صفعة لدولة الإحتلال في الأمم المتحدة/ علي هويدي

هي ساحة المعركة التي لا تقل شراستها وضراوتها عن معركة الميدان، وليس من السهولة تحقيق هدف في مرمى الخصم، فهذا يحتاج لجهود وتحديات إستثنائية تراكمية من العمل الإعلامي والثقافي والقانوني والحراك الدبلوماسي وفهم دقيق لمفردات الخطاب، هي ساحة الأمم المتحدة حيث اعتدنا كشعب فلسطيني - وللأسف - أن تكون الغلبة فيها في معظم الأحيان لدولة الإحتلال؛ فهي صاحبة النفوذ والعلاقات الواسعة، والتأثير السياسي والدبلوماسي، وتملك أدوات السيطرة على الماكينة الإعلامية في صناعة الخبر، ولديها من الخبرة الواسعة في التعاطي مع مفاصل ودهاليز صناعة القرار داخل أروقة المؤسسة الدولية، ما يمكِّنها من التشويه والتلاعب بالحقائق خدمة لرؤيتها الإستراتيجية في إدارة الصراع مع العرب والمسلمين ومع الفلسطينيين على وجه الخصوص..!

يحدث هذا منذ أن انضمت دولة الإحتلال -بشروط- إلى الأمم المتحدة سنة 1949. حقق الحراك الفلسطيني طوال عقود من الزمن مجموعة من الإنتصارات المهمة داخل المؤسسة الدولية واستطاع انتزاع جُمله من القرارات لصالح القضية الفلسطينية، ربما أهمها الحصول على القرار رقم 3239 في أيلول 1974 الذي أكد على "حق الفلسطينيين غير القابل للتصرف في العودة إلى ديارهم وأملاكهم التي شردوا واقتلعوا منها"، وقرار اعتماد دولة فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة في العام 2012، وربما تكون أبرز الخسارات عندما ألغت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 3379 الذي اتخذته في تشرين الثاني 1975 وهو الذي اعتبر "الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري"، حيث تم الإلغاء في ديسمبر 1991 وكانت سابقة في تاريخ الأمم المتحدة وتم استبداله بالقرار رقم 8646 بجملة واحدة صاغها نائب وزير الخارجية الأمريكي آنذاك لورنس إيغلبرغ؛ "تُقرر الجمعية العامة للأمم المتحدة نبذ الحكم الوارد في قرارها رقم 3379"، ولم يكن هذا ليحدث لولا العمل المتواصل للوبي الصهيوني وعلى كافة الصُعد في الامم المتحدة، والذي استمر لـ 16 سنة دون كلل أو ملل..!

إنجاز جديد يُسجل لفلسطين في الأمم المتحدة تحقق صبيحة يوم الإثنين 1/6/2015 وشكل صفعة إستراتيجية لدولة الإحتلال، فقد حصل مركز العودة الفلسطيني ومقره لندن، على توصية بمنحه "المركز الإستشاري في المجلس الإقتصادي والإجتماعي التابع للأمم المتحدة كمنظمة غير حكومية" بعد حصوله على 12 صوت ومعارضة 3 وامتناع 3 وغياب دولة واحدة، على أن يتم الإعتماد النهائي خلال الأشهر المقبلة، وحصل المركز على العضوية بعد قرابة خمسة أعوام أعاقت فيه دولة الإحتلال الطلب وبثت ادعاءات ليس لها أساس من الصحة بأن المركز يدعم العنف والإرهاب.

حالة من الهستيريا عاشتها بعثة دولة الإحتلال في الأمم المتحدة قبيل وخلال وبعد صدور القرار، من خلال بث المزيد من التشويه والإدعاءات الكاذبة، وبأن المركز على صلة بالإرهاب وبحركة حماس كمحاولة منها لقطع الطريق على المسار القانوني والمصادقة النهائية على القرار في الاشهر القادمة، الأمر الذي أدى الى صدور بيان عن المركز نفى فيه الإدعاءات وعُمِّم على لجنة المؤسسات، وتوجيه رسالة إحتجاج إلى الأمين العام للأمم المتحدة بانكي مون أشار فيه المركز بأنه في صدد تدارس الإجراءات القانونية المناسبة ضد بعثة دولة الإحتلال في الأمم المتحدة. 

بعد هذا الإنجاز التاريخي لفلسطين، نستطيع القول بأن زمن هيمنة دولة الإحتلال وأدواته على المنظومة الدولية قد ولّى، وأن شعبنا الفلسطيني يملك من القدرات ما يمكنه من استعادة زمام المبادرة، وقادر أن يحدث نفاذية وتحولات إستراتيجية في الصراع مع دولة الإحتلال وما حدث في بداية حزيران/يونيو 2015 لا شك سيبقى علامة فارقة..     

*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
بيروت في 5/6/2015

CONVERSATION

0 comments: