حوار رمزي هرمز ياكو مع الأديب والفنَّان التَّشكيلي صبري يوسف

تمَّ إجراء هذا الحوار بعد الأمسية الأدبية التي قدَّمها الأديب الضَّيف في بغديدا، تحدَّث فيها عن تجربته الشِّعرية والقصصية والفنّية وقرأ بعض نتاجاته
أحببنا أن نلتقي مع الأديب والفنَّان التشكيلي السُّوري صبري يوسف، ونجري معه هذا الحوار خلال زيارته لبغديدا، وإحياء أمسية أدبية فنّية، وقد رحَّب الشَّاعر نمرود قاشا بالشاعر الضيف وبالحضور ، وقدَّم نبذة مختصرة عنه، ثمَّ تحدَّثَ الأديب الفنَّان عن تجربته القصصية والشعرية والفنّية، وقرأ مقتطفات من تجربته الشعرية والقصصية، وقدَّم نموذجاً حول تجربته الفنّية والشعرية، حيث أصدر في الآونة الأخيرة ديواناً شعرياً فنّياً بعنوان: مئة لوحة تشكيلية ومئة قصيدة شعريَّة، قرأ مقتطفات من هذه القصائد وعرض لوحات منها وشرح كيفية استلهام النصّ الشِّعري من اللوحة، وكيفية استلهام اللَّوحة من النصّ الشِّعري وهو يرى أن: "الرَّسم والشِّعر وجهان لعشقٍ واحد هو الإبداع". 
صبري يوسف، أديب وشاعر وفنَّان تشكيلي سوري مقيم في السُّويد منذ أكثر من عقدين من الزَّمن، مواليد المالكية/ ديريك، سوريا، أصدر سبع مجاميع شعرية ومجموعة قصصية وأصدر عبر الصحافة والشبكة العنكبوتية عشرة مجاميع شعرية ضمن نصّ شعري مفتوح بعنوان أنشودة الحياة، يتضمَّن عناوين فرعية عديدة ومجموعتين قصصيتين والكثير من النصوص الأدبية والمقالات وبعض الحوارات والدراسات التحليلية والنقدية وقدَّم عدّة معارض فردية وجماعية في ستوكهولم وتمَّ استضافته من قبل الدَّكتور سعدي المالح المدير العام للثقافة والفنون السريانية في الإقليم للمشاركة في حفل تأبين أدبي للشاعر الرَّاحل الأب يوسف سعيد، وقد لبّى الدعوة مشكوراً، وشارك في قصيدة شعرية ودراسة تحليلية نقدية حول دواوين الأب يوسف سعيد بعنوان: "رحلة فسيحة في رحاب بناء القصيدة عند الأب يوسف سعيد". وقد تمّ إعداد هذه الأمسية الأدبية للشاعر صبري يوسف في بغديدا من قبل القاصّ هيثم بردى، بالتنسيق مع الدكتور سعدي المالح والشَّاعر وعدالله إيليا مدير الثقافة والفنون في بغديدا.
فيما يلي أسئلة الحوار وإجابات الأديب الضَّيف صبري يوسف.
ـ ما هو سبب زيارتكم إلى الإقليم؟
إن سبب زيارتي إلى الإقليم هو للإشتراك في أربعينية الأب الشاعر يوسف سعيد، حيث أقامت
المديرية العامَّة للثقافة والفنون السريانية حفل تأبين أدبي كبير، استضافت خيرة النقاد والباحثين وبعض الشعراء والكتاب للمشاركة في هذه الاحتفالية، احتفاءً بهذه القامة الشعرية الراقية، وأودّ هنا أن أشكر الدكتور سعدي المالح وكل من اشتغل معه في المديرية العامة والذين غطَّوا فعاليات هذا الحفل من اعلاميين ومراسلين وصحفيين، وأشكر كل الشعراء والنقاد والباحثين والمطارين الأجلاء والقساوسة المحترمين الذين ساهموا في إنجاح هذا الحفل التأبيني الكبير، وقد تفرّغ الدكتور المالح لمدة ثلاثة أيام كي نزور المناطق الأثرية والأديرة المقدسة الواقعة في الطبيعة والجبال الخلابة، وكانت زياراتنا لهذه الأماكن من أجمل ماشاهدته خلال رحلتي، كما أشكر وزارة الثقافة والشباب في الإقليم على التعاون الكبير مع المديرية العامة وتفعيل الثقافة عبر كافّة الأطياف واللغات في الإقليم، حيث وجدتُ تعاوناً مثمراً وفعَّالاً من قبل الدكتور كاوه محمود وزير الثقافة والشباب شخصياً، وتبيّن لي هذا وبشكل فعلي ومباشر من خلال حوار تلفزيوني طويل أجريته معه شخصياً في مكتبه، وقد تمَّ هذا الحوار بالتنسيق مع الدكتور سعدي المالح، الذي كان له الدور الكبير لتحقيق هذا اللقاء.
وقد اقترح الدكتور سعدي المالح قبل مجيئي، إقامة أمسية شعرية قصصية وأمسية فنية لي في منطقة بغديدا، ومنطقة أخرى، إلا أنه إرتأى الاكتفاء بالمشاركة في الحفل التأبيني وأمسية أدبية واحدة تشمل تجربتي الشعرية والقصصية والفنِّية كي يتفرّغ بضعة أيام لزيارة المناطق الأثرية والأديرة المقدسة، حيث زرنا دير مار متّي، ومار هرمز ومار يعقو ومناطق ومدن عديدة أخرى.  ولا يفوتني هنا أن أشكر مدير الثقافة والفنون السريانية في بغديدا الشاعر وعدالله إيليا وكافة أعضاء الهيئة الإدارية وكافة الذين ساهموا في إنجاح الأمسية الأدبية البديعة التي أعدوها لي، وأخصُّهم بالذكر القاص الرائع هيثم بردى والشاعر القاص زهير بردى، ومصوِّر المركز الباهر ... ، كما أشكر كل الذين حضروا هذه الأمسية من مسؤولي المدينة وجمهور غفير وأدباء وكتَّاب وفنّاني بغديدا وبرطلة وكرمليس، وكل الشكر لفضائية عشتار وفضائية سما الموصل على تغطيتهما اعلامياً لوقائع الأمسية الأدبية.
أودُّ أن تتحدَّث بشكل موجز عن بدايات تجربتك الأدبية والفنّية، وكيفية دخولكَ إلى مضمار الأدب؟
بدأت اهتماماتي بالكتابة منذ أن كنتُ طالباً في المرحلة الثانوية، بدأت بكتابة الشعر والقصة القصيرة، كنتُ أشارك في الأماسي الشعرية والقصصية، وكتبتُ في الوطن الأم أكثر من عشرة سنوات، لكني لم أحتفظ بكتابات هذه المرحلة، إحتفظت بقصّتين قصيرتين فقط وأحرقت ما تبقَّى من الكتابات، لأنني اعتبرتها بمثابة التدريب على الكتابة، أو بتعبير أدق لم أجدها ناضجة ولا جديرة بالنشر، لكني استوحيت الكثير من الأفكار من عوالم تلك القصائد والقصص التي أحرقتها، وصغتها بشكل جديد، واهتمَّيت بالكتابة وبنصِّي بشكل أكثر حرفيّة في مرحلة الاغتراب، حيث قضيتُ أكثر من عقدين من الزمن في السويد ـ ستوكهولم، وأغلب كتابات مرحلة الاغتراب كتبتها من وحي تواصلي مع الذَّاكرة البعيدة، مع عوالم الطفولة والشباب، ومحطَّات عمري وذكرياتي في الوطن الأم سورية، وتحديداً المالكية/ ديريك مسقط رأسي، حيث استمدِّيت وأنا في ستوكهولم، الكثير من النصوص من عوالم
طفولتي وذكرياتي في ديريك والوطن الأم بشكل عام.
ـ ماذا منحتكَ الغربة على صعيد الكتابة والأدب والفن؟
منحتني الغربة الشيء الكثير، منها الصفاء الذهني، الحرّية، المطالعة المستمرّة، منحتني تدفقات غزيرة من الحنين والشوق إلى مسقط الرأس، وفجَّرت بي هذه الحالات الشوقية الحنينية طاقات إبداعية كثيفة، فجسدّتُ هذه الحالات الحميمية على ناصية الورق، فكانت الكتابة ملاذي الآمن، وهي التي حمتني من غلياني وشوقي الدائم، وهي التي خلقت عندي نوعاً من التوازن من خلال النصّ الذي أكتبه، فكانت الغربة المعادل الإيجابي لهذا الانشطار الحنيني الذي كان وما يزال ينتابني، ولولا الكتابة لكنت في حالة لا أُحسَدُ عليها، لأنني لم أجد بديلاً منافساً لحالتي الغليانية سوى الكتابة، فمن خلال الكتابة استطعت ان أحقِّقَ توازناً عميقاً، لأنني كنتُ أشعرُ بفرحٍ كبير أثناء تفريغ شحناتي العاطفية تجاه وطني ومسقط رأسي، وشوقي للأصدقاء والأهل وأزقَّتي الطينيّة التي ترعرعتُ فيها، وسهول القمح التي احتضنتني وأنا طفل، وهكذا الكتابة أصبحت بمثابة صديقتي الأبدية وعاشقة من نكهة النَّارنج!

ـ تكتب الشعر، القصّة، فضلاً عن عبورك في عوالم الفن التشكيلي مؤخراً، هل تشكِّل الكتابة والإبداع في أكثر من جنس أدبي وفنِّي وإبداعي، عامل تشتُّت أم عامل قوّة وتكامل؟! كيف تجد توازناً بين هذه الأجناس الأدبية؟!
لا ، لا تشكِّل إطلاقاً عامل تشتُّت، بل تعتبر عامل قوَّة وتوازن، وتمنحني المزيد من الفضاءات الإبداعية، لأن هذا التنوّع في الأجناس الأدبية والفنّية إبداعياً، يخلق عندي مجالات رحبة للتعبير عن هواجسي وتطلُّعاتي بطرق متعدِّدة، فالشعر له عوالمه وفضاءاته وكذلك القصة، بينما في الرَّسم أجدني في حالة انتشائية منعشة، لأن اللون يمنحني طاقات خلاقة للولوج عميقاً وترجمة أحاسيسي وتأمُّلاتي وعندما أرسم أشعر وكأنني أكتب قصائد شعرية أو نصَّاً أدبيَّاً باذخاً، لأنني فعلاً أرى وكأنَّ الرَّسم هو الجزء المتمِّم للقصيدة أو القصيدة هي الجزء المتمِّم للرسم، وهكذا يتعانق اللَّون مع الحرف وتولد نصوصاً ولوحات من رحم تماهي اللَّون مع الحرف وتماهي الحرف مع اللَّون، وبالنتيجة فإن أية حالة إبداعية تتداخل بصيغة أو بأخرى بحالة إبداعية أخرى وهذا يعمِّق الرُّؤية الإبداعية من جهة ويفتح مسارات وفضاءات جديدة في تدفُّقات خيال المبدع.
ـ ما هي انطباعاتكم لإهتمام جمهور بغديدا أدبياً وفنياً؟
فاجأني جمهور بغديدا بحضوره الكبير من جهة، لنوعيته المثقَّفة والمهتم بالأدب والفن والثقافة بشكل عام، كما لفت انتباهي حضوره الفاعل وحبّه وشغفه بالأماسي الأدبية، ووجود كتاب وشعراء وفنَّانين في بغديدا، والجميل في الأمر أن مدير الثقافة والفنون السريانية في بغديدا الأستاذ وعدالله إيليا هو شاعر، والكثير من أعضاء مركز المديرية لهم اهتمامات شعرية وفنية وبعضهم شعراء وكتاب، كل هذا يؤكِّد على الحضور الفعَّال والهام لجمهور بغديدا، وقد أكَّد لي مدير المركز أن جمهور بغديدا يحضر ويهتم بشكل جيّد لهكذا نشاطات أدبيّة وفنّية، وهذا يبشِّر بالخير، لأن الثقافة هي عماد وواجهة أي مجتمع، وكلَّما اهتم مجتمع ما في الجوانب الثقافية والعلمية والفنية، كان المجتمع متقدِّماً وسائراً نحو الهدف المنشود. مع التأكيد على ضرورة إهتمام وزارة الثقافة وما يتفرَّع عنها من مديريات ثقافية في القضايا والنشاطات الأدبية والفنية والإبداعية وهذا ما لمسته بشكل جدي وفعَّال في الإقليم.
ـ هل أضافت زيارتكم ومشاركتم في حفل التأبين الأدبي وإحياء هذا الأمسية الأدبية والفنّية إلى تجربتكم الأدبية والفنِّية شيئاً جديداً؟
نعم أضافت لي تجربة جديدة، وفتحت أمامي آفاقاً جديدة على فضاء ثقافي وحضاري جديد، وكنت أعرف الكثير من الكتَّاب والنقَّاد والروائيين والباحثين عبر الصحافة والشبكة العنكبوتية، لكن بعد زيارتي الأخيرة تعرّفت عليهم شخصيّاً، وأصبحنا أصدقاء، وتبادلنا الكثير من وجهات النّظر، كما رفدوني بالكثير من الدواوين الشعرية والقصصية والكتب النقدية والروايات، والكثير من الكتابات عن تاريخ وحضارات العراق القديم، كما أنني تبادلت مع الكثيرين العناوين والهواتف لنتواصل مع بعضنا بعضاً ونتابع كتابات بعضنا عبر الشبكة، وهذه الأمسية كانت رائعة بحضورها وبمقدِّم الأمسية الأستاذ الشاعر نمرود قاشا وبمعدِّي الأمسية، وأعجبني إقامتها في الهواء الطلق، والمسرح، وأشكر إدارة الثقافة والفنون في بغديدا على منحي درع الثقافة وعلى الحفاوة البديعة التي غمروني بها وكل هذا يضعني أمام عطاء جديد، ويضعني أمام مسؤولية تقديم المزيد من الإبداع في مجال الأدب والفن والفكر الإنساني، وأنا أصلاً من المهتمِّين بقضايا السَّلام والحب والوئام بين البشر، ومن دعاة الحوار والتواصل مع الآخر، فكيف لو كان هذا الآخر أحد أهم معالم تاريخنا الحضاري والتي قدّمها أجدادنا إلى المجتمع البشري منذ آلاف السنين، لأننا نحن مَن بنى وأشادَ أولى الحضارات على وجه الدُّنيا!
بقي أن أقول، كل الشُّكر والتحية لكل مَنْ ساهم في إحياء هذه الأمسية الأدبية وحفل التأبين الأدبي، وكلّ الذين غمروني بحفاوتهم الطيبة وأخصُّهم بالذكر الرِّوائي والقاص الدكتور سعدي المالح، المدير العام للثقافة والفنون السريانية، والذي رأيت فيه وفي كل مَن يتعاون معه، كل معالم الثقافة والإحترام والوداد وكلّ ما يمكن أن نقول عنه حضاري وأدبي وفنِّي فله ولكم جميعاً أقدِّم خالص مودّتي وامتناني.
أجرى الحوار رمزي هرمز ياكو ـ بغديدا
ramzy_yako@yahoo.com
 

CONVERSATION

0 comments: