عون: لو لم تكُن المعارضة السّوريّة متورّطة مع الخارج لكانت انتهزت الفرصة للحوار

مقدّمة

السّلام عليكم ورحمة الله.

بعد اكثر من أربعة عشر شهراً من عمر الأزمة في سوريا، يجدر السّؤال، من أخذ موقفاً ما؟ وبعد هذه المدّة، هل يمكن السّؤال عن أنّ الأحداث الدّوليّة والإقليميّة قد أكّدت موقفه وعزّزته؟ ماذا يجري في شمال لبنان؟ لماذا هناك من يحاول أن ينفي وجود الإرهاب أو وجود تنظيم القاعدة؟ ما يجري في لبنان هو لخدمة من ولصالح من؟ هل يمكن أن تتحمّل سوريا مسؤوليّة كلّ ما يتعلّق بلبنان؟ وهل يمكن أن تتحمّل سوريا مسؤوليّة تفجير الوضع في شمال لبنان؟ ألا تكفي السّوريّين مشاكلهم الدّاخليّة لتمنعهم من القيام بأيّ دور بأيّ شيء آخر خارج حدودهم؟ ماذا يريد الخليجيّون، وماذا يريد الأميركيّون، وماذا يريد الغرب عموماً من لبنان ومن المنطقة؟ مجموعة من المواضيع أطرحها من الرّابية، دارة العماد ميشال عون.

أهلاً بك دولة الرئيس.

العماد عون: أهلاً بك.

المحاور: وأهلاً بكم أعزّائنا المشاهدين في هذا الحوار مع دولة الرئيس العماد ميشال عون من منطقة الرابية في جبل لبنان.

س: كان السّؤال الأوّل عمّا يجري في شمال لبنان، ولكن بعد أن انتقلت المشاكل الى باقي المناطق، نسألك ما الذي يجري في كلّ لبنان؟

ج: إنّ ما يجري في لبنان هو ما حُضّر له في عكّار. وبالطّبع، مسؤوليّة الحكومة اللّبنانيّة تشمل منطقة عكّار، وإذا قلنا إنّها حصلت بسبب الأزمة السّوريّة، تبقى المسؤوليّة على الحكومة اللّبنانيّة على كامل الأراضي اللّبنانيّة. أمن سوريا من لبنان هو مسؤوليّة لبنانيّة، كما أنّ أمن لبنان من سوريا هو مسؤوليّة سوريّة. إذاً، كلّ ما يجري على أرضنا هو من مسؤوليّتنا، وهنا أنا أعتقد أنّنا نعاني من تقصيرٍ سبق ونبّهت منه عدّة مرّات. الأمر يتفاقم من وقتٍ لآخر، فيتراوح بين الخلل في الأمن والخلل بتهريب السّلاح وغيره..، ما أوصلنا إلى الحالة التي نعيشها الآن.

س: الحكومة اللّبنانيّة قالت إنّها تنأى بنفسها، ولكن نلاحظ أنّ موضوع النأي بالنّفس كان فقط من جانب الحكومة، أي على صعيد رسمي فقط، لأنّه على صعيد الزّعامات السّياسيّة وعلى الصّعيد الشّعبي، لم ينأَ أحدٌ بنفسه عن الشّأن في سوريا، وبالتّالي كان ذلك ينعكس بشكلٍ كبير على مجريات الأمور والتّصريحات، وحتّى على الإختلاف الدّاخلي اللّبناني.

ج: هذا الأمر كان أحد الإنتقادات التي وجّهتها للحكومة، فقد قلت مراراً انّه لا يكفي أن تنأى الحكومة بنفسها عمّا يحدث في سوريا، إذ عليها أن تضبط شعبها لعدم التدخّل بما يجري في سوريا، لأنّ المواضيع التي اوصلتنا إلى هي أكثر من مجرّد موقفٍ سياسيّ مؤيّدٍ أو معارضٍ للنّظام السّوري، فما حدث هو أنّه كان هناك مساهمة فعليّة بما يحدث في سوريا من خلال تهريب أسلحة وإيواء أناسٍ مطلوبين وغيرها من الأمور.

س: بالحديث عن المناطق اللّبنانيّة وتحديداً منطقة الشّمال، فقد أُشير إلى موضوع تهريب السّلاح من قبل مندوب سوريا في الأمم المتّحدة بشّار الجعفري بالوثائق والأدلّة، عندما قال إنّه بتاريخ كذا، قامت قوّات الأمن اللّبنانيّة باعتقال فلان وفلان وفلان. إذاً الحديث موثّق، وهنا نتساءل لمَ الهجوم على الموقف السّوري، وتحميلع أنّه محاولة لتصدير الأزمة إلى لبنان؟

ج: هذا يعتبر جزءاً من الحرب على سوريا. البارحة، حصل إطلاق نار على حاجز للجيش اللّبناني، وقبل إجراء أيّ تحقيق في الموضوع، أصبح الجيش برمّته متّهماً بما فيه قائده. هذا إعلام حربي يجيد الكذب والتّضليل وذلك لتسيير النّاس وتوجيههم ضدّ من يعتبرونه خصمهم.

س: أين مشكلة رئيس الحكومة في ما قاله الجعفري برسالته في الأمم المتّحدة عندما تحدّث عن أدلّة وأشياء قام بها الجيش اللّبناني وقوى الأمن اللّبنانيّة؟ هل اعتبر أنّها إهانة للدّولة اللّبنانيّة كونه تحدّث وأرسل رسالة من هذا النّوع للأمم المتّحدة؟

ج: لا يجب أن يُنظر إلى هذا الموضوع من هذا المنظار إطلاقاً. من الممكن أن يتمّ إختراق أيّ حدود، ولكن هذا الإختراق يكون معقولاً، ولكن عندما يكون الإختراق واسعاً وسهلاً، يستطيع أن يقول رئيس الحكومة إنّه لا يمكن ضبط أيّ حدود، فلا ينفي ولا يتوسّع بالموضوع. هذا الأمر طبيعيّ، فعندما كان يحصل تسلّل إلى العراق، كان الحكم في سوريا يقول إنّه لا يستطيع أن يضبط الحدود بشكلٍ كامل، وكان هناك افتراء من الولايات المتّحدة عندما كانت تدّعي بأنّ الحدود السّوريّة فالتة نهائيّاً. من الممكن أن يحصل تسلّل هنا على حدودنا نظراً لطبيعة الأرض الجبليّة والتي تحتوي على الكثير من المخابئ، ولكن لا يمكن القول إنّ الحدود فالتة نهائيّاً.

س: بموضوع العراق، كان الأميركيّون يحمّلون سوريا مسؤوليّة ما يسمّونه دخول مسلّحين ومقاتلين وأسلحة، وكانوا يطالبون سوريا بالإلتزام بضبط الحدود، وكانت سوريا تقول إنّه لا يمكن ضبط الحدود إلاّ من الجانبين. الوضع مختلف بالنّسبة للبنان، فسوريا لم تقل هذا الكلام في رسالتها إلى الأمم المتّحدة ولم يكن الهدف تحميل لبنان المسؤوليّة، ولكن قالت ذلك للفت نظر الأمم المتّحدة لما يجري على الحدود، لذلك لم يكن هناك من داعٍ للإستياء الرسمي اللّبناني بهذا الشّكل.

ج: أعتقد أنّ ذلك جاء بسبب سوء الفهم للتّعابير التي وردت على لسان مندوب سوريا في الأمم المتّحدة. لا أعتقد أنّ هناك نيّة سيّئة عند رئيس حكومتنا.

س: بالإنتقال إلى الهجوم على الجيش. كلّ القوى في لبنان تقول إنّها مع الجيش اللّبناني وإنّ الجيش اللّبناني هو الضّامن لإستقرار لبنان، ولكن ما نلاحظه أنّه في الصّفوف الأدنى وليس على صعيد القيادات، كان هناك هجوم على الجيش. ما رأيك؟

ج: هناك من يعبّر بصدق وصراحة، وهناك من يعتمد هذه الطّريقة ويطلق لسان الآخرين بحقّ الجيش اللّبناني. رأينا هذه افزدواجيّة ولمسناها في العديد من الظّروف، فإخفاء النّوايا بات شيئاً عاديّاً في لبنان، ولذلك نُفاجأ أحياناً بمواقف لم تكن في الحسبان، إذ ينتقل مطلقها من ضفّة لأخرى في فترة قصيرة جدّاً، وقد لمسنا انّ بعض السّياسيّين في لبنان ينقلون البندقيّة من كتفٍ لآخر وفقاً للظّروف وترجيحات الرّبح والخسارة.

س: هل هناك إستهداف للجيش من تحت الطّاولة مع العلم أنّ تصريحات الجميع تعتبر أنّ الجيش هو الضّامن للإستقرار؟

ج: لا شكّ أنّ الجيش مستهدف، فمنذ بداية الأحداث في سوريا، كان الجيش محطّ انتقاد بسبب مواقفه في المناطق التي يتولّى فيها الأمن. لذلك هناك من يطالب بانسحاب الجيش، وهناك من يطالب بالتحاق العسكر به وبتأسيس "جيش لبنان الحرّ"، على طريقة ما حصل في سوريا. لا أعتقد أنّ هذه الدّعوة ستفجّر الجيش اللّبناني، لأنّ الوضع العابر حاليّاً في لبنان لا يمكن أن يستمرّ حتّى ولو كان هناك مجموعات تكفيريّة تمرّ على الأرض اللّبنانيّة وهي آتية من كلّ حدبٍ وصوب. من الممكن ان يكون هناك عدّة هويّات موجودة على الأرض اللّبنانيّة.

وبالرّغم من ذلك، هذا الإستهداف هو استهداف على الصّعيد الوطني فيقولون إنّ الجيش لا يقوم بواجباته الوطنيّة، والإستهداف الثّاني هو استهداف مذهبيّ إذ أنّ الجيش اللّبناني هو جيش وطنيّ يتألّف من جميع مكوّنات الشّعب اللّبناني. التّكفيريّون يعملون على أساس المذهبيّة، وهم يعتمدون دائماً هذا الأسلوب لتفريق المواطنين، ولضرب التّضامن الإجتماعي بين مكوّنات المجتمع، وأعتقد أنّ التّجارب التي مرّت بها الدّول العربيّة وتمرّ بها سوريا حاليّا، علّمت الجميع أنّهم لا يستطيعون الذّهاب بعيداً في هذا المضمار.

س: الهجوم على الجيش، والحديث عن جيش حرّ في لبنان، وهي تسمية ليست مأخوذة من سوريا، لأنّ التسمية التي طُرحت في سوريا هي مأخوذة من جيش لبنان الجنوبي الحرّ. لماذا هذا الحديث بهذا المنطق؟ هل هو لإجبار الدّولة للقيام بعملٍ ما؟

ج: يريدون السّير بلبنان نحو نوعٍ من الحرب التّخريبيّة، وهذا يقتضي تهديم كلّ ما هو قائم ويشكّل ركناً من أركان الدّولة، وكلّنا نعلم أنّ القوّات المسلّحة هي الرّكن الأساسي للمحافظة على الوطن وعلى الوضع الإجتماعي، وصيانة المجتمع... لذلك، كلّ ما يهدّم الجيش، يخدم مصلحة المجاهدين في سبيل ضرب الإستقرار الوطني وتفكيك المجتمع.

س: لمَ يستهدفون الجيش، ومن له مصلحة في لبنان في ألاّ يكون الجيش اللّبناني قويّاً وقادراً على حماية البلد بشكلٍ كامل؟

ج: إنّ ذلك مرتبط بتغيير النّظام في لبنان. المآخذ على الجيش هي في وجوده، فهم يعتقدون أنّه لا يجب أن يكون هناك جيشٌ في لبنان لأنّ لديهم جيشهم الخاصّ، وهذا الجيش نستطيع أن نراه ونستطيع أن نحدّد هويّته بأشكالٍ وهويّات مختلفة، وبشعارات جدّ مؤذية لتكويننا الإجتماعي ومظاهر حياتنا وأسلوبنا في الحياة وفي الوطن. يريدون ان يضربوا الإستقرار في الوطن، ويرفضون كلّ مؤسّساته، إذ أنّهم يرفضون العدالة ويرفضون الجيش ويرفضون كلّ الأنظمة، ولكن يقبلونها بقدر ما يستفيدون منها.

س: إذاً الموضوع مطروح حتّى على مستوى الشّعارات.

ج: بالتّأكيد.

س: سمير جعجع يقول "يجب ألاّ نتعوّد على الأمن الذّاتي، فخلاصنا هو في دولة قويّة قادرة على الإمساك بالأمن وأن تضرب بيد من حديد". هل هو يسعى فعلاً إلى أن يكون الجيش قادراً على أن يضرب بيد من حديد؟

ج: جميع السّياسيّين في لبنان يقولون هذا الكلام، ولكن هل يخصّصون الموازنات التي تسمح للجيش بالتدرّب ولكي يتمّ تجهيزه بالمعدّات القتاليّة؟ لا أحد يخصّص موازنات للجيش لتكفيه حتّى للإعتناء فقط بما يمتلك. نخجل أن نقول كم كانت موازنة الجيش في السّنوات التي مضت. إذاً هذا كلام حقّ يُراد به باطل. صراعنا اليوم معهم هو بسبب رغبتهم وقتالهم ونضالهم لإلغاء المقاومة والإكتفاء بالجيش. جميعنا نعلم أنّ الجيش، بتجهيزاته الحالية، غير قادر على القيام بواجب الدّفاع والأمن معاً على الأراضي اللّبنانيّة.

س: أنتم في خطّ سياسيّ داعم للنّظام في سوريا، ولكن بعد أربعة عشر شهراً، هل تؤكّد الأحداث والمتغيّرات صوابيّة وجهة نظركم والمواقف التي اتّخذتموها؟

ج: طبعاً. نحن نعلم أنّ الأحداث قد تتّخذ وقتاً طويلاً، ولكنّها ستنتهي بانتصار النّظام الحالي، مع التّأكيد على احترام رغبة السّوريّين بإجراء تغيّرات ديمقراطيّة في النّظام، وهذا ما حدث. ولكن هناك إصرار خارجيّ، ورغبة، وجهود تُبذل من قبل الدّول التي ساعدت المعارضة السّوريّة على التّمرّد على النّظام، لتغيير النّظام، وهذا ما استدعى وقوف روسيا والصّين إلى جانب سوريا في هذا الصّراع السّياسيّ الكبير، ولكن هذا لا يمنع أنّ المواقف السياسيّة الغربيّة بصورة خاصّة، تتنكّر للواقع الموجود ضمن الأراضي السّوريّة، وتتجاهل الأعمال الإرهابيّة، فهي تأسف لهذه الأعمال ولكنّها تتجاهل فاعليها، كما أنّها تتجاهل مصدّري السّلاح إلى سوريا وتمويل هذه الحرب، كما لو أنّها قضيّة عادلة. والأطراف العربيّة أيضاً، تتنكّر لميثاق جامعة الدّول العربيّة، فالمادّة 8 من الميثاق تنصّ على عدم التّدخل بين الدّول العربيّة في ما يتعلّق بشؤونها الدّاخليّة، كما لا يحقّ لها محاولة تغيير النّظام أو غيره.

وميثاق الأمم المتّحدة أيضاً يمنع التّدخّل. كانت سوريا تعيش في حالة من الهدوء، يوم بدؤوا بتجييش هذه الحركة التي أصبحت دمويّة في مراحلها الثّانية، أي عندما ظهرت الجبهات العسكريّة، والتي باتت اليوم أكثر ترهيباً للشّعب السّوري، لأنّها متجوّلة وتقوم على قنابل موقوتة يحملها إنتحاريّون وتُفجّر بالآمنين. وكلّ هذه الممارسات، وخلافاً لكلّ ما يتكلّمون عنه في الغرب من حقوق إنسان ومحاربة الإرهاب، تحصل تحت رعايتهم في سوريا.

س: حصل جدلٌ كبير في لبنان حول موضوع الإرهاب وتنظيم القاعدة. لمَ بعض الأطراف تحاول أن تنفي وجود أيّ نوع من الإرهاب أو الفكر الإرهابي في لبنان؟ لمَ الدّفاع ولماذا حماية الإرهابيّين وفكرهم على مستوى سياسيّين كبار في لبنان، إذ يجاهدون لنفي هذه الصّفات، قائلين إنّه ما من إرهاب في لبنان وإنّ كلّ كلام في هذا الموضوع هو للدّعاية؟

ج: هذا جهل أو تجاهل؛ في حالة الجهل هناك مصيبة، وفي حالة التّجاهل تكون المصيبة أكبر، لأنّ التّجاهل يجعل من المتجاهل طرفاً مع المعارضة السّوريّة. يقولون إنّه لا يوجد تنظيم للقاعدة، وأنا أقول إنّه ما من تنظيمٍ للقاعدة في مكانٍ قتاليّ، فتنظيمها يُقاد من الخارج، وترسل مقاتليها إلى الأرض حيث يجب أن يقاتلوا. عندما يقولون إنّه لا وجود لتنظيم القاعدة، فهذا يعني أنّه لا مكاتب لهم في لبنان، ولا قيادة لهم معلنة في لبنان، ومن المستهجن أن تكون معلوماتهم عن تنظيم القاعدة تقف عند هذا الحدّ البدائيّ. القاعدة ليست تنظيماً يجلس في المكاتب وله شكل معيّن..

ولكن قد يكون لكلّ فرد من تنظيم القاعدة أربعة أو خمسة أسماءٍ، فيغيّر هويّته بانتقاله من مكانٍ لآخر. أنا أعتقد أنّه في لبنان ستّ تنظيماتٍ تنتمي للقاعدة ومنها فتح الإسلام. إذاً، فتح الإسلام هي مجموعة من القاعدة تحت تسمية فتح الإسلام. لا أريد تسمية مجموعات أخرى، ولكن ما أريد أن أشير إليه هو أنّه عندما يتمّ فضح مجموعة من هذه المجموعات، يلجأ عناصرها إلى المجموعات الأخرى التي تشكل جزءاً منهم. كلّ هذه المجموعات تنتمي للقاعدة، وإن تفكّك تنظيم فتح الإسلام، تدخل عناصره في التّنظيمات الأخرى، والتي تتألّف من أشقّائه أو أقاربه. لا تستطيع أن تمسك هذه التّنظيمات في تجهيزٍ معيّن، وفي بعض الأحيان قد يختفي أميرها، ويكلّمها عبر الأشرطة كما كان يخاطبهم بن لادن من حينٍ لآخر، والظّواهري الآن، وأبو مصعب الزّرقاوي رحمه الله.

س: بالحديث عن التّبريرات، هناك نوع من المزايدة السّياسيّة في هذا الموضوع، والقول إنّه لا يمكن أن يكون ضمن أهل طرابلس أو أهل شمال لبنان نوع من الفكر الإرهابي، مع العلم أنّ الأمور باتت أكثر من واضحة. لماذا برأيك؟

ج: كلّما شدّدوا الإنكار، كلّما كان الموضوع حقيقيّاً. لا يمكن ان يكون هناك إنكار دائم إن لم يكن هناك أيّ شيء فعليّ موجود على الأرض. يستطيعون أن ينكروا، ولكن هناك أشياء نعيشها. يقولون سلفيّين أو حزب تحرير أو غير ذلك، من يستطيع أن يميّز بين من أخذ الإسم الصّحيح ومن أخذ الإسم الخاطئ إلاّ من خلال السّلوك. طبعاً هناك جماعات إسلاميّة في لبنان، ولها سلوكها الخاصّ ولكنّها لم تدخل طرفاً، وهذه الجماعات محترمة، نزورها وتزورنا ونتناقش معها في السّياسة وفي الشّؤون الوطنيّة. ولكن هناك فئات تكفيريّة وتؤمن بإستعمال السّلاح، وهنا وجه الخطورة.

س: إذا كان التّبرير بسبب الإنتخابات النيابيّة وتكوين الزّعامات السياسيّة على أساس الطّائفة، نفهم أنّ هناك سياسيّين يستفيدون من هذا الامر، ولكن ما علاقة السّياسيّ الذي ياتي من طائفة أخرى ويدافع عن هذه الجماعات؟

ج: هناك حالات خوف، وهناك حالات مزايدة. هذا الأمر ليس من نتاج قياديّين، إنّما من نتاج أناسٍ تابعين، يتبعون القوّة الظّاهرة، يتلطّون بها في حالة الخوف، ويستفيدون منها في الإنتخابات أو في حالات معيّنة. القياديّون الأصحّاء يقفون ويقولون للشّعب "إتبعني، هذا هو الخطّ الصّحيح"، أمّا الباقون فيتبعون ولا يدلّون على الطّريق الصّحيح الذي يجب أن يسلكه شعبهم.

س: ألا ترى مشكلاً حقيقيّاً في لبنان إذ تذهب الأمور بهذا المسار وكلّ ذلك من أجل الإنتخابات؟ فأيّ تصرّف أو موقف أو تصريح، يتمّ ربطه بالإنتخابات النيابيّة التي ستحلّ بعد عامٍ من الآن.

ج: كلاّ. كلّ هذا الكلام كاذب وهو يهدف لتمويه الهدف الأساسي. ما من أحد ممّن يحملون السّلاح أو يقومون بالتّمرّد أو بالثّورات، يقوم بفضح نواياه الأساسيّة، بل يخلق أهدافاً ثانويّة لإلهاء النّاس بمعالجتها، لأنّ الحديث الإنتخابي في لبنان يقسم الشّعب، فيظهر الخصوم ويتمّ الإلهاء بمواضيع لا تتعلّق بتحرّك الجماعات المسلّحة التي تهدف إلى أشياء أخرى. للأسف، ليس كلّ المجتمع مثقفاً سياسياً أو يعي كيف تحدث الحروب التّهديميّة أو التّخريبيّة. هناك إختصاصيّون، وهذه الفئة لا تكون إجمالاً مسموعة، لأنّ الإختصاص هو نهج فكريّ عقلانيّ يعبّر عن الحقيقة، والحقيقة لا تغذّي الغرائز ولا تشجّع على القتل والتّفرقة. عندما يبدأ عمل الغريزة عند الإنسان، يموت العقل. الغرائز تقتل العقل.

س: هناك صورة نُشرت في صحيفة لبنانيّة إثر زيارة فيلتمان، وبالرّغم من كلّ التبريرات، تمّ ربط الموضوع باسبابٍ إنتخابيّة. رُبط التّبرير بالموقف السّياسي بحدّ ذاته بموضوع الإنتخابات.

ج: الحقيقة ساطعة ولا يمكن إخفاؤها. كلّ إنسان يريد إدّعاء البراءة والظّهور على أنّه مُعتدى عليه. حتّى ولو كان هو المعتدي، سيقول أمام القاضي أي الرّأي العام بأنّه مُعتدى عليه. سيبرّر هفوته أو غلطته أو عادته بأنّ الآخرين يقومون بشتمه وانتقاده لأنّه سيأخذ شيئاً من رصيدهم، وهكذا يكون التّبرير السياسي في حالة الإنتخابات. ولكن، لا يمكن للإنسان تبرير نفسه من عملٍ هو من افتعله. إن كان العمل غير مبرّر كهذا العمل، يقوم بالإعتذار، فتغفر النّاس وتنسى، ولكن بتبرير العمل يقوم بتثبيته على نفسه وبالتّالي يرسّخه في ذاكرة النّاس.

س: الولايات المتّحدة تتحدّث عن وجود قاعدة وفكر إرهابيّ في سوريا وعلى الحدود المشتركة. لم يتحدّث الأميركيّون الآن بهذا الموضوع؟

ج: إن أردنا ان نحلّل الأمر منطقيّاً، نجد أنّ هذا الأمر هو مؤشّر إنسحاب من المعركة. تصل إلى مرحلة تقول فيها إنّك لم تعد قادراً على دعم هذه القضيّة لأنّ القاعدة بدأت تسيطر على المعارضة في سوريا. إنطلاقاً من هنا، نجد في هذا الكلام عنصراً إيجابيّاً في السّياسة، إنّما قد يكون أيضاً نوعاً من الإستنكار الكلامي فقط مع غضّ النّظر عمّن يغذّون ويموّلون هذه القاعدة، وهنا تعطي أميركا لنفسها براءة ذمّة تجاه الرّأي العام الأميركيّ، ولكن تجاهنا، تبقى الجريمة على حالها.

س: هناك من ربط ما يحصل في الشّمال بما يجري في سوريا، وهناك من يرى أنّ ما يجري في لبنان هو محضّر له ولا علاقة له بسوريا، وبدليل ذهاب الموفد الأميركي ليبرمان إلى الحدود، وزيارة فيلتمان بنفسه هي التي دفعت الأمور إلى ما آلت عليه. ما تعليقك؟

ج: هذا مخطّط، وقد تكلّمت عنه في الخامس من أيّار في مهرجان أقامه التيّار الوطني الحرّ بمناسبة العودة. قلت يومها وقبل أن تحدث كلّ هذه المشاكل، إنّها قد تكون محاولة لإقامة منطقة آمنة يفرضها الأمر الواقع بعد أن عجزت الولايات المتّحدة عن فرضها عن طريق الأمم المتّحدة. ما تقوله هو الصّحيح. سألت يومها ما الذي يقود أميركا إلى منطقة وادي خالد على حدودنا الشّماليّة؟ ما كنّا نظنّ به في السّابق بات واقعاً. هذا من جهة، أمّا من جهةٍ أخرى، لا علاقة لما يحصل في سوريا بالمشكلة التي وقعت في لبنان. سوريا لم ترسل أحداً إلى عكّار لإثارتها ولجعلها تقوم بتهريب الأسلحة، إنّما أتت الأموال من دولٍ عربيّة أخرى، فموّلت تجّار السّلاح، ولمّت الكثير من الأسلحة من لبنان أيضاً. السّبب الحقيقيّ هو أنّ بعض اللّبنانيّين، وبقيادة تيار المستقبل، هم من حرّضوا النّاس التّابعين لهم حزبياً لكي يقوموا بهذه الأعمال.

س: الحديث عن لبنان الآن وكلّ الأمور المتعلّقة بتحقيقات الجيش في شمال لبنان والحديث أيضاً عن التّحقيقات المتعلّقة بتوقيف بعض الإسلاميين، هل هناك تشكيك حقيقي بالقرارات الّتي يمكن أن تصدر، بمعنى هل القرار الّذي يصدر عن تحقيقات الجيش أو القرار الّذي سيصدر عن القضاء في ما يخصّ التّوقيف الإسلامي سيكون ملزماً للجميع؟ ألا ترى أنّ هناك من يأخذ الأمور الّتي تناسبه؟ أي إن كان الحكم لصالحه يقبل به ويعتبره نزيهاً وإن كان غير ذلك يشكّك بالمؤسّسة ككل وببنية الدّولة بكلّ تفاصيلها.

ج: أعتقد أنّ هذا الإنقسام السّياسي أصبح تفكيراً سياسياً، فيلتزم البعض بمصلحته فقط ولا يلتزم بمبدأ وجود القضاء الّذي يمثّل العدالة، وكذلك الأمر بما يتعلّق بالقوات المسلّحة، إذ يريد البعض تسخيرها لخدمة قضيته وليس لخدمة قضية الوطن. من هذه الفروقات في النّظرة إلى الموضوع، يخلق التّصادم مع المؤسّسات. ولكنّي أعتقد أنّ الواقع كما هو يجب أن يعرفه المواطنون في التّحقيق.

س: الآن النّاس يسألون ويسمعون في سوريا ويتابعون الموضوع عبر المواقع الإلكترونية ومواقع التّواصل الإجتماعي، والسّؤال الّذي يُطرَح هو: من صاحب المصلحة بتفجير الوضع في شمال لبنان، إن استثنَينا إسرائيل صاحبة المصلحة الدّائمة بأيّ خلل في الدّول العربية؟ من له مصلحة في لبنان أو من القوى الإقليمية أن يفجّر الوضع في شمال لبنان؟

ج: هم أنفسهم الّذين قاموا بالإنقلابات في الدّول العربية يريدون تعميم الفوضى. ما زلنا نذكر ما قالَته كوندوليزا رايس في العام 2006 أثناء حرب تموز، كانت تقول: "هذه أوجاعٌ بسيطة، هذه ولادة شرق أوسط جديد." من حق أيٍّ كان أن يحلم بشرق أوسط جديد أو بنظامٍ جديد ولكن شرط أن يكون ذلك خطوةً نحو التّقدم أي أن يكون طليعياً بالتّفكير عندما يريد أن يغيّر الوضع القائم، إنّما ما نشهده اليوم هو عودة إلى الوراء، عودة عشرة قرون أو 12 قرن و15 قرن إلى الوراء.. وكأنّ العالم يسير متقهقراً إلى الوراء. لكن من ناحية المبدأ لو افترضنا أنّ هذه الحركات كلّها مستقلّة وأنا قد تكلّمتُ عدّة مرّات للصّحف العربية مثل جريدة "عُكاظ" السُّعودية وصحف قطر وصحف الكويت، وأشرت الى محاولات حثيثة لإشعال حروبٍ مذهبية في الشّرق الأوسط لنقل العدائية من عربية-إسرائيلية إلى عربية-عربية، اليوم أشعر أنّي كنتُ مقصّراً قليلاً بالتّفكير، إذ هم ينقلون الصّراع إلى داخل كلّ بلد وفي نفس الطّائفة الواحدة ونفس المذهب.

أعتقد أنّ في تونس ليس هناك عدّة مذاهب، هناك مذهب واحد، وليبيا مذهب واحد، وفي مصر الأكثرية هي من مذهبٍ واحد..

هناك تعدّدية في لبنان وسوريا وفيهما نموذجٌ من الفكر المشرقي المتفاعل بين المسيحية والإسلام، إنّه نموذج عالمي لأنّ كلّ العالم اليوم يسير نحو التّنوع بين الأعراق وبين الدّيانات والثّقافات، يضربونه هنا أيضاً كي يفكّكوا المجتمع وهكذا تنعم إسرائيل بالإستقرار لأنّها وصلت في العام 2006 إلى حدّها الأقصى من التّحضير، ولقد قلتُ خلال محاضرةٍ في جامعة دمشق إنّه لن تُكتَبَ الغلبة لإسرائيل بعد حرب تموز 2006 وشرحتُ يومها أنّها وصلت إلى القمة بتعبئة مجتمعها ولم تعُد تقدر أكثر، كانت التّعبئة كاملة خلال الحرب، والتّكنولوجيا الموجودة عندها والأسلحة ووسائل القتال أيضاً كانت معقّدة إلى الحدّ الأقصى ومتفوّقة ومتطوّرة.. ولم تقدر أن تربح، وقالوا إنّ التّدريب لديهم لم يكُن كافياً، ولكن هذا الأمر ليس صحيحاً لأنهم في كلّ عام يقومون بمناوراتٍ ودائماً يتدرّبون. إذاً إسرائيل وفي أوج عزّها لم تقدر على أن تضرب المقاومة في لبنان، وهذا صار يشكّل خطراً عليها، وهي لم تقدر أيضاً على أن تضرب الإستقرار، أي لم تحصل فوضى في لبنان. خلال الأعوام الّتي مرّت، غيّروا الخطط بحثوا عن متعاونين من الدّاخل ليخلقوا معهم الفوضى.

طبعاً في كلّ أنظمة العالم ليس هناك أي نظام يُحسِن إدارة الدّولة بشكل كامل 100%. طريقة التعاطي مع النظام تختلف، فالبسطاء يعتقدون أنّ بإمكانهم تغيير النّظام بسهولة، والأذكياء الّذين لديهم طموحات، يحاولون أن يصلوا إلى الحكم بأيّ وسيلة.. الآن إلى أين يوصلون الوضع؟ هناك كوارث تحصل في المجتمع.

س: الآن إسرائيل دائماً بعيدة عن أيّ نوعٍ من الإتهامات في أي مشكلة في الدّول العربية بينما نحن نتّهم بعضَنا بعضاً والتّهم جاهزة.

ج: حوّلت العداء عربياً-عربياً أي في قلب المجتمع الواحد وليس فقط في قلب الطّوائف أو المذاهب الإسلامية.

س: أي أنّ قوى الأمن اللّبناني توقف مجموعةً من الأشخاص أو توقف شخصاً على قاعدة اتهامات سياسية أو على قاعدة إرهاب، أو على قاعدة ما.. قيلَ إنّ الجيش اللّبناني قد أطلقَ النّار على شيخ أو على شخص، على مواطن، أيّاً كان هذا المواطن، بمعنى أنّه شأنٌ لبنانيٌ داخلي يتصارع اللّبنانيون مع بعضهم البعض حوله وتُتّهم سوريا ويُقال إنّ هذا الطّرف حليفٌ لها وذلك الطّرف مناوىءٌ لها. ولكن إذا الأمور داخلية لبنانية والجيش اللّبناني أو القوى الأمنية مع المواطنين اللّبنانيين، ما علاقة سوريا بالموضوع؟

ج: أنا أتكلّم كلبناني وأعتقد أنّ الشّعب اللّبناني أو القسمَ الأكبر منه لا يزال يُخرَق بالشّائعات، أي أنّ اللّبنانيين يتحدّثون كثيراً بالسّياسة ولكنّ قسماً كبيراً منهم ليس لديه ثقافة سياسية، الشّائعة عندهم أقوى من الحقيقة، وما يُقال همساً يصدّقه الجميع أما ما يُقال بصوتٍ عالٍ لا أحد يصغي له! هناك خلل في مجتمعنا خصوصاً أنّنا عانينا لعهود طويلة، منذ مئات السّنين، من الإستعمار التّركي ثم الحماية الفرنسية والتّبعية السّياسية في ما بعد مع أنّنا مستقلّون. هذا يجعل ثقة اللّبناني بنفسه خفيفةً جدّاً فلا يصدّق أنّ هذا الحدث بين لبناني وآخر بدون أن يُهمس له من الخارج عن الموضوع. يحب أن يعتقد دائماً أنّ هناك مؤامرة وهذه المؤامرة دفعَته بهذا الإتجاه في هذا الحدث الّذي حصل. نريد ثقافة أكثر بعد، ولا يمكننا أن نحارب الزّمن بل ذلك يتطلّب تجربة ووقتاً.

س: لكن المشكلات الموجودة اليوم داخل سوريا تكفيها، أي أنّه لا ينقصها اليوم أن يكون لديها أي دور ولا أي مصلحة بتوفير هذه الأجواء داخل لبنان، أي أنّه يكفي من مشكلات في الدّاخل ولا نريد مشكلات أيضاً على الحدود في الطّرف الآخر.

ج: طبعاً، فإذا بحث أحدهم اليوم عن الإستقرار ضمن حدوده هل سيخلق فوضى على جوانبه؟! هذا غير طبيعي وغير صحيح. ليس بتفكيرٍ صحيح، لا عسكرياً ولا سياسياً. أكثر ما يهمّ سوريا هو أن يكون لبنان مستقرّاً والحالة فيه هادئة، وليس أن يكون في حالة فوضى وأن تُفتَح ثغرات على الحدود وأن تكون هناك "مزاريب" من الأسلحة تصبّ في الأراضي السّورية. طبعاً كلّ هذه الفكرة خطأ، لأنّ الإنسان لا يفتح على نفسه جبهتَين وثلاث.. عليه أن يجزّئ خصومه قدر الإمكان، فَلنفترض أن في لبنان خصوماً، سيتحرّكون مع التّحرك في الدّاخل السّوري، أما العكس فليس صحيحاً.

فأنا قد يكون ذلك الشّخص خصمي ولكنّي لا أريده أن يفتح النّار عليّ في حال فتَحتُ النّار في مكانٍ آخر أو لديّ مشكلة في مكانٍ آخر، ولكن كما قلتُ لك.. الحرب كلّها حرب شائعات لضرب ثقة الأفراد بأنفسهم أوّلاً، ثمّ ثقتهم بمجتمعهم، وثقتهم بوطنهم! الآن لو لم تكُن المعارضة متورّطة مع الخارج ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً به، لكانت عدّة مرّات انتهزت الفرصة للحوار وللإشتراك في تطوير النّظام ولكنّهم اعتقدوا أنّهم سيقطفون الثّمر كلّه دون التّقاسم مع أحد.

س: كان يمكن ألا يتمّ الوقوف عند كلّ هذه التّصريحات والمواقف في لبنان لو لم ينأَ بنفسه سياسياً ولو لم يكُن منكفئاً بعض الشّيء على مستوى الزّعامات السّياسية، وهنا أتحدّث عن الموقف الرّسمي أي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وبعض الشّخصيات، فالبعض يبالغ بهذا الوصف ويقول إنّه ليس انكفاءً بل ضعفٌ وأمرٌ آخر.

ج: بالتّأكيد الإنكفاء والنأي بالنفس ليسا فقط عبر الحكومة. على الشّعب اللّبناني أن يكون مواكباً لموقف الحكومة، لأنّها المسؤولة عن ضبط الحدود اللّبنانية-السّورية، وأن تكون الأخطاء كالتّسللات مثلاً محدودة جدّاً، وليس أن تنأى الحكومة عن تحمّل مسؤولياتها وقسم كبير من اللّبنانيين "فالت" على سوريا ويحرّض، فهذا غير صحيح، خصوصاً أنّ أولئك كانوا يتمنّون في السابق رضى سوريا عليهم.

س: قالت إحدى التّحليلات بالنّسبة لتهريب السّلاح والباخرة اللّيبية الّتي ضُبِطَت في لبنان إنّ نوعاً من الأسلحة الّتي كانت واصلة هي كي تُستَخدَم ضدّ الجيش اللّبناني وليس أن تُستَخدَم كلُّها ضدّ سوريا ويتمّ تهريبها إلى سوريا. هل توافق هذا الرّأي؟

ج: لقد أتتنا معلومات وليس لديّ نتيجة التّحقيق، ولكن حسب ما نشاهده حالياً فأجل من المعقول أن يُؤكّد هذا الخبر بناءً على الحوادث الحالية ضدّ الجيش اللّبناني. لكن الأسلحة الموجودة تُستَعمَل عند الكلّ، لا بل هناك أسلحة ضدّ الآليات لا أعتقد إذا هي موجودة في سوريا أم لا، كالMilan الفرنسية، والLow الأميركية.. هذه ضدّ الآليات. وهناك أيضاً الStinguer وهو صاروخ ضدّ الطّيران، أي ضد الهيليكوبتر، وهذه لم تكُن تُستَعمَل.. ولكن لم تظهر حتى الآن في سوريا. ظهرت في المرّة الأولى على متن هذه الباخرة، وهناك "شيلكا" مع الأربعة أفواه أيضاً ضدّ الهيليكوبتر.

بدايةً ظنّينا أنّ وجهةَ الأسلحة هي سوريا ليستعملوها ضدّ الهيليكوبتر، فهذا معقول.. كما أنّه معقول استعمالها عندنا نحن. في مطلق الأحوال نتمنى أن تكون هذه الشّحنة الوحيدة الّتي مرّت وأن تكون هي الأولى، بما أنه تم وضع اليد عليها. نتمنى ألا يكون قد وصل غيرها. ولكن لم يظهر هذا السّلاح بعد في سوريا، فنحن نراقب.

س: بالنّسبة للحديث عن الشّمال، الشّغل الشّاغل للّبنانيين وللعرب المتابعين أيضاً، جعجع يستغرب ويقول إنّه "من المستغرب أنّ مدينة (أي طرابلس) لها رئيس حكومة وخمسة وزراء أن يكون فيها هذا النّوع من المشكلات الّذي نراه." إن أعَدنا طرح السّؤال مجدّداً، هل بالفعل إنّه أمرٌ مستغرب أن يكون في المدينة هكذا مشكلات ولا يكون لرئيس الحكومة والوزراء كلمة على الصّعيد الإجتماعي على الأقل إن لم نقل على الصّعيد السّياسي؟

ج: طبعاً إنّه أمرٌ مستغرب، ولكن عندما يُعرَفُ السّبب يزول العجب.

س: لم نعرف السّبب.

ج: السّبب هو أنّ هذه ليست قيادة سياسية، فالقيادة السّياسية تتحمّل مسؤولياتها وتحدّد هدفها وتخطّط ماذا ستفعل، ولكن الإنسان الّذي لا قيادة سياسية له، لا يمكنه أن يحكم أصلاً، لأن في أي موضوع عليه أن يأخذ به قراراً، سيكون في هذا القرار قسمٌ من الإيجابيات وقسمٌ من السّلبيات، والحاكم لا يجوز أن يقول إنّه لا يقدر أن يقرّر، ولكن هنا هذا ما يحصل! عليه أن يأخذ الجهة الّتي فيها إيجابيات أكثر ويقنع البقية بهذه الإيجابيات، ولكن لا يمكنه أن يوقف عجلة الدّولة! هم يوقفون عجلة الدّولة ويسايرون الواقع الّذي على الأرض. هكذا لا يجوز الحكم.

نحن نُنتَخَب كممثّلين عن الشّعب حتى نصير في عددٍ معقول، ومن هذا العدد المقبول يُختار عددٌ أصغر حتى يحكم، لا يجوز أن نعود نحن ونفَلّت كلّ القرارات للرّأي العام فيصبح كلّ شخص يفكّر كما يريد وكلّ واحد يصطدم بالآخر. هم يكسرون المبادىء الدّيمقراطية، فتصرّفهم ليس ديمقراطية بل هروبٌ من المسؤولية، وفي الدّيمقراطية مسؤولية كبيرة جدّاً أكبر من مسؤولية النّظام الفردي في الحكم. لماذا؟ لأن هناك محاسبة وعلى المرء أن يكون متحفّظاً جدّاً عند أخذ الرّأي ولكن عليه أن يأخذ هذا الرّأي! القرار، يجب أن يأخذَه ويتحمّل مسؤوليته، بينما هنا كلا يوقفون كلّ شيء، إن أردنا تعيين مدير أو محافظ، لا يحصل قرار، فيتركون الوظيفة شاغرة! لمدّة عام وعامَين! في القضاء أو في الإدارة.. إذاً هذا ليس بِحُكم!

س: هناك سؤال يطرحه عادةً رجالُ السّياسة الحقيقيون الّذين مارسوا الحكم في زمن الأزمات ألا وهو ما الّذي يمنعك أنت أيها المسؤول في أيّ موقعٍ كنت، ما الّذي يمنعك أن تكون رجلاً بكلّ معنى الكلمة وصاحب موقف حتى يسجّل لك التّاريخ ذلك ويقول إنّه كان لدينا رئيس وزارة فلان أو كانت هناك الشخصية السّياسية فلان وكان رجلاً صاحب موقف وصاحب مبدأ؟ ما الّذي يمنع؟

ج: صفات القائد، فهي غير موجودة، غير متوفّرة. في القيادة مواهب طبيعية، يولَد الإنسان قائداً أو لا يولَد قائداً. إنّما طبعاً الثّقافة والعلم يصقلان من شخصية القائد، ولكن إذا لم يولد الإنسان قائداً ولم تكن لديه الصّفات منذ الولادة - فهذا أمرٌ فيه تراكم إرث – لا يقدر أن يكون قائداً ويأخذ القرارات الإستثنائية. وذلك ليس خاضعاً لطبقةٍ اجتماعية أو انتماء لعائلةٍ ما، لكن ما يبيّنها أحياناً هو الأحداث الإستثنائية. هنا يتبيّن إن كان الشّخص قادراً على أن يأخذ القرار ويحتفظ بسيطرته على المواقف الصّعبة، وفي لبنان من يأخذ القرارات؟ أنت كمراقبٍ سوري، فكما أنت تراقب نحن أيضاً نراقب الأحداث، من يأخذ القرار؟ الآن حصل حادث، من المسؤول عنه؟

س: حتى الآن ليس هناك من جهات متقدّمة بالموضوع.

ج: من أعطى التّعليمات للجيش؟ من حدّد المهمة للجيش؟ فقبل أن يبرهنوا أصبحوا يريدون أن يحاكموا الضّابط أو العسكري الّذي أطلق النّار، لكن هذا لا يحصل في أيّ بلدٍ من العالم. وقع نتيجة هذا الحادث قتلى، سواءً أكان المقتول إنساناً بموقعٍ مسؤول في مجتمعه أو مواطناً عادياً. لا يهم.. تُحال القضية إلى التّحقيق، يتمّ التّحقيق بها وتُرسَل خلاصة التّحقيق إلى القيادة، وبناء عليه تأخذ الإجراءات اللازمة.

س: هناك من يسأل في مثل هذه الظّروف عن رئاسة الجمهورية، عن رئيس الجمهورية العسكري، قائد الجيش السّابق، وعن دوره الآن. ما رأيك؟

ج: دوره هو أن يكون جامعاً البلد، لكنّ البلد في عهده الآن مقسّم. هذا هو الدّور الوحيد الّذي كان مُعطى لرئيس الجمهورية التّوافقي، أي أن يكون حَكَماً. والآن على المواطنين أن يقدّروا إن كان فعلاً توافقياً وحَكَماً.

س: هل هناك خصوصية لأنّه كان قائداً للجيش؟ والآن في هذه الظّروف الحرجة بالتّحديد؟

ج: لا يجدر بي أن أعلّق على الموضوع.

س: الحكومة كما يرى البعض هي حكومةٌ مظلومة، ورئاسة الحكومة مظلومة، وأنتم مشاركون بها توجّهون لها الإنتقادات الكثيرة، غيركم المناوىء لها من الحريري وجماعته أيضاً يوجّهون لها الإنتقادات اللاذعة والإتهامات والتّهجم، فإذاً هي ترضي من هذه الحكومة إذا كانت هي يجب أن تكون - إن لم نقُل في صالح البلد - على الأقل وفق مبادىء الإنحياز أي أن تنحاز لطرف؟ بمعنى أنّها لا ترضي أحداً، أليست هذه مشكلة حقيقية؟

ج: بلى مشكلة حقيقية، لأنّه دائماً في أي شيء هناك الجيّد وهناك السّيء. هناك حق أو حقيقة وهناك باطل. إذا الحكومة هي دائماً على نفس المسافة من الحق ومن الباطل ومن الجيّد ومن السّيء، فهذا أعطل نوع من الأحكام.

س: قد يعتبرون أنّ هذا مبدأ السّلامة في الحكم، فإذا أرَدت أن تسير في السّليم، تسير وفقاً لهذا المبدأ.

ج: أعوذ بالله! فأنا لماذا أقول إنّ البلد مشلول؟! يقولون إنّها حكومة حيادية، ما معنى "حيادية"؟ حيادية بالنّسبة لأي شيء؟ بالنّسبة للشّر والخير؟ بالنّسبة للحق وللباطل؟ بالنّسبة لماذا؟ الحكم لا يمكن ولا بأي شكل أن يكون حيادياً. الحكم الّذي يقول عن نفسه إنّه حيادي ليس حكماً. لكن على الحكم أن يكون عادلاً طبعاً. والعدل يقتضي التّطرف أحياناً، كي تكون عادلاً عليك أن تنحاز إما يساراً وإما يميناً، لأنّ الحق ليس دائماً أن تكون في المنتصف. الحق والعدالة بين الأخوَين عند تقاسم الإرث يكون النّصف بالنّصف، أي هذا هو الخط الّذي يفصل بينهما بشكلٍ سليم. ولكن قد يكون هناك حق وهناك خطأ، لأنّ التّقييم قد لا يكون صحيحاً 100% للأملاك، أي دائماً يقتضي العدل الوقوف مع طرفٍ ضدّ آخر. والإمام علي يقول: "لم يترك لي الحق صاحباً، والنّاس أعداءٌ لمن أولي للأحكام هذا إن عدل." إذ سيكون عندك متقاضيان اثنان، عليك أن تحكم لصالح شخص، أما الآخر فلن يكون راضياً عنك وسيعتبرك خصماً أو عدوّاً. إذاً كل حكومة تقف في المنتصف لن ترضي أحداً.

س: الإتهامات السّياسية عادةً في لبنان هي باتهام أحدهم بالتّعطيل، وباتهام فلان بمصادرة رأي غيره وبالهيمنة عليه، ولكن أن يُتّهم العماد ميشال عون وفق جعجع، أن يُتهَم بالمسؤولية عن الإغتيالات معنوياً وأدبياً فهذا أمرٌ جديد في هذه الفترة.

ج: لذلك ذهبنا إلى المحكمة. هناك قضية رُفِعَت إلى القضاء في ما يتعلّق بهذا الموضوع، هناك أمور أتقبّلها في الإنتقاد وهناك أمور لا يمكنني أن أتقبّلها، كلّ ما يتعلّق بالأخلاق وبالجريمة والعمولة والعمالة يُحّوّل فوراً إلى المحكمة. أما النّقد السّياسي، فلا مشكلة لديّ، انتقدني قدر ما أرَدت.

س: من الملاحظ أنّه أمرٌ جديد، أعني أنّ اتهامات تؤدّي إلى شكاوى في المحكمة.

ج: فقد توازنه قليلاً عندما قال هذا الكلام، على الأرجح لأنّي قلتُ إنّي لا أعتقد أنّ هناك محاولة اغتيال طالَته، وبالفعل لا قرائن أو أي شيء يدلّ أنّ هناك اعتداءً قد حصل.. بل كان رشقٌ من بعيد أُطلِقَ على البيت. ولكن بنظري ليس هناك من محاولة اغتيال طالَته. قد يكون الأمر رسالة، ولكن لا يوجد أي قرينة تدلّ أنّها محاولة اغتيال، فالقنّاصون يطلقون النّار عن بعد 930 متر ببندقية 12.7، والتبدّد لا يزيد عن هذه الدّائرة. أين أصابت الرّصاصات؟ لا نعرف إذ لقد رأيناها في يده.

س: أي أنّ الموضوع يتركّز على الزّهرة الّتي تحدّث عنها، الموضوع الّذي أخذ ضجّةً كبيرة في الكلام اللّبناني.

ج: هذه الزّهرة عجائبية أنقذَت حياته!!.

س: الدّول الخليجية تمنع رعاياها من زيارة لبنان. هناك من يرى الموضوع أنّه ليس فقط تأثيراً على السّياحة أو تأثيراً على الوضع في لبنان، بل هناك من دائماً يتصوّر أن لدى هذه الدّول بحكم اصطفافها في خطٍّ سياسيٍ معيّن لديها معلومات، وبالتّالي عندما تمنع رعاياها مباشرةً دون أيّ تحذيرٍ مسبق أو دون أي دعوة لتوخّي الحذر مسبقاً، فهذا نتيجة معلومات لديها. هل تتوقع هذا النّوع من التّحليلات الّتي يذهب إليها النّاس؟

ج: أعتقد ذلك لأنّ الأميركيين أرسلوا إنذاراً إلى مواطنيهم منذ تقريباً 9 أيار أي قبل أن تبدأ الأحداث مفاده ألا يأتوا إلى لبنان، وإذا هم في لبنان فَليبقوا فقط لأسبابٍ إلزامية وَليتفادوا بعض المناطق وفي مطلق الأحوال أن يكون عندهم حماية قوية.

س: أي أنّ الموضوع هكذا برأيك، ليس فقط حرصاً على رعاياها؟

ج: كلا إذ هناك ترقّبٌ للأحداث من قِبَلها. هذه الأحداث بدأت ولا أعتقد أنّها تنتهي بتحقيق، فعندما تصدر نتيجة التّحقيق إذا كانت لصالحهم سيخربون الأرض، أما إذا تبيّن أنّ العسكريين أبرياء وأن الخطأ قد حصل من قبل ركاب السيارة، سيجنّون وسيقولون إنّ هذا انحياز.

س: أصلاً المشكلات بدأت قبل الشّيخ.

ج: نعم والهجوم على الجيش من قبل. إذا راجعنا تصاريح خالد الضاهر في السّابق، أي توقيف كان يحصل مهما كلنت أسبابه، كان يهاجم الجيش والقيادة. حتى وليد جنبلاط كان يهاجم الجيش فهاجمناه نحن وقلنا له أن ينتبه لأنّه يخرّب هكذا، فالتزم الصّمت.

س: أي أنّ حضرتك توافق من يرى أنّ المشكلات ستأخذ بعداً أكبر في لبنان؟ وأنّ الدّول الخليجية عندما حذّرت رعاياها لديها معلومات وليس فقط من باب الحرص على مصلحة المواطنين؟ أي أنّ الأمور ذاهبة باتّجاه الأسوأ؟

ج: نعم طبعاً، فلو كان الحادث عَرَضي، إذ دائماً يحصل حوادث هكذا وأهم من ذلك، ولا يكون هناك هذه الإشكالية الّتي تؤدّي بدولةٍ لأن تتّخذ قراراً.

س: في ما يتعلّق بموضوع النّسبية، حضرتك تدافع عنه وتقول إنّه الضّامن بالنّسبة للإنتخابات، وإنّ كلّ كتلة أو كل كيان سياسي يجد حقّه العادل ضمن المجتمع وبالتّالي يحصل على أصوات ناخبيه الحقيقيين، ونعرف طبعاً السّجال الّذي يدور بين من يؤيّد النّسبية وبين من يرفضها في لبنان. إلى أي درجة أنتم متمسّكون بهذا الموضوع وهل يمكن أن يساهم هذا التّمسك بإقناع الأطراف وأتحدّث بالتّحديد عن المسيحيين المتخوّفين من موضوع النّسبية؟

ج: أظهرت القوات اللّبنانية ليونةً منذ أسبوع تقريباً بأنّهم يقبلون بالتّفاوض على النّسبية. قلنا لا بأس. الآن هذا التّفاوض فعلاً للوصول إلى حلّ أو لإضاعة الوقت؟ لأن هناك رغبة حتى عند المجتمع الّذي يؤيد القوات أن يكون النّظام نسبياً. لا نريد أن نخدع بعضنا البعض بأكثرياتٍ نيابية وهمية. نريد أن تكون الأكثرية النّيابية بالفعل تمثّل الأكثرية الشّعبية، وهذا لا يصير إلا بالنّظام النّسبي. أنا أؤيّد النّسبية لأنّها تخلق استقراراً سياسياً وانتظاماً بالعمل السّياسي، لأنّنا على الأرجح سننتقل إلى نظام الحزبَين. إذا كان لبنان دائرة واحدة، لا يمكن لأيٍّ كان أن يترشّح، بل يحتاج إلى حدٍّ أدنى من المشتركين كي يشكّل مجموعة أصوات تستطيع أن تصل به إلى البرلمان، وإلا يترشّح كلّ واحد عن دائرته ويكون لديه مجموعة قوية فيصبح نائباً، وكأنّنا اخترنا النّظام الأكثري. إنّما عليه أن يمثّل كلّ الطّوائف وكلّ المناطق في لوائحه مما يشجّع الأحزاب الكبرى على الإختلاط الطّائفي ضمن الحزب الواحد، ويكون هناك برنامج انتخابي واحد ألا وهو برنامج الوزارة وحكومة تُؤلّف حتى قبل الإنتخابات. إذا نجحت اللائحة "أ" فتحكم، وإذا سقطت اللائحة "أ" تكون حكومةَ ظلّ في مقابل الحكومة. إذاً هكذا تنتظم الحياة السّياسية أكثر ولا يعود هناك خطاب طائفي وهكذا نقدّم الوطن باتّجاه النّظام العلماني.
قناة الدنيا

CONVERSATION

0 comments: