت الإحتلال أو في دول اللجوء والشتات، فلا تزال حالة اللجوء والتهجير والتهميش بحق الأطفال مستمرة وأعمال القتل والإعتقال والخطف مستمرة، ولا تزال الظروف الإقتصادية والاجتماعية والنفسية الصعبة عند الأطفال على حالها، لا بل تزداد سلبية في كل عام.. وبهذا المعنى فإن الشرعة إن كانت قد أنصفت الطفل الفلسطيني في التعريف وتشخيص الحال، إلا أنها بقيت بعيدة عن التطبيق، وبقيت الدول بعيدة عن الجدية في المتابعة.
*المنسق الإقليمي لمركز العودة الفلسطيني / لندن – المنطقة العربية
كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
0 comments:
إرسال تعليق