حلم ليلة صيف/ شفيق بطرس

أجتمعت الأسرة كلها فى ساعة العصارى عندما أنخفضت قليلا درجات الحرارة وبدأت تهب على الحديقة الخلفية للمنزل نسمات سبتمبر الرقيقة المنعشة لتداعب خصلات البنات من الأحفاد وتحمل فقاقيع الصابون المتطاير من حلقات (البابيلز) الذى بين أيادى الصبيان منهم وهم يمرحون ويلاحقونها وهى ترتفع فى الهواء وتتسارع الى أعلى مع نسمات المساء، بدأت تيته تجهز بعض السندوتشات للأطفال والكبار لأنها ساعة الوجبة المسائية الخفيفة ( السَبَر) وهى كعادتها مسئولة الأمن الغذائى للعائلة، صرخ أحد الأحفاد بشدة لأنه لاحظ  بعض من نحل العسل يهاجمه ويحاول أن يهبط على بعض اللقيمات المتبقية من الساندوتش ولكن بعض النحل هاجمه ولدغه بشدة وصرخ الطفل متوجعاً وتحركت الجدة والجد والكبار لتهدئة روع الطفل المتألم ومحاولة ترطيب وتخفيف آلآمه من جراء لدغة النحلة ولكن الجميع قد تفاجىء بأسراب من الدبابير والنحل تهاجم بشدة الوجوه والطعام تلدغ وتوجع بلا رحمة ولا شفقة كل ما تطاله أذنابهم المسنونة المؤلمة، حاول الجميع طرد أسراب النحل المهاجمة بوحشية للرؤوس والأجساد وكل من تطاله من جسد تلدغه وتوجعه، قرر الكبار والصغار الهرولة لداخل المنزل للأحتماء بجدرانه وشبابيكه المغلقة وترك أسراب النحل تعبث بالحديقة والكراسى والترابيزات المهجورة وتختلى بكل الباكيارد بزهوره ووروده وحتى بكراسيه وترابيزاته ومظلات الشمس المفتوحة فوقها، وقف الكبار والصغار خلف النوافذ الزجاجية يلاحظون الهجوم المخيف لأفواج الدبابير.
تمت عمليات تضميد اللدغات وتبريد آلآمها الشديدة بقطع الثلج والمراهم المرطبة والأسبراى المُسكن ولكن قد نجحت الدبابير فى تنغيص فرحة الأسرة وقطع سعادتهم وسلامهم فى داخل حديقتهم وداخل حدودهم وبيتهم وبدأت التخوفات من هجمات متتالية فى أيام أخرى قادمة، وبدأ الكبار والصغار يفكرون فى حلول مؤقتة وبعدها حلول مستديمة لهذه المشكلة المُقلقة، طرح كل منهم حل من الحلول بأستعمال مبيدات أو رش مواد طاردة للدبابير وبدأت الأطفال وآبائهم وأمهاتهم بل والجدود فى فتح الأنترنت وسؤال ( أنكل جوجول) عن كيفية طرد الدبابير والنحل وعلاج لدغاتها الموجعة، سكت الجِد ( سام ) وتشاور فى سرية مع بعض الأبناء ولم يفتح فاه، مرت الأيام والأسابيع والنكد والحزن كانا عنوان الأسرة الهانئة والتى تفزع وتخاف من أى أزيز أو صوت حشرات أو أى مناظر لدبابير أو أسراب نحل قادمة من بعيد، كل هذا والأب والأبناء الكبار مشغولون فى مشروع غريب لم يخطر على بال الجدة ولا باقى أبناء العائلة أو الصغار من الأحفاد، فقد قرر الجد الأكبر وأبنائه فى زرع حديقة غَناء ممتلئة بالزهور وجميع أنواع الورود اليانعة والرياحين الخلابة بألوانها الرائعة ونسماتها العطرة لكنها بعيدة جدا عن أرض الأسرة ولا تخصها من قريب أو من بعيد، تعجبت الأسرة كيف يصرف الجد وأولاده هذه المبالغ الطائلة لزرع هذه الحديقة الكبيرة فى أرض بعيدة جدا وخربة ومهملة من أصحابها ولماذا كل هذا الإسراف والتبزير فى القيام بمشروع مثل هذا فى أرض بعيدة وغريبة عنهم، أستراح الجد الأكبر وضحك من أعماقه وتبادل مع أولاده الكبار نظرات التقدير والإعجاب بنجاحهم الباهر ولكن باقى أفراد الأسرة متعجبة وتسائلت عن هذا السر الذى يختفى وراء هذا المشروع المُكلف، جائت أخيراً ردود الجد والأبناء وهى مُقنعة جدا وتبرر بزخهم وتبزيرهم وإسرافهم وتبرره جداً، فقد أستراح الجميع بمنزل الجد وأولاده وأختفت كل أسراب الدبابير المرعبة والمتوحشة وكل أسراب النحل المهاجمة والنمل المُخرب والذى يأكل الأخضر واليابس وذهبت جميعها الى الحديقة البعيدة ( حديقة الربيع) كما اسماها الجد بنفسه والذى يتجرأ أن يطلق أسماً على مشروع بعيد عن أرضه ، كان الجد وأبنائه يلاحظون من بعيد وأيضاً فى زيارات متتالية لأماكن هذه الحديقة البعيدة ليتأكدوا من نجاح مشروعهم ( حديقة الربيع) ولكنهم تفاجئوا جميعا بمن يرفض هذه الحديقة ويقتلعها من جزورها وينفض عن نفسه أسراب الدبابير المتوحشة والنحل اللادغ والنمل المُهلك ويقول للجد (سام) وأصدقائه لقد أنكشفت لعبتكم القذرة ورفضوا هذه الحديقة وهذا الربيع فقد توجع منها قلب المنطقة وتحطمت من لدغاتها فراشات مسالمة وديعة تسكن فى وادعة وفى سلام وطمئنينة منذ أن أنشئها مرقص الرسول الى وقتنا هذا وتحترق بنار الدبابير الكثير من هذه الفراشات المسالمة ويتوجع أهل هذه المنطقة من الحديقة وينتفضون رفضا لحشرات حديقة الربيع ومن أنشأها وأطلق الأسم عليها، وأنفضحت خطة الجد والأبناء الشريرة وتساقطت الدبابير واحدا بعد الآخر وتم حصار تجمعات النحل السام والنمل الفتاك وجارى أبادتهم بالمبيدات الحشرية، وأعترض أبناء هذه الأماكن والذين هاجروا وسكنوا حديقة الجد (سام) وأبنائه على كل ما أصاب مناطقهم البعيدة من خطة الجد (سام) الخبيثة والذى أراد أن يتخلص من دبابير وحشرات الأرض ويجمعها لدى الأبرياء ليفتكوا بهم ويجعلوهم يتطاحنون ويتقاتلون بعضهم بعضا بعيداً عنه وعن حديقته الخلفية، وتهاجم أسراب الدبابير من جديد وينتفض الجد بعد أن لدغه أحد الدبابير ليبعدها عن وجهه ويقفز مفزوعاً ويستيقظ من كابوس مرعب ولكنه طمئن نفسه قائلا ( أنه حلم ليلة صيف) . 
                                                                                       

CONVERSATION

0 comments: