لماذا يرفض الإخوان في مصر،ويحتضنون في الشام؟/ راسم عبيدات

ثمة تساؤلات كثيرة  تثار على مواقف العديد من الدول العربية وبالذات السعودية حول موقفها من حركة الإخوان المسلمين،والبعض يرى بأن هناك إزدواجية في هذا الموقف،حيث ان السعودية،كانت من أشد الداعمين لكل القوى الإسلاموية (الإخوان المسلمين وجبهة نصرة وانصار الخلافة والقاعدة وغيرهم من القوى المعارضة الأخرى التي تقاتل من اجل إسقاط النظام السوري،فهي وفق المنطق السعودي،قوى تقاتل نظام"مجرم"و"طاغية" من اجل تحقيق الحرية والديمقراطية،رغم كل الخراب والدمار الذي نشرته في سوريا،والأهداف غير الشريفة لها،وغير المتصلة والمتعلقة بالديمقراطية والحرية والعدالة الإجتماعية من قريب او بعيد،بل لها صلة بخدمة مشاريع ومصالح واهداف مشبوهة ذات أبعاد عربية وإقليمية ودولية،بما  في ذلك جهاد المناكحة الذي يفكك الأسر ويقضي على النسيج المجتمعي في سوريا،ويشوه كل معاني الجهاد،وفي المقابل الان وبعد عزل مرسي ونهاية الحقبة الإخوانية في مصر،وتحول الإخوان الى قوة معارضة  وتقوم بنفس الممارسات التي تقوم بها القوى المعارضة في سوريا،فهي تنشر الخراب والدمار والفوضى في كل ارجاء مصر،فهذا لم يجعل منها وفق المنطق السعودي،قوة تناضل من اجل الحرية والديمقراطية،بل السعودية وقفت الى جانب الجيش والحكم الجديد في مصر،واصفة اياه بالجيش الذي يحمي البلاد ويحصنها من الفوضى والدمار،متهمة الإخوان بانهم حركة ارهابية تقوم باعمال من شأنها نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار في مصر،وحذت حذوها الأردن والامارات العربية،وكل دولة من تلك الدول لها موقفها الخاص من حركة الإخوان المسلمين،ولسنا بصدد تحليل وتشريح تلك المواقف،ولكن ما يهمنا هنا هو الموقف السعودي،والذي يعتقد البعض انه فيه إزدواجية ما بين الحالتين المصرية والسورية،ولماذا هذه الإزدواجية؟؟،رغم ان إخوان سوريا ومصر،لهم نفس النشأة والتطور والهدف والمرشد.وهنا لا بد من التوضيح لطبيعة الموقف السعودي،فالدور السعودي في مصر،لم يأتي على ارضية الخلافة والوراثه للدور القطري من باب النكاية والحقد واستعادة هذا الدور،أو إستنادا لطبيعة الخلاف والصراع الفقهي والمذهبي بين الوهابية وفكر سيد قطب وحسن البنا،فالسعودية،شكلت الحاضنة والمستثمر للاخوان،فهي من احتنضتهم ووفرت لهم الوظائف،بعد قمع الرئيس الراحل عبد الناصر لهم،وكذلك بعد تصفيتهم في حمص وحماة على يد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد.والدور السعودي في مصر ومعه المواقف العربية الأخرى الاماراتي والأردني والكويتي،لا يأتي في سياقات وإطار موقف عروبي،يستهدف حماية وصيانة المشروع القومي العربي،او إعادة إنبعاثه والنهوض به، بل ضخ الأموال والمساعدات السعودية والاماراتية على مصر والجيش،والإستعداد لتعويضها عن المساعدة الأمريكية التي هددت بقطعها على خلفية إسقاط الإخوان،كله يأتي في إطار المشروع الأمريكي للمنطقة وليس خروجاً عليه،فالسعودية،بعد تسلمها لقيادة هذا المشروع،بعد ان فشلت قطر في تحقيق إنجازات جدية خلال عامين ماضيين،وبالذات في الملف السوري،حيث ان الاخوان والذين شكلوا رأس الحربة للمعارضة السورية،فشلوا في تحقيق أية انجازات جدية على طريق اسقاط النظام السوري،وعضت السعودية على جراحها وقبلت ان تكون مقاول ثاني لقطر،وقدمت الدعم العسكري والمالي للاخوان الذين شكلوا رأس حربة المشروع عسكرياً وسياسياً تحت امرة قطر،ووفرت لهم الدعم السياسي عربيا ودولياً.

الفشل في إسقاط النظام السوري،وسقوط تجربة الاخوان في مصر،وفشل الاسير في إحتلال صيدا،وفشل بندر في الفتنة المذهبية في لبنان،وكذلك فشله في إقناع روسيا بالتخلي عن الأسد،رغم الإغراءات المالية الكبيرة،كلها عوامل تدخل في الحسابات الأمريكية والخليجية العربية،لما ستؤول الأوضاع عليه في مصر،هذه الاوضاع التي ربما تندفع نحو خيارات تكون خارج إطار السيطرة الأمريكية،وبما يهدد المشروع والدور الأمريكي في المنطقة لسنوات طويلة.

 ومن  الواضح أيضا ان الحكم الجديد في مصر،وكما يقول الأستاذ ناصر قنديل" هو حصيلة تقاطع رغبتين جامحتين واحدة لدى الشعب بأغلبية كاسحة بالتخلص من التجربة المقيتة للأخوان وثانية لدى الجيش بالخروج من التجارب والرهانات بعدما تكشفت الصورة لمستقبل مشروع الأخوان في المنطقة ووضع اليد على السلطة مباشرة أو من وراء الستار لحسم الأمر وإعادة الإستقرار وبناء مشروعه الذي حال دونه مشروع مبارك للتوريث وهو مشروع ينتظم كرغبة تحت مظلة ذات الخيارات الإقليمية القديمة اي العلاقة بالغرب والخليج ولا يمس كامب ديفيد لكن وفقا لمعادلة الضرورة للتفرغ للداخل واعادة بناء الدولة الوطنية التي تآكلت في ثلاثة عقود من العبث والفساد وزادها عبث الأخوان وفسادهم مصائب وتعقيدات ".

وانا رؤيتي لهذا الموقف السعودي،ليس بصحوة ضمير،او تعبير عن تغير استراتيجي في الموقف السعودي من حركة الإخوان،أو قضايا الحرية والديمقراطية ومسألة القومية العربية،فهي ترى في هذه القضايا والمفردات في حال تمددها وإنتصار القائمين عليها،خطر داهم يتهدد وجودها ومصالحها في عقر دارها،وهذا الموقف السعودي،ياتي في إطار الإحتواء والتكتيك الدفاعي،ومنع الثورة المصرية من ولوج المرحلة الثالثة من الثورة،والتي من شأنها إحداث حالة قطع مع المشروع الأمريكي،فثورة يناير/2011،أطاحت بنظام مبارك التوريثي البائد،والمرحلة الثانية،ثورة 30 يونيو /2013 أطاحت بمرسي والإخوان في زمن قياسي،عندما أصروا على اخونة الدولة والسلطة والمجتمع .

وهذا التكتيك هدفه قطع الطريق على الموجة الثالثة من ثورات الانتقال إلى الديمقراطية التي شهدتها مصر،فهي التي ستعيد الجيش إلى ثكناته، وتؤسس لنظام ديمقراطي صلب وراسخ، وهذا ما يثير هلع وفزع السعودية وبقية دول المنطقة، ولذلك الدعم المالي السعودي الكبير لمصر وللسيسي والجيش،من اجل عدم بلوغ هذا الخيار خيار السيادة والإستقلال والإستقرار،خيار يحسم لمكانة مصر وسيادتها وإستقرارها الأولوية وعندها اللعبة ستنتهي و تتحدد الخيارات.

وايضاً السعودية ومعها امريكا وباقي عربان ومشيخات الخليج،ضخت المليارات،من اجل شعبنة الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة،وحرف الصراع من صراع عربي- إسرائيلي إلى صراع عربي- فارسي،يشيطن ايران وحزب الله ويجعلهما العدو الأول للعرب والمسلمين،وبالتالي فهي مستعدة  لضخ المليارات في سبيل أن لا يقترب النظام الجديد من ايران،او يطبع علاقاته معها،فهذا معناه قبر مشروع الفتنة المذهبية،ومعناه أيضاً إنتصار لهذا المحور،محور المقاومة والممانعة،محور ايران سوريا وحزب الله والمقاومة الفلسطينية،وما قد يترتب عليه من تغير جوهري في شكل التحالفات  والمعادلات في المنطقة.

هذه هي حقيقة المواقف السعودية والعربية الخليجية الأخرى من النظام الجديد في مصر،مواقف ذات تكتيكات دفاعية إستباقية،بغرض قطع الطريق على الثورة المصرية،ومنع ولوجها لمرحلتها الثالثة،مرحلة بناء نظام ديمقراطي،يحسم خياراته لجهة السيادة والإستقلال والإستقرار،وبما يعبد الطريق نحو إنبعاث المشروع القومي العربي الوحدوي من جديد.

CONVERSATION

0 comments: