الشاعرة نعيمة خليفي: تجارب الحياة تصقل جماليات القصيدة


حاورها أثير محسن الهاشمي
قالت الشاعرة المغربية نعيمة الخليفي في حوار مع الزمان ان الثقافة المغربية حاضرة بشكل مكثف في المحافل العربية و الدولية إلا أن المشهد الثقافي لا زالت تحكمه الحسابات كما ان الإبداع المغربي عامة و الشعر خاصة لا يحضى بالعناية ويواجه عدة صعوبات تحول دون انطلاقته الحقيقية.
واضافت ان هناك انفتاح للشعراء المعاصرين على الأدب الغربي وثقافته الذي ساهم بشكل أكبر و أعمق في تطوير القصيدة النثرية التي أصبحت هي المهيمنة، كما ان هناك حركة شعرية تشق الطريق في حين ليست هناك حركة نقدية في المستوى نفسه.

ما الذي اثّر في نعيمة الخليفي لتكون شاعرة؟

ما عشته وما عايشته و ما أعيشه داخل مجتمع مليء بالتناقضات والصراعات أثر بشكل كبير في تجربتي الشعرية، وكل من يقرأني يكتشف أن الصورة المتشكلة في نصوصي جلها مستوحاة من الواقع المرير، أوتترجم حلمي بغد أفضل وبأن يصير العالم أكثر جمالا و نقاء وأكثر إشراقا باغتني الشعر دون استئذان، وتسللت الى حدائقه في غفلة مني و وجدتني أكتب الشعر دون ان أدرك اني سأكون شاعرة، ربما كان ذلك استجابة لرغبة ذاتية ملحة، ربما قررت الذات ان تلفظ شظايا مراياها لتتخلص من ذاك الإرث الثقيل الذي راكمته السنوات الماضية من قلق و معاناة بين الممكن و المستحيل.
بالنسبة للموهبة، ربما كانت متوفرة و لم أدركها الا بعد أن فجرتها المعاناة و اخرجتني من كهوف الصمت، لكن الموهبة وحدها لم تكن كافية لتجعل مني شاعرة بل كان و لا بد من صقل هذه الموهبة بالمثابرة و الاجتهاد لتوسيع مداركي الشعرية، بالإضافة لانفتاحي على الأدب العالمي بحكم تعدد اللغات الأجنبية و بالدرجة الأولى بحكم تخصصي في الأدب الانجليزي واهتماماتي بالترجمة، وكان لذلك اثر كبير في تكييف اتجاهي الشعري.

ما أثرايام الطفولة على شخصية الشاعرة نعيمة الخليفي؟

بطبيعة الحال الطفولة هي أجمل مرحلة في حياتي بكل ما تحمله من معاني البراءة والمرح و الفرح و الأحاسيس الجميلة البعيدة عن القلق و التوتر، عشت طفولة طبيعية و متوازنة، اتاحت لي ظروفي العائلية أن اقرأ كتب الشعر و القصص و أنا لا أزال في المرحلة الابتدائية، ووفرت لي كل الشروط المحفزة على التحصيل و التثقيف، في المرحلة الثانوية، انتقلت من احفير مسقط رأسي إلى مدينة وجدة لمتابعة دراستي لعدم وجود مؤسسات التعليم الثانوي انذاك، كنت نزيلة بالداخلية بثانوية زينب النفزاوية لمدة ثلات سنوات التي أتاحت لي الفرصة لتبادل الكتب و الأفكار بين الرفيقات، انخرطت في جمعيات ثقافية مع بعض رفاق و رفيقات منها جمعية الأمل للمسرح أسسها أنذاك رفيقنا في الدراسة محمد أوجار، ما زلت اذكر مسرحية بعنوان امبراطوريات النساء كان لي دور في تمثيلها على الخشبة لاول مرة بالفضاء الثقافي النهضة بمدينة وجدة، هكذا زاد اهتمامي بالانشطة الثقافية و تضاعف شغفي بالقراءة و كتابة الخواطر، في تلك المرحلة قرأت لسارتر وكافكا، شوقي والمتنبي، خليل مطران و ابو القاسم الشابي، وكتابات المنفلوطي وطه حسين، جبران و الرافعي، ، ، وكان لكل ذلك الأثر الحاسم في تكوين اتجاهي نحو الأدب عامة و الشعر خاصة، كما كان للكلية اثر كبير في تكوين شخصيتي كنت اعشق العزلة والهدوء و تأمل الحياة و الطبيعة و مكوناتها و المطالعة. و، هذا الاتصال المباشر بالطبيعة و بالكتب كان يشعرني بتفتح شخصيتي كما تتفتح براعم الزهر، تلك الطفلة المشاكسة ما زالت تعيش بداخلي لحد الأن و أنا أم.

ما تاثيرالبيئة والواقع على قصائدك؟
كان للظروف البيئية و الواقع تأثير كبير على قصائدي، يتجلى ذلك في الرفض للواقع المليء بالزيف و القبح و الفساد، في التمرد على السائد على واقع الانثى المرير المحاصر بالصمت والتابوهات في ظل مجتمع ذكوري يسعى لطمس معالم شخصيتها و هويتها و تهميشها، كانت صرخة في وجه واقع موبوء وما كرسه من ألوان الخضوع و الخنوع، والثورات العربية هي الأخرى كان لها تأثير كبير و أخذت مساحة لا بأس بها ضمن كتاباتي.

الرجل في قصائدك. ماذا يمثل؟
الرجل هو الاب و الإبن، هو الأخ، هو الزوج والصديق، لم اعتبر يوما الرجل عدوا لي لاني مقتنعة ان الصراع بين الجنسيين صراع مفتعل.

لمن تكتب الشاعرة نعيمة الخليفي؟
اكتب للوطن، للمرأة، للحرية و الحب، للشارع العربي المأساوي، ، للإنسان و صنوف معاناته، للأرض و الشعوب المضطهدة.

كيف تقيّمين الوضع الثقافي والشعري في المغرب و الوطن العربي؟
بالرغم من ان الثقافة المغربية حاضرة بشكل مكثف في المحافل العربية و الدولية إلا أن المشهد الثقافي في المغرب لا زالت تحكمه الحسابات و العقليات الضيقة التي لا تختلف عما يجري في حقل السياسة، الإبداع المغربي عامة و الشعر خاصة لا يحضى بالعناية المنوطة به ويواجه عدة اكراهات تحول دون انطلاقته في دور ارتياد المطامح الإنسانية لجماهيرنا العربية، باختصار ذلك ناتج عن الظروف التي تعيشها قضايا الثقافة ببلادنا، التي أحاول تلخيصها في النقط التالية التقصير واللا مبالاة من الجهات المسؤولة على الشأن الثقافي التي لا تأبه بمسيرة المبدعين الشاقة، على مستوى الدعم المادي و المعنوي ، هذا الدعم تتحكم فيه العلاقات والزبونية ، لا تستفيد منه سوى بعض الأسماء المعروفة، لكون الإبداع لا يدخل ضمن برامجها الرسمية التي يغلب عليها الطابع الدعائي، بالإضافة الى أزمة النشر و التوزيع وأزمة القراءة التفكك و التطرف و التعصب الأعمى الذي يسود الساحة الثقافية والتفرقة بين الطاقات الإبداعية المنتشرة في كل ارجاء المملكة الناتج عن ظاهرة خطيرة هي ظاهرة التكتلات الجماعية الإقليمية التي يغلب عليها طابع الوصولية والإنتهازية وحب الظهور تحت الأضواء، بسبب هذا الجشع الذي لا يمت للابداع بصلة، كثيرمن الأقلام المتميزة غيبت عن الساحة وظلت مغمورة لا أحد يعرف عنها شيئا، هذه المواقف كلها لا تخدم الثقافة وتضرب في العمق العمل الجماعي و التلاقح الفكري و الفني لنمو الاتجاه المعاصر في الشعر المغربي و تطوره الخلاق من اجل مواكبة المسار التاريخي لأمتنا و قضاياها الكبرى، لكن رغم كل هذه الشوائب، أسماء كثيرة مميزة مع مطلع الألفية الجديدة استطاعت ان تصدر مجاميعها الشعرية و ترقى بالشعر المغربي من حيث الحضور و التداول الى مستوى رفيع، ، كثير من المثقفين المغاربة لم يستسلموا للوضع الثقافي المتردي، استطاعوا الاستغناء عن مؤسسات الدولة و والتخفيف من الازمة باللجوء الى تأسيس منتديات ادبية عبر الانترنيت، هذا العالم العنكبوتي الذي فتح لهم افاقا واسعة وسهل عملية الإنتشارعن طريق النشر و التواصل مع القراء في المواقع الالكترونية و المنتديات الثقافية، والاطلاع على ما ينشر من كتابات في مختلف بقاع العالم، نلاحظ نزوع الشعراء المعاصرين المغاربة الى توسيع الإهتمام بهذا الميدان الثقافي ولم يدخروا جهدا في مزاولة الإطلاع على مصادر الثقافة الانسانية بمدلولها الشامل
بالنسبة للمشهد الشعري بالمغرب، نلاحظ أن هناك انفتاح مبهر للشعراء المعاصرين على الأدب الغربي وثقافته الذي ساهم بشكل أكبر و أعمق في تطوير القصيدة النثرية التي أصبحت هي المهيمنة، هناك حركة شعرية تشق الطريق في حين ليست هناك حركة نقدية في المستوى نفسه، كما أن الساحة افرزت اقلاما لا تقل جودة و تميزا عن أقلام الشرق القصيدة النثرية لم تسلم من انتقادات بعض المتعصبين للشعر القديم، الذين أعاروا لأنفسهم قاموس الراسبوتينية في الشعر تعاملوا مع هذا الجنس الادبي بكثير من التسلط وعملوا على تشويهه بأحكام اعتباطية و اراء جاهزة بحيث منحوا لأنفسهم حق تصنيفها ضمن الشعر الغث دون الاستناد لمعايير نقدية ، متناسين ان النقد في مفهومه الأصيل هو خلق اخر للعمل الأدبي الذي لا يتأتى له أن يزدهر الا بمواكبة الشعر و المساهمة في سموه، هذه اللعبة التي يزاولها هؤلاء النقاد لعبة سهلة جدا، ففي استطاعة اي قارئ ان يصبح ناقدا بين عشية و ضحاها، لكي يتأتى للشعر المغربي ان ينضج اكثر كشكل من اشكال التعبير، لا بد للمهتمين بالدراسات النقدية تحمل مسؤولياتهم في هذا المجال مساهمة منهم في اثراء الثقافة الوطنية، التجربة الشعرية المعاصرة بالمغرب هي امتداد للتجربة العربية بحيث أن الشعر المغربي لا ينفك عن الشعر العربي ككل، لم يكن ابدا بعيدا عن التطورات التي لحقت الشعر العربي و عن التحركات التاريخية التي هزت العالم كله، إلى أن الشعراء العرب ما زالوا محافظين ومتشبتين بكثير من خصائص الشعر العربي القديم،

لمن تقرأ الشاعرة نعيمة الخليفي؟ ومن تفضله من الشعراء العرب؟
قراءتي تتوزع بين الشعر والرواية و القصة و المسرح و الكتب الفلسفية والتثقيفية، قرأت بحب للجابري و عبد اللطيف لعبي، ، لمحمود درويش وأدونيس، لأحمد عبد المعطي حجازي و صلاح عبد الصبور، لنازك الملائكة وغادة السمان ، مليكة العاصمي، محمد السرغيني، عبد الكريم الطبال، محمد الخمار الكنوني وعبد الرفيع الجوهري وغيرهم كثر.
من الصعب أن اقول أني أفضل شاعرا على آخر لأن لكل شاعر ما يميزه.

بمن تأثرت من الأدب الغربي. سواءاكان شاعرا او روائيا؟
اعجبت بإليوت لعمق كتاباته و فلسفتها الحياتية والكونية رغم اسلوبه الموسوم بالتعقيد و الغموض، سبق و أن ترجمت له بعض أعماله من بينها الأرض اليباب و الرباعيات الأربع.
كما احببت الامريكية الزنجية ادر لورد المرأة المكافحة لأجل الحرية و العدالة والمناضلة ضد الميز العنصري و كل اشكال الفساد، أحببت شخصيتها القوية و أسلوبها الشعري وجرأتها اللامحدودة و بالشاعر الأمريكي وولتهوتمن الشخصية العبقرية الفذة، للونه الشعري المتراوح بين الشعر و النثر الموسوم بالانطلاق، لا يتقيد بوزن او بقافية، لا يخلو شعره من الإيقاع، الموسيقي و الرنة الشعرية و لتفاؤله بالحياة و بالناس الى اقصى حدود التفاؤل، كمااتيحت لي الفرصة ايام الدراسة الجامعية لاقرأ للروائي جورج اوروويل و برناردشو و شكسبير وسام ويلبيكت وايملي برونتي وستاينبيك و آخرين
و عبر الادب الغربي المترجم اعجبت بشخصية طاغور شاعر الحياة و الشغوف بالتأمل الروحي، اذ وجد فيه المفاتيح الى العوالم الرحبة التي كان يصبو بكل جوارحه لبلوغها و العيش في رحابها اللامتناهية، رجل اوتي من رهافة الحس و لطافة الذوق و صفاء البصيرة و ترفعه عن توافه العيش و ترهاته و عن زيف المجتمع من غير ان يوصد ابواب قلبه ضد ما في مجتمعه من جور و ظلم وتعسف، شاعر راحت روحه تفيض شعرا إلى خارج حدود الهند.

لمن قرأت من الشعراء العرب بشكل عام؟ و العراقيين بشكل خاص؟
بطبيعة الحال اطلعت على الادب العراقي عبر المجلات و الصحف و الدواوين التي تأتينا من الشرق على سبيل المثال الأقلام، الطليعة الأدبية، مجلة الآداب، نزوى، دبي الثقافية الى اخره، وعبر ما ينشر في المواقع الالكترونية، وبحكم ان الحركة الثقافية في المغرب لم تنفصل عبر تاريخها الطويل عن الحركة الثقافية بالشرق عامة و بالعراق خاصة.لنضجه و ثرائه، لا ننكر أنه اضاف الكثير للتجربه الشعرية بالمغرب
قرأت بشكل خاص لرواد الشعر المعاصر عبد الوهاب البياتي واعجبت بأشعاره وبترجماته لقصائد نيرودا، بدر شاكر السياب، وأحمد عبد المعطي حجازي و خليل حاوي و صلاح عبد الصبور وادونيس و بشكل عام للجواهري و أحمد مطر، ولشعراء كثر تعرفت عليهم وعلى اشعارهم عبر هذا العالم الافتراضي الذي اتاح لنا فرصة التلاقح الثقافي و الانفتاح اكثر على الأدب العراقي من شعر و مسرح، رواية و قصة وفن تشكيلي من بينهم شاعرة العرب الأولى وفاء عبد الرزاق التي اكن لها محبة خاصة.

ما الذي تسعين الى تحقيقه؟
ما اسعى الى تحقيقه هو الكشف عن قصيدة تصل لروح المتلقي وتطرب أشجانه وتحرك اعماقه
نقرأ في كل الصحف والمنتديات قصائد بالجملة لكن ما عاد الشاعر المعاصر يمنحنا طرب القصيدة
بسبب عدم تفاعله وصدقه مع القصيدة التي يكتبها، وها انت تجد قصائد القباني او محمود درويش ما زالت تثيرنا لكأنها اليوم كتبت.
كلمة أخيرة تودين قولها؟
أود ان اقول ان الشعر الحقيقي تصنعه القلوب الجريحة وتتقد برمضاء تجارب الحياة لتتسلل لسحر الجمال هذا السلطان ما زال يتغرغر في مكامن العشق وينسى أحكام السلطان وينفذ إلى أنداء قلبي صبيا متمردا ويداعب كل إشتهاءاتي الجريحة، كما أتقدم للأستاذ أثير محسن الهاشمي بالشكر الجزيل على هذه الحوارية الجميلة التي أخذتني في رحلة رائعة الى عطر الزمن الجميل، وعلى مجهوداته الكبيرة في دعم المبدعين والمبدعات .

CONVERSATION

0 comments: