جوليا غيلارد وحكم التاريخ/ عباس علي مراد


منذ العام 2010 وبتاريخ 23حزيران حيث تولت جوليا غيلارد رئاسة الوزارة بعد انقلاب حزب العمال على زعيمه انذاك ورئيس الوزراء كيفن راد، تعرضت جوليا غيلارد لحملة تشهير غير مسبوقة في التاريخ السياسي الاسترالي، فبالاضافة الى المهمات الملقاة على عاتقها لإدارة البلاد كانت تحارب على ثلاث جبهات رئيسية معارضة وبشراسة منها العلني ومنها الخفي.
 الجبهة الاولى داخل حزب العمال حيث لم يتخلى كيفن راد لحظة واحدة عن طموحه بالعودة الى رئاسة الوزراء وبدأ يعد العدة لذلك، وفي شباط من العام 2012 تحدى راد زعامة غيلارد وفشل وترك منصبه في وزارة الخارجية ولم يتخلى عن التخطيط للعودة، وفي آذار من العام الحالي تحاشى التحدي بعد ان طلب الوزير سايمون كرين من رئيسة الوزراء ان تفتح باب المنافسة على زعامة الحزب حتى تُحلّ مسألة زعامة الحزب مرة والى الابد، لم يتحدى راد لعدم وجود دعم كاف له داخل مجلس الحزب (الكوكس)،خسر كرين منصبه جراء ذلك ،ولكن راد واصل حملته الانتخابية كرئيس ظل للوزراء على ارضية تراجع شعبية حزب العمال في استطلاعات الرأي، الى ان كان التحدي الأخير في 26/06/2013 واستعاد راد زعامة الحزب ورئاسة الوزراء من السيدة التي اتهمها بالانقلاب عليه عام 2010، مع ان ادلة قوية تشير الى ان غيلارد لم تنسق الانقلاب عليه عام  2010وكانت مترددة جداً في تحدي زعامة راد رغم تراجع اداء حكومته والتي كانت تشغل فيها نائبة لرئيس الوزراء ،حتى ان كرهام ريتشردسون العمالي اليميني وخصم غيلارد والذي لا يكن لها اي ود، يقول صراحة ان غيلارد لم تنظم الانقلاب على راد، وجاء كلام ريتشردسون في كتاب  "المطاردة الخفية لجوليا غيلارد" للكاتب كاري آن ولش الذي اطلق الثلاثاء 25/6/2013ونشرت مقتطفات مما جاء فيه جريدة ذي صن هيرالد في عددها الصادر 30/06/2013 على الصفحة 26.
على الجبهة الثانية كانت غيلارد تتصدى للحملة التي كان يقودها زعيم المعارضة طوني ابوت والتي اتسمت بالسلبية اتجاه اي عمل كانت تقوم به غيلارد على ارضية انها عديمة المصداقية ولا يمكن الوثوق بها لأنها طعنت زعيم انتخابه الشعب لتتولى رئاسة الوزراء واخلالها با لوعود الانتخابية وبشكل خاص فرض الضريبة على الكربون، وكلنا نذكر الخطاب التاريخي عن كاره النساء الذي وجهته غيلارد السنة رداً على طوني ابوت.
على الجبهة الثالثة كان الاعلام الذي وصل بتعامله مع رئيسة الوزراء السابقة الى مستوى متدني لم يسبق له مثيل حيث تجرأ الاعلامي المعروف الن جونز بوصفها بالكاذبة او عندما قال ان والدها توفي بسبب العار الذي الحقته به، وغيرها  من المحطات التي تركز على لون شعرها او تسريحتها وقضايا شخصية لا تمت الى عملها السياسي، حتى  أنه مؤخراً تجرأ احد الأعلاميين (هاورد ساتلر) وبكل صفاقة واثناء مقابلته غيلارد بسؤالها عن الميول الجنسية لصديقها تيم ماثيوسن واذا ما كان مثلي ،هذه عينة من معاناة غيلارد مع الاعلام ،بالاضافة الى ان غيلارد اصبحت مادة تندر لرسامي الكاريكاتور والذين كانوا يظهرونها بأشكال غير لائقة.
عند توليها منصب رئاسة الوزراء ورثت جوليا غيلارد تركة سياسية ثقيلة، ولكن ذلك لم يقلل من عزيمتها واستطاعت بعد ان شكلت حكومة الاقلية مع الخضر والنواب المستقلين ان تقود السفينة وسط الامواج السياسية والاقتصادية والمالية العاتية التي ضربت البلاد بعد الأزمة المالية العالمية في العامين 2008-2009 .
 نعم لم تكن كل سياستها نجاح، ولكن الشيء بالشيء يذكر ان غيلارد كانت تملك رؤية مستقبلية لا توجد لدى معظم السياسيين البارزين سواء كانوا في حزب الأحرار او العمال ومن انجازات غيلارد نذكر الضريبة على الكربون رغم الاشكالية والصخب الذي رافق اقرار القانون وتداعياته السياسية، العناية بالمعاقين والذي بدء العمل به جزئياً، اتفاقية المياه المتعلقة بحوض نهر موري، تطوير النظام التعليمي المعروف بكونسكي والذي اصبح قانوناً، دورها في الحصول على مقعد غير دائم لاستراليا في مجلس الأمن واقامته اللجنة الخاصة بالتحقيق بالاعتداءات الجنسية على الاطفال تحت السن القانوني والبدء في تنفيذ شبكة الانترنت السريع المعروف ان بي ان والتعديل الذي ادخل على نظام الادخار التقاعدي (السوبر) بالاضافة الى بعض القوانين التي اقرت صباح اليوم الذي تم فيه الاطاحة بغيلارد ومنها قانون حماية الانتاج المحلي من التجار الذين يغرقون الاسواق بالسلع الرخيصة، التشديد في ملاحقة المتهربين من دفع الضرائب، تعديل قوانين تأشيرات العمل المعروفة 457 وقانون حماية مسربي اخبار الفساد في المؤسسات.
لا شك ان ما دفع حزب العمال للإطاحة بغيلارد، ارقام استطلاعات الرأي والتي اعادت الحزب الى موقع متقدم في المنافسة السياسية وليس الحد من الخسارة التي كانت متوقعة فقط ، لا بل انه اصبح امل لدى الحزب بالفوز وهذا ما اصبح يشكل ارباكاً  للمعارضة التي كانت تضمن فوزاً مضموناً وبأكثرية ساحقة،هذا لا يعني ان سياسة غيلارد كانت فاشلة رغم اخفاقها في ايصال الرسالة للناخبين للأسباب التي ذكرتها في اول المقال وضربت نوعا من الحصار حول غيلارد،وهذا ما ستثبته الايام القادمة حيث ان حزب العمال قد يعدل بعض سياسته خاصة في ما يتعلق بطالبي اللجوء والضريبة على الكربون  ويحتفظ بكل المشاريع الاخرى وسيكون التعديل لاسباب انتخابية بحته.!
بالعودة الى حدث الاسبوع الماضي فقد عرت قيادي كلا الحزبين الذين تتحكم بهما استطلاعات الرأي  واللذين يفتقران الى المشاريع المستقبلية التي تحمي اقتصاد البلاد وتعمل على استمرار الثقة العالمية به وهذا ما حاولت غيلارد جاهدة القيام به في ظروف برلمانية صعبة خصوصاً ان حكومة الاقلية التي ترأستها تعرضت لهزات بسبب الفضائح التي رافقت بعض النواب (غريغ طومسون وبيتر سليبر) بالاضافة الى مواقف النائب المستقل اندرو ويلكي المتقلبة ولكن على الرغم من كل ذلك اكمل البرلمان 43 المعلق دورته الكاملة، والتي لم يكن احد يتوقعها واعتقد ان الفضل في ذلك يعود لجوليا غيلارد.
 في المستقبل عندما يكتب التاريخ وتُعرف الحقائق لا شك انه سينصف جوليا غيلارد ويعيد لها حقها ،خصوصاً ان ما قالته في خطابها الاخير بعد الاطاحة بها والذي اظهر خامتها القيادية بأنها صاحبة مبدأ سياسي والذي اكده طلبها من زملائها عدم الاستقالة من اجل مصلحة الحزب،والبلاد ،وقد لخص ذلك النائب المستقل روب اوكشوط في كلمته الاخيرة في البرلمان وهذا اول الغيث، عندما قال لها: ان والدك في عليائه فخوراً بك والذي حرّك الدمعة في عينيها، الدمعة التي انتظرها الكثيرون اثناء خطابها لكنها جعلتهم يخطئون الظن وكأنها كانت تردد في سرها المثل الانكليزي الشهير :"في السياسة اذا اردت ان تختار صديقاً وفياً فاختر كلباً".
سدني استراليا
E-mail:abbasmorad@hotmail.com

CONVERSATION

0 comments: