أسس تكـــــوين الجماعــــة/ إيـــــمى الأشــــــقر

المقدمة : 

ان البيئة والتربية والتنشئة الإجتماعية للفرد والمسؤلة عن التكوين النفسى والأتزان العصبى وعلاقة الفرد بنفسة وبالأخرين لها دور قوى وفعال وممتد على طبيعة تكوين الفرد واتجاهاته الإجتماعية والسياسية , فإن البيئة شاملة التربية والعادات والتقاليد وفلسفة الحياة والتربية التى تعتبر بمثابة حجر الأساس لتكوين الفرد عقليا ونفسيا وعصبيا هى المسؤلة عن وضع الخطوط العريضة لإتجاهات الفرد نحو طبيعة الجماعه التى ينضم اليها فى إطار علاقات إجتماعيه بحته او طبيعة الجماعه التى ينضم اليها فى إطار سياسى وكذلك الإطار الدينى ايضاً , بمعنى ان البيئة والتربية اصحاب الدور الأساس فى تحديد الفرد طبيعة الجماعه التى ينضم اليها ويجد نفسه معها ويراها تحاكى طبيعة الإنسان الذى يحيا بداخله .  

أسس إنضمام الفرد لجماعة : 

1- الأسس الإجتماعية ( التربية والتنشأة الإجتماعية والعادات والتقاليد ) 

تلعب التربية والتنشئة الإجتماعية والعادات والتقاليد دورا هاما فى انجذاب فرد لفرد اخر فى المجتمع وبالتالى تكوين جماعة تتكون من عدة افراد تحمل نفس طريقة التربية ولها نفس العادات والتقاليد والميول وفلسفة الحياة ونجد افراد تلك الجماعة يميلون الى التجمع معا وينفرون بل يشعرون بالكرهه تجاه من يختلف عنهم فى التربية وخاصة فلسفة الحياة وربما يشعرون بالخوف والقلق منه لانه يحمل صفات تختلف عنهم وهذا الإختلاف يجعلهم يرونه شىء مبهم يدعو الى القلق والحرص منه , على سبيل المثال  .. نجد اصحاب المجتمع الريفى يحملون نفس الصفات والعادات والفسلفة وعندما ينتقلون الى المدينة من اجل الدراسة مثلا نراهم يميلون الى غلق علاقتهم على من هم من نفس المجمتع الريفى ويخافون على انفسهم من ابناء المدينه لانهم اكثر تفتحا وجرأة ويختلفون عنهم فى كل شىء وخاصة اسلوب تعاملهم مع الاخرين ومظهرهم وطريقتهم فى الحديث.

حالة اخرى .. سيدة تعمل موظفه فى قرية ريفية كل زملائها فى العمل من نفس القرية تعانى من كرههم لها رغم انها تعاملهم برقة وزوق عالى جدا ولكن سبب الكرهه يكمن فى اختلافها عنهم فهم يرون انهم جميعا نفس العينه يحملون نفسي الصفات يعيشون بنفس الفلسفة ماعادا هى ولذلك هذا الإختلاف يشعرهم بالنقص من ناحيتها , يكتمون اسرارهم عنها رغم انها حريصة جدا وقليلة الحديث ويحكون اسرارهم بكل صراحة لزملائهم الذين يتحدثون بدون تفكير وحتى اسرارهم واسرار اقرب الناس اليهم يتحدثون فيها امام الجميع ورغم ذلك بينهم ثقة متبادله  لا يمنحوها لها ابدا لان حرصها الشديد وقلة حديثها يشعرهم من ناحيتها بالقلق لانهم لايعرفوا هذه الصفه ولاتندرج فى قاموس شخصيتهم بل يعرفوا فقط التحدث فى اى وقت وبلا تفكير اى اختلافها فى الصفات جعلهم ينفرون منها ولا يحبون تواجدها بينهم بالإضافة الى ان جميعهم بنوا حياتهم الزوجيه على نفس الفلسفه وهى رجل ليكون مصدر لاشباع الرغبات ولكى تستمر الحياه ما عاد هى لها فلسفه راقيه جداا فهم لهم فلسفه ذات منطق غيرانسانى وهى ضد هذا المنطق مما يجعلهم يشعرون بالنقص والرغبة فى الابتعاد عنها لان القرب منها يشعرهم بالنقص .

حالة اخرى .. نجد الفرد الذى تربى على انعدام الشخصية والتابعية العقلية والفكرية يجد نفسه فقط بين افراد اسرته وذويه ولايشعر الا بينهم بالامان ويشعر بالنقص من ناحية الفرد الذى تربى على قوة الشخصية والإستقلال العقلى والحرية الفكرية ويراه مختلف عنه وافضل منه لانه صاحب عقل مفكر يدير شؤنه بنفسه فى اى لحظه وفى اى موقف اما الاول فهو مبرمج على عدم التفكير ولا يستطيع التصرف مطلقا الا بعد العودة الى اسرته فهى العقل المفكر بالنسبة له فنجدة يشعر بالنقص مع هذا الفرد صاحب العقل المفكر والشخصيه القويه ويميل الى الابتعاد عنه , على سبيل المثال .. فتاة حاصلة على درجة الدكتوراة ولها صديقه مقربه لها جدا اقل منها فى المستوى العلمى والاجتماعى والمادى وكانت محببه لقلبها جدا عندما كانت العلاقه بينهم سطحيه الى حدا ما , وعندما تحولت العلاقه الى علاقة قويه واصبحوا يتقابلوا كل يوم وتحدث الكثير من المواقف بينهم ووجدت حاملة الدكتوراة انها تشعربالنقص من ناحية صديقتها لانها تجيد فن التعامل مع الاخرين وتجيد إدارة المواقف وانها صاحبة عقل مفكر اما هى لا تعرف كيف تفكر او تتصرف او تتعامل مع افراد المجتمع لانها تربت على ان العقل المفكر والمتصرف الوحيد هو " الاب " والمسؤل عن تلقينها الحديث الذى تقوله للاخرين فى اى موقف هى " الأم " ولكن هكذا هى تربت ونشأت على انها مجرد أله يحركها "الاب "ولسان يقول ما تلقنه لها " الام " ولذلك فهى ابتعدت عن صديقتها واصبحت تكن لها الكرهه والنفور لانها تشعرها بنقط ضعفها وجوانب نقصها بدون قصد . 

2- الأسس النفسية ( البرمجة العصبية للفرد منذ فترة طفولتة ) 

مما لا شك فيه ان البيئة المحيطة بالفرد من الدرجة الأولى ( الام و الأب ) وكذلك البيئة المحيطة بالفرد من الدرجة الثانية ( المكان الذى نشأ وتربى فيه ) بظروفها ومدى قسوتها او رفاهيتها ومدى تواجد الجهل وضيق الافق من عدمه تقوم بعمل برمجة عصبية له لتصنع منه إما شخص سوى نفسيا ومتزن عصبيا او شخص مريض نفسيا وغير متزن عصبيا , شخص يتسم بالثقه بالنفس وبالتالى لدية احساس عالى بالمسؤلية تجاة نفسه وتجاة الاخرين او شخص ثقته بنفسه مهزوزه جدا وبالتالى يميل الى عدم الاحساس بالمسؤلية لانه يخشى الفشل ومن الافضل ان يترك المسؤليه على غيره حتى لايتحمل هو نتيجة الفشل , شخص محب للخير او شخص يميل الى الشر وإيذاء الأخرين , شخص طيب هادىء الطباع او شخص عدوانى همجى بطبعه , شخص يميل الى الضعف والتابيعه للأخرين او شخص يميل الى السيطرة والتسلط ويحب ان يكون قائد يتبعه الاخرين , شخص أنانى لايرى الا نفسه  او شخص محب للعطاء وإحساسه بالاخر عالى جدا , شخص صاحب ضمير حى او ضمير ليس له وجود, كل تلك التكوينات النفسيه ومضادتها تكون عامل اساسى وفعال ومؤثر جدا فى طبيعة علاقة الفرد بالاخرين واتجاهه السياسى وعلاقاته الاجتماعيه , فمن تربى على الطاعة العمياء وعدم الثقه بالنفس والثقه العمياء فى ولى الامر يكون له اتجاه سياسى يتماشى مع تربيته وتنشاتة الاجتماعية اما من تربى على الثقه بالنفس والقيادية يكون له اتجاه سياسى يتماشى مع تربيته ايضا بمعنى ان التكوين النفسى للفرد عامل اساسى وفعال فى تحديد نوع الجماعه الذى ينتمى لها سواء كانت جماعه على المستوى الاجتماعى او السياسى ايضا  . 

3- الأسس البيئية ( البيئة المعيشية والمهنية )

نجد المجتمع يتكون من طبقات مختلفة لكل طبقة صفات ونظام وفلسفة فى الحياة وحتى طريقة التحدث والحوار والتعامل مع الاخرين نجدها تختلف من طبقة لطبقة اخرى ونلاحظ ان اصحاب كل طبقة يميلون الى اقامة علاقات مع من هم من نفس طبقتهم والخلط بين الطبقات احيانا يكون سبب لخلافات ومشاكل كثيرة بسبب الاختلاف فى التربية  والسلوكيات بصفة عامة , كما نجد ان الطبقة الواحدة ربما تكون متعددة الشرائح مثل الطبقة الشعبيه نجدها تضم اكثر من شريحة إجتماعيه .. الشريحة التى حصلت على درجة معقوله من العلم والثقافه وتربوا فى منازلهم الفقيرة او المتوسطه على الاخلاق والقيم والمبادىء وحسن التعامل مع الاخرين , شريحة اخرى .. وهى التى ينتمى لها الاشخاص الذين حرموا من التعليم او لم يكملوا تعليمهم وتركوا المدرسة فى مرحلة مبكرة من اجل العمل وربح المال مثل الحرفين والعمال واصحاب المهن الصناعية , شريحة اخرى .. وهى التى ينتمى لها اشخاص على درجة مضمحله من الاخلاق والتربيه وعلى درجة عاليه من الجهل والحرمان من التعلم ومن اساسيات اخرى فى الحياه , فنجد افراد كل شريحه من هذه الشرائح السابقه تميل الى بعضها البعض وتشعر بالراحة معا لانهم من نفس العينه يحملون نفس الصفات وعلى نفس المستوى الاجتماعى واكثر احساسا ببعضهم البعض من احساس الاخرين بهم ونجد ايضا فى بيئة العمل الواحدة على الرغم من تواجد شرائح كثيره الا ان الافراد ينتمون للجماعه التى تمثلهم فمثلا العمال يكونوا معا جماعه واحده , المهندسين معا وهكذا فى كل بيئات العمل نجد الفرد ينتمى الى الجماعه التى تمثل شريحته وايضا فى بيئة العمل نجد الزملاء الذين يعيشون فى ظروف حياتيه متشابهه يقتربون من بعضهم البعض ويميلون لبعض اكثر ولا يشعرون بالراحه الا معا وكذلك الذين هم على نفس المستوى العلمى والثقافى والتفتح العقلى فالشخص الجاهل يبتعد عن المثقف لانه يشعر بالنقص من ناحيته ويميل الى الحديث مع الشخص الجاهل مثله لانه لا يشعر بالنقص معه , وكذلك اصحاب السلوكيات المتشابهه يميلون الى بعضهم البعض وربما يغيب الحب داخل قلوبهم لبعضهم البعض ولكن السبب يكمن فى عدم تواجد الاختلاف والتوافق فى التكوين الاجتماعى والنفسى والسلوكى . 


4- الأسس الدينية والعقائدية ( درجة التشدد الدينى للفرد وفقا لتربيتة )

نجد ان درجة التدين والإلتزام والتشدد الدينى من عدمة تختلف بدرجات متفاوته من اسرة لأسرة داخل المجتمع الواحد وهذه الدرجة يتشربها الفرد خلال عملية التنشأة الإجتماعية من اسرتة وهى المحيطة به من الدرجة الاولى , فنجد اسرة تربى ابنائها على الالتزام الدينى بصور ودرجات واعتقادات معينه 

 فمثلا اسرة تربى ابنائها على الوسطية والإعتدال والإلتزام بالعبادات الاساسية وفعل الخير وحسن التعامل مع الاخرين وحفظ اللسان وان العلاقة بين العبد وربة علاقة جوهرية بحته ليس لها علاقة بالمظهر استنادا على ايات قرأنيه واحاديث تدعم وجهة النظر هذه وان القرأن ليس للحفظ بل هو منهج اخلاقى ترباوى هدفه الاساسى الأرتقاء بالجنس البشرى وتعلمه كيفية التعامل مع نفسه ومع الاخرين ومع الإلهه باسلوب راقى ينال به رضا الله , ونجد الافراد الذين تربوا على هذا المنطق الدينى ينتمون ويقتربون من بعضهم البعض وينفروا من الاخرين المتشددين من منطلق الاعتراض على وجهات نظرهم وعدم تواجد التوافق بينهم ووجود تناقضات كثيره من وجهة نظرهم 

اسرة اخرى تربى ابنائها على ان الالتزام الدينى ينحصر فى المظهر فقط  فنجد ابناء تلك الاسره الفتيات منهم يرتدون الملابس الفضفاضه ويغطون وجوههم والرجال يطلقون لحيتهم وحريصين على حفظ القراءن ونجد سلوكياتهم متناقضه تماما مع ظاهرهم مع غياب التطبيق العملى للقراءن الذى تم حفظه فى تعاملهم مع الاخرين ,فمثلا النساء يعشقون النميمه والغيبه ويتحدثون فى الاعراض والرجال  ليسوا على الدرجه الاخلاقيه والرقيى فى تعاملتهم مع الاخرين او فى مجال عملهم لايتقون الله ولا يغضون ابصارهم ويظلمون زوجاتهم , مما يخلق انتقاض شديد من المختلفين عنهم  واستياء ونفور ونجد هذه الاسره وابنائها يميلون الى الذين متفقين معهم فى وجهة نظرهم عن التدين والالتزام وينتقضوا الوسطين وينظرون لهم على انهم ليسوا من مستواهم الدينى والاخلاقى رغم ان العكس صحيح  

اسرة اخرى اكثر تشددا تربى ابنائها على ان هم فقط من يعرفون الله وسواهم يدخل فى نطاق الكافر , هم فقط الذين سيدخلون الجنه وسواهم سوف يدخل النار , هم على صواب ومن يفعل عكسهم هو الخطأ وهكذا يلتقون فى المحتمع وينتمون الى بعضهم البعض ومن يجمعهم معا ويقربهم لبعضهم البعض هى فلسفتهم ومنطقهم المريض .

هناك نوع من افراد المجتمع اريد ان اسلط الضوء عليه وهو الافراد اصحاب الفطرة السليمه والنقيه والذين افتقدوا المثل الاعلى فى حياتهم الاسريه نجدهم يتجهوا الى الجماعات الاسلاميه اعتقادا منهم انهم افضل مثل اعلى لهم فهم اصحاب الدين والاخلاق ويدعون الى الله وطبعا هذا اعتقاد خطأ  جدا فى حقيقته  

افراد ايضا فطرتهم سليمه جدا والناحيه الدينيه قويه لديهم بالفطره الا انهم انحرفوا اخلاقيا بسبب اصدقاء السوء مثلا وعندما عادوا الى فطرتهم وارادوا العودة الى الله ايضا ارتموا فى حضن الجماعات الاسلامية لنفس الاعتقاد الخطأ انهم رمز للدين الحقيقى وهدفهم رفع راية الاسلام 

وفى النهايه اود ان اقول ان درجة التدين والإلتزام والتشدد الدينى من عدمة ووجهات نظر الفرد هى المسؤلة عن اتجاهه وميوله الى جماعه معينه سواء كانت جماعه على المستوى الاجتماعى او على المستوى السياسى او على المستوى الدينى من منطلق الدعوة الى الله او الجهاد فى سبيل الله .

الوصايا : 

لا داعى ابدا للدهشه عندما نجد الخطأ يجتمع معا بكل القوة , او عندما ينفر الخطأ من الصواب , او عندما يرى الخطأ انه هو الصواب , او يطهض الخطأ الصواب ... لان البيئه تاثيرها تأثيرسحرى ومستمر , والطيورعلى اشكالها تقع . 

بقلم / إيـــــمى الأشــــــقر 

CONVERSATION

0 comments: