خلاص الامة بفكر سعادة/ موسى مرعي

إني أجد نفسي مضطرًّا أن أقول بأن ما نعمله هو الحقّ، وإن الحق لا بدّ أن ينتصر في النهاية.
نتيجة لهذا الصراع العنيف بين العقائد الدينية، وبين الفكر العلمي المتحرّر، اتخذتِ الفلسفةُ اتجاهين مختلفين أحدهما الاتجاه الروحي والآخر الاتجاه المادي، وينطوي تحت هذين القسمين الرئيسيين مدارس متعددة من التفكير الفلسفي. أما الفلسفة التي جاء بها أنطون سعادة فهي الفلسفة القومية الاجتماعية وهي فلسفة مدرحية أي مادية- روحية. 
في أوروبا نشبت حروب طائفية ذهب ضحيتها الملايين إلى أن انتصر أصحاب الفكر العلمي المتحرّر.
 والتاريخ الإسلامي المحمدي لا يختلف عن غيره في الحروب الدينية فهو مليء بالذبح ودحرجة  الرؤوس .
إن صراعنا يزداد مع تزايد المؤسسات الدينية المتطرفة. أنا أؤمن بأن الدين فلسفة روحية ثقافية وأن المحمدية رسالة محبة وسلام وليست رسالة شريرة، ولكن فلتان الأمور والانقسامات بين المسلمين المحمديين حتى بات لكل عشرة مسلمين إمام يفتي بهم كما يحلو له ولكلّ عشرة أشخاص مسجد ولكلّ مسجد مجموعة من رجال الدين، وتحول الدين المحمدي من فلسفة روحية ثقافية سياسة وتجارة ومنافع، وكل رجل دين أصبح يعطي لنفسه الحق في التدخل في الشأن السياسي والحكومي، وكل رجل دين يحرض على امام المسجد المجاور له وكل طائفة تحرض وتحلل قتل الطائفة الاخرى.
لقد صدرت فتاوى من رجال دين بالتعامل مع العدوّ الإسرائيلي المحتلّ لفلسطين وبقتل من ينتمي لغير هذه الطائفة والمذهب ولغير الدين ومن ليس منهم هو عدوهم وقد حللوا سبي النساء واغتصابهن وحلل السرقة، وجاؤوا بشيء جديد من الفساد أيضا هو جهاد النكاح يعني الزنا أو الدعارة المرخص لها واللواط بين الذكر والذكر في حال غياب الأنثى أو عدم الحصول عليها، هكذا تحولت التعاليمة الروحية الثقافية الاجتماعية إلى أفكار إجرام ودعارة ولواط وسلب.
كل هذه الفتاوى نسبوها للنبي وهو بريء منها. يريدون ان يحاسبوا العباد ويحللوا لانفسهم ما يحلوا لهم من الفساد، معتبرين أنفسهم أكفأ من الله. 
نحن دعاة فكر متحرر ونحترم الدين ولكننا نفصله عن السياسة. مهمتنا أن نؤسس الدولة القومية التي تجمع بين أبناء الوطن الواحد بغضّ النظر على طوائفهم.
يقول أنطون سعادة في مقالة بعنوان: "يفتون بالشقاق ويدّعون الوطنية" ما يلي:
"متى تحوّلت العقائد الدينية الخالصة، الرامية إلى تقوية نفسية الإنسان وتقريبه إلى عمل الخير لنفسه ولأبناء مجتمعه ومَن تحصل له علاقة وثيقة بهم، إلى تعليمٍ يزرع البغض بين أبناء الجنس والوطن وينمّي الحقد ويرمي إلى سيادة بعض أبناء الأمّة الاجتماعية على حساب عبودية البعض الآخر من أبنائها، فقد فسد الدين واختلّت العقائد واحتاج المجتمع الذي أصيب بهذه البلبلة إلى هداية جديدة وإصلاح نفسي واسع.
لا يوجد في العصر الحاضر مجتمع من مجتمعات العالم المتمدّن أشدّ نكبة بفساد الدين واختلال العقائد من المجتمع السوري الذي نهشت قلبه الأحقاد الدينية المتنوّعة، وأفسد دمه مكروب الإفتاء المضلِّل، حتى عميت البصائر وذهبت الفضائل من الكرامة والوفاء والعزّ القومي، وحلّت محلّها الرذائل من المكر والخديعة والغدر، فتمزّقت العصبة السورية واستولى الأجانب على وطنها وأكلوا حقوقها. والمفتون الجهال لا يفتأون كلما نامت فتنة أيقظوا فتنة أخرى، يرمون قومهم في نارها. تهلك من هذه الفئة تارة، وطورًا تهلك من تلك الفئة. وكلما هلك فريق هلّل الفريق الآخر أو كَبَّر، وما يهللون أو يكبِّرون إلا لخراب وطنهم وذهاب عزمهم وتسلّط الأجنبي عليهم.
جاءت المسيحية بتعليم المحبة والتساهل وتقريب الإنسان من أخيه الإنسان، وإقناع كلّ واحد إقناعًا لا إكراه فيه، مع وجوب مجاهدة الذين يقاومون التعليم الجديد مجاهدة لا تبلغ حدّ الإكراه والإذلال، لأن المسيحية نشأت في بيئة عريقة في التمدّن، كانت اليهودية تحاول وقف سيرها التمدّني بتعاليمها وشرائعها الجامدة.
وجاءت المحمدية بتعليمِ القضاء على عبادة الأصنام، وبتشريعٍ يرفع الناس من عادات وحشية الجاهلية وبالدعوة إلى الله واعتبار حقّ الرسالة واستعمال الإقناع مع أهل التمدّن (الذين وُصفوا «بأهل الكتاب» الذين جاءت فيهم الآية: وجادلهم بالّتي هي أحسن) من غير إكراه ولا إذلال، واستعمال العنف والقوّة مع أهل التوحّش والأصنام ومع «أهل الكتاب» الّذين أخذوا عادات التوحّش في بيئة بعيدة عن التمدّن. خصوصًا اليهود الّذين لم تصل تعاليم دينهم إلى تمدّن صحيح مُطَّرِد، فقاموا ينافقون مع محمّد وإبطال دعوته بالقوّة الوحشية الّتي لا وازع لها من حقّ أو شرع."
قال سعاده ذلك عام 1943، وهو قال ما يشابهه منذ عشرينيات القرن الماضي وقبل تأسيسه الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي كشف فيه حقيقة الأمة السورية ووضع الخطة العملية لنهضتها.
وفي رسالة أرسلها سعادة من السجن الأول، من سجن الرمل في 10 ديسمبر [كانون الأوّل] 1935 إلى المحامي الأستاذ حميد فرنجية الذي كان أحد المحامين الذين تقدموا للدفاع عن الزعيم في الدعوى الأولى في المحكمة المختلطة، التي تعني المحكمة الفرنسية، يتحدث عن الأسباب التي دفعته لإنشاء الحزب فيقول: "كنتُ حدثًا [أي فتىً ابن عشر سنوات] عندما نشبت الحرب الكبرى سنة 1914 ولكني كنت قد بدأت أشعر وأدرك. وكان أول ما تبادر إلى ذهني، وقد شاهدت وشعرت بما شعرت وذقت ما ذقت مما مني به شعبي، هذا السؤال: «ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟».
ومنذ وضعت الحرب أوزارها أخذت أبحث عن جواب لهذا السؤال وحلٍّ للمعضلة السياسية المزمنة التي تدفع شعبي من ضيق إلى ضيق فلا تنقذه من دبّ إلا لتوقعه في جُبّ [البئر].
وكان أن سافرتُ أوائل سنة 1920 وقد بُعِثَتِ الأحقادُ المذهبية من مراقدِها والأمّةُ لمّا تدفن أشلاءَها.
ولم تكن الحال في المهجر أحسن إلا قليلاً. فقد فَعَلَتِ الدعاوات فِعْلَها في المهاجرين فانقسموا شيعًا[أي طوائف]. 
أليس هذا الكلام كأنه يقال الآن؟
فما هو الحل؟ أن نستمر في عصبياتنا الطائفية أم نستبدلها بالشعور القومي الذي يدفعنا إلى محبة جميع أبناء شعبنا وإلى العمل في سبيل تحقيق مصلحة أمّتنا؟
ألا نتحمّل نحن المهاجرين مسؤوليةً كبرى في مساعدة وطننا بكلّ ما لدينا من القوى؟
وما أروع ما قاله المعلّم في هذا المجال:
"إنّ كلّ سوري وسورية يغاران فعلاً على شرف قوميتهما ومصلحة شعبهما ورفاهية وطنهما يجب أن يعلما أنّ أمانيهما لخير أمّتهما ووطنهما لا تتحقّق بالكسل واللامبالاة ولا بمجرّد التمنّي، بل بدرس القضيّة القومية الاجتماعية المقدّسة درسًا صحيحًا في مبادئها التي نشأت عليها، وبالقيام بالواجب نحو هذه القضيّة، وبمحاربة دجَّالي الوطنية والأدب ومشعوذي العلم والفنّ.
بهذه الطريقة يتمّ الوعي القومي وتخلص الأمّة السورية من قضيّة الحزبيات الملّية ومن مظالم الإقطاعية، فتقف صفوفًا واحدة مرتّبة بين صفوف الأمم الباقية وفي مقدّمة هذه الأمم جميعها بما لها من مثُل عليا فائقة الجمال وفضل على الثقافة والتمدُّن الإنسانيين.
إنّ القواعد الصحيحة لنهضة سورية قومية اجتماعية عظيمة قد وُضعت، والنهضة العظيمة قد ابتدأت بالفعل منذ نحو عشر سنين، فلم يبقَ إلاّ أن تحصل التلبية الفعلية الواسعة لتسير سورية إلى المجد الذي ينتظرها.
فيا أيّها السوريون المقيمون والمهاجرون ارحموا أنفسكم وعيالكم وذرّيتكم يرحمكم الله. انبذوا الذين يريدون بكم شقاقًا، والتفُّوا حول الذين يريدون بكم وفاقًا، واتركوا قضايا الأخرى للأخرى، وتعالوا إلى كلمة سواء تجمع شملنا وتُعيد إلينا وطننا وأهلنا وعزّنا وكرامتنا وحقوقنا ومصالحنا: إلى القومية الاجتماعية، التي هي رابطة كلّ سوري وسورية بكلّ سوري وسورية، ورابطة الأجيال السورية الماضية والحاضرة والمقبلة.
أيّها السوريون.
انصروا قوميَّتكم وتعصَّبوا لها فهي مبدأكم ومعادكم في الدنيا، وبها تنتصرون وتنالون المجد .
الحزب السوري القومي الاجتماعي : مفوضية سدني المستقلة مجموعة الوحدة الحزبية         


CONVERSATION

0 comments: