قصيدتان/ أسعد البصري


١- الحنين
...........

" عشرون قدْ مضين كالدهور كلّ عام " . أشيخ في الأقاليم البعيدة وحدي . لم أعد جديراً بدوران عيونك السود ، و لا قِبَلَ لي بحيرة خصركِ . أيتها البصرة ! . لا تركضي أمامي من الفرح . لقد أزرى بيَ الدّهرُ بعدكِ . أورثني فراقكِ داءَ القلب . يا أُمّ الكتاب ، كيف أُصبح شاعراً في البصرة ، وتحت كُلّ نخلةٍ شاعرٌ لا يكاد يراني . تشفع لي غربتي . هل تعرفون هذا الصوت ؟ . هل طرقَ الخوف أسماعكم قبل هذا ؟ . افتحوا الشبّاك فهذا آخر عهدي بالقمر . لا تعبثوا بالجدران بعد اليوم ، دعوني عليها حتى يمحوني تعاقب الشمس ، والمطر . أقف على أطلالكم للمرة الأخيرة . الشمعة التي أحرق ذوبانها أكفّكم تنطفيء . ولي عليكم غابات النخيل ، و جريان الجداول ، وسواد الناس . لي عليكم مباهلتي بالشناشيل . و دموعي التي فتحتْ درباً لأطفال المدارس . ولي عليكم عشاقٌ سيخرجون من فتحة قلبي ، حاملين راية ترفرف في صباحٍ بعيدْ . لي عليكم بلادي ، و عطشٌ يابسٌ في النشيدْ . ولي عليكم عراقي يعود إليَّ ، من خطإٍ فادحٍ في البريدْ .

٢- الغربة
...............

الملتقى بكِ ، والعراق على يديَّ هو اللقاء "

الوداع مُمْتِعٌ في البداية . لكنهُ يَكْبُرُ مع دقّاتِ القلب ، يورِقُ في دمي . تخرجُ أغصانهُ من عيوني . كلما سمعتُ صوت بلادي ، ماءٌ مالحٌ ، يسفحُ من أذنيّ . لو تعلمون كيف تطولُ المنارات ، و يتّسعُ القرآن . لو تعلمون أنني ليلٌ بنهار، ونهارٌ بليل . وهذه الضلالة التي بعتها بالهدى ، لم يعد أحدٌ يشتريها . هذه البلاد التي نسميها (حرية) جئتها بفرحة الأطفال . أرضها من صمغ . لا أريد حريّةً مقابل بلادي ، و أفئدة التاريخ . مُتحرِّرٌ على طريقتنا ، نجلس قرب المسجد ، نجادل المؤمنين ، حتى يطردنا المؤذن . كنتُ أجهل أنني ، لا أحب الأفكار المضيئة ، بل أحب المسجد ، والمصلين ، والجدل معهم . أكتب شوقي إلى وطني ، فأرى وطنين ، وطناً لجسدي هو العراق . وطناً لروحي ، هو الله .لم يقل أحدٌ إنني يوماً أعودُ . وهل أمتعتي سوى الندم . حقائبي عيوني ، ليتَ أختي في البصرة ، لا تفتحها .

" تقولُ ابنتي لمّا رَأَتْ طولَ رِحْلتيْ

سِفارُكَ هذا تاركيْ لا أباً لِيا "

مالك بن الرّيب

CONVERSATION

0 comments: