حسن صعب مفكر لبناني ... إنماء الانسان اساس الوطن والمواطنية/ محمد ع. درويش

لعل افضل ما يكتب عن المفكر اللبناني الراحل الدكتور حسن صعب هو ما كتبه هو. فقد كان معتاداً ان يكتب مذكراته اليومية ليلاً قبل النوم، وفي مقدمة كتبها ليلة غيابه كتب : “خلقنا لنحيا، الحياة وحدها تستحق ان نكونها، وأنا اريد ان اكون، اريد ان احيا، اريد ان اتحرك، اريد ان اخلق، اريد ان اذهب إلى تونس، لاحارب من احارب في “الكسو” ولأسالم من اسالم. وهكذا كان وجودي في هذه المنظمة بعد ان اقتحمت لبنان فيها عام 1985 بعد مقاطعة خمسة عشر عاماً، لماذا فعلت ذلك؟.. لأن لبنان عربي، بل رائد في منظمة الثقافة العربية”.
ذلك هو حسن صعب في ديناميكيته التي لم تهدأ على مدار حياته، هو الازهري المستنير. الباحث في السياسة دون امتهان واحتراف، الدبلوماسي العامل على شد الاواصر في لبنان والعالم، والذي اعطى جزءاً كبيراً من حياته وجهده لندوة الدراسات الإنمائية في هدف سام هو إنماء الانسان اساس الوطن والمواطنية، وفي ممارسته لعمادة كلية الاعلام والتوثيق كانت ممارسته نظرية وعملية.
حسن صعب العربي الفاهم لجدية الترابط بين الهوية اللبنانية والهوية العربية عمل من منطلق هذا الفهم.
ومن ادراكه لاهمية التواصل بين الاسلام والمسيحية الذي منح لبنان صفة “الوطن القدوة .. المصفى الابداعي للوحدة في التنوع، في التمدن العربي والتحضر الانساني” والذي استفاض في الإضاءة عليه في بناءه الفكري “الاسلام وتحديات العصر”.
الدكتور حسن صعب، مفكر الانماء في لبنان، نستذكر في هذه المقالة الملامح الرئيسية لشخصية لبنانية تركت بصماتٍ بارزة على مسار العمل الإنمائي في لبنان بمختلف وجوهه النظري منها والأهلي والدعوي والتطبيقي.
حسن صعب من صنف الرجال ذوي العقول الكبيرة التي تتعب في مرادها الأجسادُ. حلم بوطن عصري وبمجتمع فاضل وبدور طليعي للمثقف في بلاده. آمن بأن حقول العمل العام وميادين السياسة ومقاعد الندوة البرلمانية ينبغي أن تفسح في المجال أمام النخب المثقفة للمشاركة في صناعة القرار السياسي العام. لكنه أدرك ـ هو وأبناء جيله ـ أن ثمّة عثرات وعوائق وظروفاً ذاتية وموضوعية لا تزال تحول، بل تعيق، تحوَّل المثقف الحقيقي إلى صانع قرار أو مسهم في بلورة رأي سديد للسلطان، أي لصانع القرار الرئيسي.
تنكّبُ الدور المؤثر في آلة الحكم والإدارة العامة فرصة لم تتح لحسن صعب وأقرانه. لذا، وبعد خيبة الترشح للانتخابات النيابية، آثر الانصراف إلى دور الموجّه للرأي العام والمحفّز لنشر الوعي في صفوف أبناء مجتمعه. فانصرف إلى الحبر والورق والكلمة الطيبة والموجهة.
ما أعاقته هذه العثرات السياسية عن الدور الذي حلم وعمل لتحقيقه. مشروع قيام الدولة العصرية وتفعيل مؤسساتها ورفدها بالخبرات النوعية ألحّ على خاطره، الى تأسيس “ندوة الدراسات الإنمائية”. من هنا تمثل هاجسه، وفي مقدمهم حسن صعب، بالسعي لتعميم مفهوم الإنماء بمعانيه الإنسانية الشمولية وبتطبيقاته العملية. بادئ بدء التفت حسن صعب إلى ضرورة أن تكون الغاية المرجوة لمؤسسته “تعزيز الوعي العام بموضوعات ومشكلات الإنماء بشتى حقوله”. لكنهم أدركوا لاحقاً أهمية الموارد البشرية في هذه المقاربة. لذا سعوا للربط بين الإنماء والإنسان فعدلوا غاية هذه المؤسسة الوطنية العلمية لتغدو “العمل لإنماء الإنسان كل الإنسان، وكل إنسان…” كما أنه أضاف إلى مفهوم الإنماء صفتي الشامل والمتكامل.
والإنماء يومها، أي في مناخات العام 1965، لم يكن يشكل مسلّمة من مسلمات الحياة السياسية اليومية في لبنان. كما أنه لم يكن بمنزلة “أمر اليوم” في برامج القيمين على عمل مؤسسات وإدارات الدولة؛ ناهيك عن أنه لم يدخل في ثقافة المواطن العادي. مقولة الإنماء كانت عهد ذاك عمومية الدلالة وبمنزلة التوصيفات الأكاديمية والوصفات الخارجية الجاهزة!
كان الكلام عن الإنماء يحلّ بشكل متفرد؛ ولم تكن صفة “المتوازن” قد أدركته بعد، ليشكلا معاً ثنائية لبنانية هي “الإنماء المتوازن”. شعار براق وزئبقي يرفع ويُشهر في أدبيات الحياة اللبنانية العامة منذ أكثر من ربع قرن، لدرجة أنه استهلك دالاً ومدلولاً قبل أن تُدرك مراميه أو أن تطبق مفاهيمه بشكل سوي وعادل، أو أن يشعر المستفيدون الفعليون بحقيقة مفاعيله.
ثمّة رجل ناجح خلف المؤسسة الناجحة. هذه الصيغة لا تخرج من العدم بل هي حصلية التجارب التي تعرفها مختلف بيئاتنا العربية. ونحن لا نغمط هنا حقوق المؤسسات بوصفها الأطر المنظمة والمحتضنة للأفكار والرؤى والقدرات. بل نحن نعترف بريادة الأفراد المؤسسين الذين أداروا بنجاح هذه المؤسسات ورعوا أفكارها وأخرجوا تصوراتها من حالة الهيولى إلى ضفاف الواقع. حسن صعب الذي سنروي في السطور اللاحقة محطات من سيرة حياته هو واحد من الشخصيات المدينية البيروتية المتألقة التي تستحق الإضاءة على مسار عملها ونشاطها في الحقل العام؛ لأنها في الحقيقة جزء من حيوية المدن ونماذج لحراك أبنائها في سبيل تأكيد دورها كبيئات منفتحة تُعرف بالتنوع والخصوبة والتسامح والاعتدال.
ولد حسن صعب في بيروت في 15/10/ 1922، وتوفي في 25/7/1990. متأهل من نعمت حبيب غندور، دكتوراه في علم المكتبات، ولهما ولدان هما حسان دكتوراه في الهندسة الكيميائية، مروان دكتوراه في الاشعة، نال حسن صعب ليسانس الآداب من جامعة  القاهرة في العام 1945، وفي العام نفسه أمضى سنة دراسية في كلية الحقوق في جامعة باريس. وفي العام 1956 نال دكتوراه في علم السياسة من جامعة جورج تاون. الشاب المتعدد المواهب امتلك طموحاً مبكراً أهّله للمزاوجة لاحقاً بين عراقة الشرق ورسالته الحضارية وثقافة الغرب وثورته العلمية. وبدا ذلك في تنوع مشاربه الثقافية والتعدد اللغوي الذي عاشه واختبره. أتقن الفرنسية والانكليزية، إلى جانب العربية لغته الأم، فكتب وحاضر ونشر وترجم فيها. وبذلك فإن دعوته إلى التفاعل والتواصل بين مختلف الثقافات لم تبقَ أسيرة الحبر والورق؛ بل جاءت تطبيقاً لما كان يعتقد ويعلن.
شخصيته التي عُرفت بتعدد الجوانب صقلتها حصيلة خبراته المتراكمة وخدماته في الحقلين الديبلوماسي (1945 ـ 1990) والجامعي( 1964 ـ 1990). فسجله الإداري والأكاديمي الحافل هو خير شهادة له. فقد تقلد مناصب متعددة في كل من وزارة الخارجية اللبنانية وجامعة الدول العربية ومنظمتي الألكسو واليونسكو.
برز في مجال التعليم التربوي الذي واكب نشاطاته الفكرية والقلمية. فقد عرفته مختلف المعاهد الأهلية (المقاصد) والجامعات العاملة في لبنان أستاذاً محاضراً وعميداً. ودرّس أيضاً في مؤسسات عربية (القاهرة، الكويت، الرياض، البحرين، الإمارات، عُمان) وأخرى غربية (يوتاه، كاليفورنيا، لوس أنجلوس).
آمن بالعمل المؤسساتي سبيلاً لتحقيق أفكاره المستقبلية فأسس “ندوة الدراسات الإنمائية”، وصرف فيها أحلى سني حياته منظماً ومحاضراً وكاتباً. فأشرف على تنظيم 14 مؤتمراً وطنياً (1964 ـ 1990) وثماني ندوات (1969 ـ 1977) واشرف على كل إصداراتها في حياته (42). لكن انصرافه إلى متابعة مسألة الإنماء في ارتباطه الوثيق بالإنسان والعمران ومستقبل البشرية، لم يثنه عن مقاربة مختلف مجالات الكتابة وأشكالها. فاعتمدها وسيلة موضوعية لمعالجة مسائل حيوية أساسية تتصل بتطور مجتمعاتنا وتحرر إنساننا العربي وتعزيز سبل اتصاله بالعالم من حوله. لذا نجده يصول ويجول إن في ميادين علم السياسة مؤلفاً “علم السياسة”، أو في المجال التواصلي الإعلامي “إعجاز التواصل الحضاري الإسلامي”، أو في الشأن السياسي اللبناني “لبنان العقل لا لبنان العنف”.
مؤلفاته الإسلامية تنم عن عمق إيمانه بالدين القويم وبوحدانيته، وسعيه لإظهار الحقائق المشتركة بين الإسلام والمسيحية. ثلاثيته “إسلام الحرية لا إسلام العبودية” و”الإسلام وتحديات العصر” و”الإسلام والإنسان”، تؤكد على أن الإسلام ثورة اجتهادية مستديمة. العرب وثقافتهم ومستقبلهم موضوع شغله. فكتب “العرب يبدعون مستقبلهم”، و”نظرة جديدة إلى الاتحاد العربي” و”الإنسان العربي وتحدي الثورة العلمية والتكنولوجيا” و”تحديث العقل العربي”. وفي السياق نفسه التفت إلى موضوعه المفضل في شموليته العربية فكتب “المقاربة المستقبلية للإنماء العربي”.
حصيلة إيمانه بفعالية الكلمة في اختزان المعرفة وتحفيز القارئ تمثلت في ترجمة خمسة مؤلفات ووضع 17 بالعربية واثنين بالإنكليزية. كما شارك بتأليف خمسة مؤلفات بالإنكليزية وأشرف على إصدار سبعة بالعربية.
وجوه مؤتلفة تضافرت لتظهير الصورة الحقيقية لهذا المفكر الرائد وأستاذ العلوم السياسية المبرز. فقد كان الإنسان والكاتب ورجل الحوار. لم يترك موضوعاً فكرياً يتصل بالهاجسين اللذين تملكاه: الإنماء والإنسان إلا وطرقه. لذا، تعددت المجالات الفكرية التي خاضها بجرأة وجدارة. وقد أجمع مكرّموه في وقائع الاحتفال بتخليد ذكراه (1991) على تعيين المحاور التي كونت مساره العلمي من “فكره السياسي” إلى “فكره الديني” وإلى “فكره الإعلامي” و”فكره التربوي” و”فكره الاجتماعي”و”فكره الإنمائي”…
ويبقى لحسن صعب ريادته في مجال حيوي هو عنوان لرقي المجتمعات وتصنيفها. مجال غفل الكثيرون من أصحاب القرار، في حينها عن إيلائه كبير إهتمام. لكنه لم يكن عصياً على إنسان رؤيوي متفتح الذهن آمن بأن قدره وعمله ارتبطا بنهضة مجتمعه. فنذر نفسه لهذه المهمة وترك لنا ثروة فكرية تعدادها الأرقام والإحصاءات والدراسات والرؤى والمشاريع.
حينما يذكر الدكتور حسن صعب، تتمثل في الذهن على الفور صورة الأكاديمي، صاحب الفكر الخلاق والرؤية الاستشرافية. ارتبط اسمه بالإنماء فبات مرادفاً لشخصه وفكره، لأقواله ولأعماله على حدّ سواء. جهد وعمل وكتب، على مدى نصف قرن ونيف، لاعطاء الإنماء مفهوماً متجدداً ولإرساء منظومة مصطلحاته ومبادئه ووضعه موضع التداول العملي في لبنان والعالم العربي.
أقانيم أربعة اجتمعت في شخصه وحكمت مسيرتيه الحياتية والمهنية: العلم والعمل والإيمان والأخلاق. فصقلها ووظفها في خدمة الصالح العام وفي جلاء مشروع عمره إنماء الإنسان في لبنان.
حسن صعب أدخل مقولة الإنماء إلى الفكر السياسي
“لن نرثي حسن صعب لأننا أحببناه. وذكراه أثمن من أن تكون لنا فرصة لتدبيج الخطب والتزاهي برصف الجمل المنمقة. أراد طوال حياته ان يخطو بلبنان نحو عقلية علمية وتفكير جدي فلن نفجعه مرة أخرى بمبالغات هي من مظاهر التخلف”.
“إن أكثر الناس تحجراً بالنسبة الى تفتح حسن صعب على المستقبل، أصبحوا ينشرون على ضريحه الورود، الكلامية، وكأنهم بغريزة لا واعية، يريدون تغطية عدم تسرب أفكاره الى ضمائرهم، فتنكروا له في الحالين. إن رائدنا الإنمائي عاش حياة غنية غزيرة، أمضاها متنقلاً في مجالات متعددة، بدأها بالدراسة الدينية ثم انتقل منها الى الآداب، فالديبلوماسية، فعلم السياسة فالإعلام فالإنماء فالثقافة.
مارس السياسة كعالم منظر وباحث متخصص ولم يمارسها كممتهن محترف. تعاطى شؤون الإنماء بشتى أنواعه، وأسس “ندوة الدراسات الإنمائية” في العام 1964 ورعاها سحابة ربع قرن وجعل شعاره شعارها “إنماء الإنسان كل إنسان وكل الإنسان” وأعطاها الجزء الأكبر من حياته. والإنماء عنده لم يكن من أجل إدخال الإنماء الى المناطق أكثر مما كان من أجل إدخال مقولة الإنماء الى الفكر السياسي يوم حط رحاله في الإنماء وجعله ركيزة ثقافته الملتزمة، اختط على الحقيقة وجهة مجرته في ما سماه عيد التحضر الفضائي القادر وحده على تحويل الاوتوبيا الى إمكان. عيد أول آثار اقدام على سطح القمر والقول الشهير له: إنها خطوة صغيرة لبشري ولكنها خطوة كبيرة للبشرية، ومقدماته. وغاب عنه ان البشرية لا تنتسب بالتكافؤ والتساوي الى هذا العصر نفسه، ولا الى الاوتوبيا نفسها. أصحاب الرؤى الكبرى مأساتهم انهم يحلقون في سماء بعيدة وصافية ولا يرون أرضهم المغروزة في الوحل”.
“فالمؤلفات الاحصائية والعلمية والاقتراحات حول إنماء المحافظات اللبنانية لم تكن عنده من أجل إدخال الإنماء الى المناطق، أكثر مما كانت من أجل إدخال مقولة الإنماء الى الفكر السياسي حارب الايديولوجيات السياسية والحزبية بتكنوقراطية الإنماء. ولم يلبث ان حول هذا الانتماء الى ايديولوجيا نخبوية. آمن بعمل المؤسسات والمجموعات وانتهى الى مؤسسة الرجل الواحد. كبرياء حسن صعب انه صفع وجه بحيرة شبه راكدة، وهز بعنف أبواباً موصدة بأقفال صدئة، ورفع التحدي ضد التخلف الى مستوى الرسالة والمعركة اليومية”.
وأشار الى أنه تحدثنا عن الجرأة وبعد النظر في الرائد الإنمائي. والرائد الإنمائي يرفض الواقع المؤلم ويسعى لشق دروب جديدة ويكثر من المحاولات وقد لا تفلح كلها أو تعتور تنفيذها عقبات، وذلك لا يسمى جوهر خط الريادة الإنمائي الذي أوله رفض واتجاهه انفتاح من غير أن يكون له آخر. والرائد الإنمائي يصطدم بنوعين من التنكر: النوع الاول هو تنكر الذين تخيفهم وثبة الرائد الإنمائي يقاومونه بالشك ويتحلون بالخبرة، وما هي غالباً إلا ضعف في التخيل.
أولئك المتنكرون يصادفهم الرائد الإنمائي في حياته. أما النوع الثاني فهو تنكر من يصنمونه بعد مماته، فيتمسكون ولو كلامياً بأي تفصيل من مشاريعه وآرائه كما لو كانت منزلة”.
وأكد أن “الرائد الإنمائي في الدرجة الأولى محطم أصنام ومناقش لأفكار متداولة. وكان الرائد الإنمائي يتألم من محتكري المعرفة طوال حياته فلا يجوز باسم الأمانة لذكراه ان نحجم عن مناقشة أفكاره ومشاريعه فالمعرفة الإنسانية محاولات متلاحقة وتصحيحات متوالية: هكذا يتطور العلم وهكذا يتطور الفن وهكذا تبنى المدنيات.
وعمادة كلية الإعلام والتوثيق مارسها نظرياً وعملياً، فقد كان رحمه الله عميداً لكلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية، واستاذاً في أكثر من جامعة ومحاضراً زائراً في معظم الجامعات العربية والعالمية، ونشر المئات من المصنفات والمقالات والأبحاث الصحافية التي أظهرت نكهة حسن صعب الخاصة وأسلوبه في الصيغة بما يمكن تسميته السهل الممتنع.
وقام بتحقيق مشروع قانوني موحد شاركت في وضعه الاحزاب اللبنانية بعد اجتماعات متواصلة استمرت بضعة أشهر في “ندوة الدراسات الإنمائية” وهو ما اعتبر في حينه انجازاً كبيراً لا يستطيع تحقيقه سوى حسن صعب”.
وأوضح “إنجاز لبناني تاريخي لحسن صعب لعله إنجازه الأكبر كما يقول الرئيس سليم الحص وهو إدخال لبنان في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “الكسو” بعد غياب لبناني استمر عشرين عاماً، وكان يوم الثاني والعشرين من تموز/يوليو 1990 ينوي السفر الى تونس للمشاركة في اجتماع المجلس التنفيذي وليزف بشرى قرار مجلس الوزراء بالمصادقة على انضمام لبنان الى “الكسو” عندما فاجأته النوبة القلبية الأخيرة”.
وأضاف: “أولم يكتب في مذكرات اليوم الأخير وكانت الأزمة القلبية قد دهمته: “خلقنا لنحيا، الحياة وحدها تستحق أن نكونها. وأنا أريد أن أكون. أريد أن أحيا. أريد أن أتحرك. أريد أن أخلق. أريد أن أذهب الى تونس لأحارب من أحارب في “الكسو” المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم”. ولأسالم من أسالم. هكذا كان وجودي في هذه المنظمة بعد أن اقحمت لبنان فيها عام 1985 بعد مقاطعة خمسة عشر عاماً. لماذا فعلت ذلك؟ لأن لبنان عربي، بل رائد في منظمة الثقافة العربية”.
“حسن صعب ترك لنا نتاجاً غزيرا، ومكتبة غنية تقدر بعشرات الألوف من الكتب والمحاضرات والمقالات، تشهد لفكره المستنير ولجرأته ولعقلانيته المبدعة. حسن صعب متعدد الموهبة. متنوع الفتحات رأياً ودفق ذات. رجل بذل عمره نفساً نفساً. نزفه قطرات وآهات. إنسان التزم عصره، وطناً وعالماً، قضية قضية، فصح نعته بالشخصية الرمز تخطى العادي من الدلالات وشارف الاستثنائي. انه لواحد من رواد الشمل الجميع، ونماذج الايمان المنيع، وضحايا القلب الوجيع، لا لقلة في الإنجاز بل لطموح يواكب الإعجاز”.
ولفت الى أنه “في ضوء فهمه لجدية الترابط بين الهوية اللبنانية والهوية العربية، أكد أهمية تواصل الإسلام والمسيحية في نشأة لبنان الوطن الفريد، كما قال، الوطن القدوة… المصغر الإبداعي للوحدة من التنوع، في التمدن العربي، والتحضر الإنساني. وكل ذلك ضمن بنائه الفكري الكبير بعنوانه: “الإسلام وتحديات العصر”. وفي ضوئها أيضاً، حض اللبنانيين على “الإجماع على أن الهوية العربية، كما قال، هويتنا الذاتية الاختيارية، وعلى أن الثقافة العربية المنفتحة على باقي الثقافات الإنسانية انفتاحاً إبداعياً هي ثقافتنا الذاتية الاصيلة”. وعلى ضوئها حذر من الخطر الصهيوني على لبنان والمنطقة العربية برمتها وعلى مستقبل العلاقات الإسلامية المسيحية التي ان أصيبت في لبنان بالذات ستنعكس آثار اصابتها في كل أنحاء العالم”. 
مؤسسة حسن صعب للدراسات والأبحاث

CONVERSATION

0 comments: