الدَين.. وضمير المدين/ المحامي شادي خليل أبو عيسى

 رئيس المركز الدولي للملكية الفكرية والدراسات الحقوقية ICIP

في كل زمن، يستفيق الضمير أحياناً..وأحياناً أخرى يغفو وينام إلى أبعد الحدود!! فهل من حسيب أو رقيب؟! والاعتماد يكون في عدة حالات على الزمن ومخاطره وآثاره...
فمرور الزمن، إذا اكتملت مدته، فإنه لا يرتب آثاره القانونية المؤدية إلى سقوط الموجب من تلقاء نفسه بل لا بدّ للمدين أن يتمسك بمرور الزمن حتى يسقط موجبه. وهذا ما جاء في نص المادة 345 من قانون الموجبات والعقود: " لا يجري حكم مرور الزمن حتماً بل يجب أن يدلي به من تم في مصلحته...ولا يجوز للقاضي أن يطبق من تلقاء نفسه أحكام مرور الزمن ". وقد عبّر الفقه عن هذا السبب إلى ضرورة تأمين استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية. علماً، بأنه يمكن الإدلاء بمرور الزمن في جميع أطوار المحاكمة. لذلك، فإن حكم مرور الزمن، بحسب المشرّع، يعتبر بمثابة برهان على إبراء ذمة المديون وقرينة الإبراء الناشئة عنه لا ترد ولا تقبل برهاناً على العكس. وإذا اكتملت مدة مرور الزمن الموجب ولم يدل المدين به، فإنه لا يسقط بل يظل قائماً باعتباره موجباً مدنياً متوجباً على المدين كما كانت الحالة وقت سريان مدة مرور الزمن.
ويترتب على هذه الحالة عدّة نتائج:
- إذا قام المدين بإيفاء الدين في الفترة التالية لاكتمال المدة، فإن هذا الإيفاء يعتبر إيفاء صحيحاً لدين متوجب. ولا يجوز للمدين بعد ذلك المطالبة باسترداده حتى ولو كان الإيفاء قد صدر عن غلط وكان المدين لا يعلم باكتمال مدة مرور الزمن.
- إذا قدم المدين كفيلاً في الفترة التالية لاكتمال المدة دون الإدلاء بمرور الزمن -  اعتبرت الكفالة صحيحة سواء أعلم المدين باكتمال المدة أو لم يعلم – فإذا كان عالماً باكتمال المدة اعتبر  تقديمه للكفيل بمثابة تنازل عن حقه في التمسك بمرور الزمن. وإذا لم يكن عالماً بها، جاز للمدين بعد ذلك التمسك بمرور الزمن، فيسقط الدين وجاز للكفيل عندئذ أن يدفع هو أيضاً بسقوط الدين.
- إن سقوط الموجب بمرور الزمن يؤدي إلى سقوط توابعه وملحقاته والفوائد تسقط حتى ولو لم تكتمل مدة مرور الزمن بالنسبة لها منظوراً إليها بصفة مستقلة عن الدين. ويرى بعض الفقهاء في هذا الأمر دليلاً على أن مرور الزمن يرتب نتائجه بأثر رجعي، ذلك أن الموجب يعتبر كأن لم يكن وبالتالي فهو لم ينتج شيئاً. غير أن هذا القول لا يمكن الأخذ به بشكل عام. فمرور الزمن هو دليل على براءة ذمة المدين من المدين وليس دليلاً على انعدام الدَين.
- إذا نشأ في ذمة الدائن دين لمصلحة المدين بعد مرور الزمن على الدين المستحق على المدين وتخلّف هذا الاخير عن التمسك بهذا المرور وتوفرت شروط المقاصة بين الدينين سقط الدينان بالمقاصة. أما إذا تمسك المدين بمرور الزمن أولاً فلا تجري المقاصة بسبب سقوط الدين وانتفاء مقابل الدينين نتيجة لهذا السقوط.

تحول موجب الدَين إلى موجب طبيعي
إن تحول الدين المدني إلى دين طبيعي بفعل مرور الزمن هو أمر منصوص عليه صراحة في الفقرة الثانية من المادة 361 من قانون الموجبات والعقود التني تنص على الآتي: " على المديون الذي أبرأه مرور الزمن من الوجهة المدنية يظل مقيداً بموجب طبيعي يمكن اتخاذه سبباً للإيفاء ". أي أن  الدين يصبح أمراً متروكاً لضمير المدين. فإذا شاء أن يوفي الدين كان له ذلك وإلاّ فإن ليس هناك ما يجبره على الإيفاء من الناحية " القانونية ". علماً، بأنه لا يجوز – بحسب القانون – للدائن بدين طبيعي أن يحبس في يده عيناً لمدينه حتى يستوفي دينه وذلك لأن الحبس لا يجوز ممارسته إلاّ لإيفاء الديون المدنية أي الديون التي يمكن تنفيذها جبراص، وهذا الامر غير جائز في الديون الطبيعية.
أخيراً، علينا التمييز بين مرور الزمن المسقط والمهل المسقطة (المقطوعة). فمهمة هذه الاخيرة تختلف عن مهمة مواعيد أو مدد مرور الزمن، فهي لم يضعها المشرّع لحماية الأوضاع المستقرة وإنما هو وضعها لإتمام عمل معيّن في خلالها بحيث إذا لم يتم هذا العمل في الموعد المحدد له كان العمل باطلاً. لذلك، يمكن للقاضي إثارة هذه المهل المقطوعة من تلقاء نفسه دون أن ينتظر تمسك صاحب المصلحة بها خلافاً لما هو عليه الحال بالنسبة لمرور الزمن الذي يشترط فيه أن يتمسك به صاحب الشأن كي ينتج آثاره القانونية. كما أن المهل المقطوعة لا يقف سريانها ولا ينقطع ولا يختلف عنها موجب طبيعي. علماً بأن بعض الشراح يعتبرون بأن هذه المهل هي في الواقع مدة مرور الزمن خاضعة لأحكام خاصة فلا تنقطع ولا يقف سريانها. ومن الامثلة على المهل المقطوعة تلك التي يمنحها القانون من أجل استعمال طرق المراجعة كالاعتراض والاستئناف والتمييز.
ختاماً، لا بد من الإشارة إلى أن الضمير هو العامل الأساسي في الدين، فإذا تواجد التزم المدين بتسديد ما عليه وإلاّ تهرب وتلاعب على النصوص القانونية كما هي الحال في هذه الأيام.
ونـ يالنا بضمير المدين!!
chadyabouissa@lawyer.com

CONVERSATION

0 comments: