الإنتخابات التركية: نهاية أسطورة السلطان العثماني الجديد/ راسم عبيدات

نتائج الانتخابات التركية تؤشر إلى أن  تركيا ستدخل مرحلة الفوضى وعدم الاستقرار السياسي،وبأن المسألة لم تقف عند الخسارة الكبيرة التي مني بها حزب العدالة والتنمية،بل تضع علامات استفهام كبيرة على مستقبل "أردوغان" الذي كان يحلم باستعادة أمجاد امبراطوريته العثمانية على حساب الدم والجغرافيا العربية،ومعظم دول العالم بما فيها إسرائيل لم تأسف على اللطمة التي وجهها الناخب التركي لحزب العدالة والتنمية وللسلطان العثماني،وفقط من هو مرعوب ومربك مما حصل هما قطر وجماعة الإخوان المسلمين،فهذه ضربة في العصب الرئيسي،وضربة كبيرة ومؤلمة لحركة الإخوان المسلمين،خصوصاً بعد الضربة الأولى في مصر وخسارة السلطة هناك،ويصعب عليهم رؤية المنطقة بدون قيادة من قبل حركة "الإخوان المسلمين".

صحيح أن حزب العدالة والتنمية لم يفقد  صدارته الحزبية من حيث عدد المقاعد التي حصل عليها في البرلمان،لكنه سيواجه مشكلة جدية في عدم  القدرة على ترجمة الشعارات التي رفعها انتخابيا وكذلك عدم القدرة على تطبيق برنامجه،ف"الخازوق" للحزب  مكعب لا قدرة على تعديل الدستور ولا قدرة على تشكيل حكومة بشكل منفرد ولا قدرة على تشكيل ائتلاف حكومي،وحتى في حال تشكل تحالف حكومي واسع فستكون المعضلة الأساسية هي السياسة الخارجية لتركيا،بحيث تخرج من يد حزب العدالة والتنمية بقيادة "أردوغان"،بمعنى سياسة تركيا لن تقاد من قبل "الإخوان المسلمين"،وهذا يخلط الأوراق ويعقد ويصعب الأمور على السلطان العثماني الجديد "أردوغان".

ما تمخضت عنه إنتخابات السابع من حزيران التركية،ليست قضيته وعقدته الجوهرية في تشكيل حكومة ائتلافية أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة،فهذا هو بالضبط الشأن التركي الصرف الوحيد في الانتخابات ونتائجها،أما الشأن الإقليمي فهو أنّ السياسة الخارجية التركية لم تعد في يد «الإخوان المسلمين» ومشروع السلطنة،وصارت حاصل توازنات القوى الداخلية وما تشير إليه وفقاً لكلام قادة حزب الرئيس التركي الذي تلقى الصفعة المدوية في الانتخابات،بأنّ عقدة الحكومة الائتلافية هي السياسة الخارجية وخصوصاً مصير التدخل في سورية،وقادة المعارضة يتشاركون رفض المشروع الأردوغاني لسورية ويدعون إلى وقف الباب المفتوح لـ«القاعدة» بجناحيها «داعش» و«النصرة» نحو سورية.

العقاب لم يكن لحزب العدالة والتنمية وقيادته،بقدر ما كان عقاباً لسلطان الحزب،فهو بدأ قيادته للحزب بنظرية "صفر" مشاكل ولتصل في النهاية بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي ل"صفر" أصدقاء.

فهذا السلطان العثماني أصبح شبيهاً بسلطان الدولة العبرية  المغدور شارون هائجاً وتحول من ذخر لتركيا لعبء عليها،فهو يريد ان ينصب نفسه كسلطان وحاكم للأمة الإسلامية،ليس ضمن مشروع يوحد الأمة ،ويستوعب ويتسامح مع كل مذاهبها ومركباتها،فهو أوغل في خطابه المذهبي"السني،وأستعدى كل من هو ليس من حركة الإخوان المسلمين،وتدخل بشكل سافر ووقح في الشأنيّن السوري والمصري،وناصبهما العداء،واذا ما جرت تحقيقات حيادية لاحقاً فسيثبت مدى تورطه في دعم وتمويل وتسهيل دخول المال والرجال والسلاح للجماعات الإرهابية والتكفيرية في سوريا"داعش" و"النصرة".ناهيك عن ردات فعله النزقة و"التوتيرية" في العديد من القضايا الدبلوماسية، والتوجه بتركيا نحو "الأثيوقراطية" الدينية على حساب الديمقراطية،حيث شن حرب شاملة على إستقلالية القضاء والحريات الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي،وكذلك مارس القمع بحق المتظاهرين في تقسيم وغيرها.

  واضح بأن الإنتخابات التركية  قالت ما يكفي لتغيير وجهة الحروب والتوازنات في المنطقة.

"الزلزال" الذي حصل في تركيا على ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة سيكون له تأثيراته الكبيرة والجوهرية العميقة،ليس فقط على حزب العدالة والتنمية التركي،والوضع الداخلي التركي،بل التأثيرات ستطال المنطقة والإقليم والعالم،وأول المتضررين من ذلك هي حركة الإخوان المسلمين،التي كانت رهاناتها وآمالها معلقة على "أردوغان"،وأيضاً القوى التكفيرية والظلامية والإرهابية المشاركة والمزجوج بها في الحرب على سوريا،هي الأخرى أصبحت في دائرة الخطر وإعادة الحسابات،لما ستكون عليه أوضاعها بعد التحول الإستراتيجي في تركيا،ف"داعش" الإبنة المدللة لتركيا،والتي شكلت مصدر رزق تجاري واقتصادي لحكومة أردغان،من خلال شراء النفط المنهوب والمسروق من العراق وسوريا،وكذلك الآثار،وبيعها السلع التركية،بالإضافة إلى ما  كانت توفره تركيا من إقامة وفنادق لقياداتها،وإدخال المال والسلاح لها.

"جبهة النصرة" قواعدها،مستودعات أسلحتها،مقرات القيادة،محطات الرصد والتجسس،دخول المال والسلاح والرجال. قطر كيف ستتعامل مع الوضع الناشىء،حركة المال الى "داعش" و"النصرة" قدرتها على التأثير والفعل في داخل سوريا،وخاصة بعد هذا الزلازل،وسيطرة حزب الله والجيش السوري عل كامل منطقة القلمون،وهي البوابة التي تقرر مصير الحرب على سوريا.

"اسرائيل" والسعودية تدرسان ما حصل بشكل دقيق ومعمق،لجهة التغيير في السياسة الخارجية التركية من سوريا،وإستمرار تمويل العصابات والجماعات الارهابية والتكفيرية "داعش" و"النصرة"،قلق أمريكي وفرنسي من حصول متغيرات في المنطقة،لجهة انتصار حلف طهران- دمشق،فأمريكا كانت تراهن في ممارسة ضغوط كبيرة على طهران،لتقديم تنازلات كبيرة في محادثتها معها حول ملفها النووي،المزمع توقيع الإتفاق حوله في الثلاثين من الشهر الجاري،بعد سيطرة "داعش" على الرمادي العراقية وتدمر السورية،ولكن يبدو أن هذه الأحلام تتبدد،فالحرب على سوريا سقطت في بيت أبيها،ولن تكون او تقوم أي حكومة تركية جديدة لتكمل ما بدأه "أردوغان"،والسلطان العثماني الجديد تبددت على ضوء نتائج الإنتخابات كل آماله،ولربما يساق مستقبلاً للمحاكم ليس بسبب سياساته الداخلية فقط،بل وتوريط تركيا في استعداء المحيط العربي والإسلامي،والتدخل في الشؤون العربية الداخلية وبالذات سوريا ومصر.

CONVERSATION

0 comments: