قائـد وتابع وكلاهما رئيس/ مهندس عزمي إبراهيـم

وصل الارهاب والتعدي الإجرامي الغوغائي على مسيحيي مصر المسالمين الأبرياء إلى درجة لا يقبلها حُرٌ، مصري أو غير مصري، مسيحي أو مسلم أو حتى ملحد لا يعرف الله. ولن أسمي مسيحيي مصر "أقباط مصر". فأقباط مصر هم كل أبناء مصر الأحرار من يفتخر بمصر وبمصريته ويلقي عنه عباءة العروبة الجوفاء التي لا معنى لها ولا فخر فيها.
وهذه هي النعرة الخاطئة والحُفرة المشينة التي يقع فيها كثير من أخوتنا المسلمين دفاعاً عن إسلامهم. قبل أن يثور أخي المسلم فلينتظر حتي نهاية هذه المقدمة لمقالي. المسلم مسلم في كل مكان، في مصر كما في أي دولة أخرى. دينياً هو مسلم. لكن جنسيته أو هويته مصري أو ياباني أو صيني أو ايطالي أو تركي أو يوناني، وليس عربياً. لأن العربي هو من ينتمي وطنياً إلى دول شبه الجزيرة العربية ويحمل جنسيتها أو هويتها، كالسعودية وإمارات الخليج مهما كان دينه أو عقيدته. وغير ذلك فهو خلط بين العقيدة والهوية.
ما حدث هو الآتي: رجال هكسوس أو فرس أو أشوريون أو إغريق أو رومان أو عرب أو أتراك أو فرنسيون أو انجليز، جاؤا إلى مصر محاربين غزاة، تزوجوا أو اغتصبوا مصريات، فانجبوا مصريين ومصريات، وهؤلاء بدورهم أنجبوا مصريين ومصريات، وهكذا وهكذا أجيال بعد أجيال، بل قرون بعد قرون عفا على معالمها الزمن. فكما أنه لا يمكن لمصريين ولا يليق بهم أن يدعوا أنهم هكسوس أو فرس أو رومان أو أتراك، ألخ، فقول فصيل من المصريين أنهم عرب قولٌ خاطيء، وغير وطني، مُحِطٌ ومجحف لمصر وافتخار بمستعمر!!. كان لابد أن أقدم هذه المقدمة قبل أن أدخل في صلب المقال، لكي أثبت وأؤكد أن المصري من أي دين، مصري فقط لا غير. كل بني مصر من أي دين مصريون فقط ولا حرفٍ زيادة.
أحدث الاعتداءات الهمجية الغوغائية المتتالية على مسيحيي مصر وأملاكهم وكنائسهم كانت على كاتدرائية الأقباط الأورثوذكس بالعباسية من جماعات لا يمكن أن يكونوا من مسلمي مصر. فقد عشنا نحن مسيحيو مصر مع مسلمي مصر عصراً رائعاً لعبنا معاً وأكلنا معاً وتعلمنا معاً وضحكنا معاً وبكينا معاً وكافحنا معاً، وكانت النتيجة أننا ارتقينا ونمَونا معاً، وارتقت مصر ونَمَت ونحن معاً.
كان ذلك الجو الرائع من التعايش والتواطن والاحترام والارتقاء والنمو في أزهى صُوَرِه تحت حكام وقادة أقوياء فكراً وعقلا وحكمة ووطنية لا عضلات وصلف وغطرسة غطاءًا لتطرف وخواء. كانوا قادة أقوياء أشراف فرشوا العدل فأمِنوا وجمعوا الشعب بطوائفه حولهم، والأعظم من ذلك أنهم جمعوا الشعب بطوائفه حول بعض.. لا مسلم ولا مسيحي ولا يهودي ولا ملحد.. بل الكــــــلّ مصريون، ومصريون فقط!!!
في ذاك العصر الجميل قام بمخاطبة الشعب "المصري" مسيحيون من فوق منابر الأزهر الشريف والمساجد، ومسلمون من فوق منابر الكنائس. فكانت الوطنية في أسمى معانيها ومدلولها وتطبيقها. وكان الدين لله وحده، والوطن للجميع والقانون في الدستور. وكان المستفيد "شعب مصر" و "مصر". وكانت مصر محترمة مُقَدَّرة مُعَزَّزة محبوبة من جميع شعوب العالم وحكوماته.
من يقوم بتلك الاعتداءات الغير انسانية على المسيحيين وعلى أملاكهم وكنائسهم وأقداسهم ومحال أعمالهم ومصدر أرزاقهم فوضويون، وأقولها صراحة هم كافرون!! كافرون بدينهم وبربَّهم وبوطنهم. وكما قلت هم من جماعات ارهابية. لا يمكن أن يكونوا من مسلمي مصر الذين نبتوا على ضفاف النيل وشربوا من مائه وأكلوا من خيراته. بل هم أذناب الذئاب وجرذان الصحارى أتباع الجماعات التي تدَّعي الإسلام ديناً، ولا يتبعون الإسلام خُلقاً.
ولكن أين حاكم مصر المسئول عن استقرار الوطن وشعبه، أي ضمان أمن وسلامة الناس والمنشآت بمصر. أين الحكومة والداخلية ورجال الأمن؟؟  وإذا كانوا موجودين حول الكاتدرائية أو بالقرب منها، فلماذا كان دورهم سلبي بل عدائي؟؟  وأين تقارير المحققين؟؟  وأين شهادات المشاهدين؟؟  هل خوفاً من الرعاع؟؟  أم تضامناً معهم!!؟؟
أقولها صريحة صارخة لرئيس الجمهورية الدكتور المهندس محمد مرسي العياط: لقد فشلت في أداء أول وأهم واجباتك ومسئولياتك وهي حفظ الأمن والسلام داخل وطنك وبين شعبك. وأقول، عندما تحتاج دور العبادة إلى حماية في دولة، فذاك دليل على الفشل الكامل لرئيسها وحكومتها. لأن ذلك يؤكد فقدان الأمان والإنسانية واحترام المقدسات ومعنى المواطنة الحقيقية في تلك الدولة، سواء من بعض المواطنين فاقدي الوعي بمعنى القانون ومباديء الدين، ومن الحكومة المسئولة عن الأمن والقانون، ومن المؤسسات المسئولة عن الدين والأخلاق. لا بد أن ندرك الواقع المرير بأن الرعاع والغوغاء يحكمون مصر سواء في الشارع أو في الديوان.. مأجورين ومسوقين من الجماعات الارهابية المتطرفة، الدينية إسماً.
يا سيادة الرئيس.. الكاتدرائية ليست مجرد مبني من مباني القاهرة. بل ليست مثل أي مبنى من مباني القاهرة. أو أي مدينة من مدن العالم أجمع. الكاتدرائية في مصر هي الكرسي المقدس للأقباط الأورثوذكس ليس بمصر فقط بل بالعالم أجمع. وهي رمز المسيحية لجميع المذاهب المسيحية بالشرق. وباللغة التي يفهمها الغافلون والمخربون المتطرفون هي الكعبة ومكة والمدينة للمسيحيين بمصر وبخارج مصر.
تاريخياً، الكاتدرائية أسَّسَها القديس الإنجيلي مرقس الرسول، كاروز الديار المصرية، منذ السنين الأولى في بدء المسيحية. فهي تراث وطني مصري شأنها شأن الأهرامات. وقد شارك في إنشاء الكاتدرائية الجديدة وحفل افتتاحها شخصياً ومادياً ومالياً ومعنوياً قائد مصر والعروبة، المصري المسلم الشريف النزيه الرئيس جمال عبد الناصر وشاركه في حفل افتتاحها ملوك وقادة ورؤساء دول ورجال أديان عربية وعالمية. أضف إلى ذلك تقليد الشعب والمؤسسات لمشاعر رئيسهم، حتى أصدرت إدارة البريد طوابع بريد تذكارية مسيحية احتفاءًا بتلك المناسبة. في هذا الرجل، جمال عبد الناصر، وفي مساهمته واشتراكه في انشاء وافتتاح الكاتدرائية، تمثلت شخصية قائد ورئيس مصري مسلم مؤمن يراعى الله في أعماله ويراعي ضميره في قيادته لوطن يكن له العِزَّة والكرامة، وتمثلت حكمته ووطنيته في سياسته تجاه توحيد شعب هو مسئول عنه بكل طوائفه وعناصره.
أدرك تماماً أن كل الرؤساء بشر ولهم أخطاؤهم، وأن عبد الناصر كان له أخطاؤه. ولكن الأخطاء تختلف أحجاماً ودرجات وتأثيراً على الشعوب والأوطان. أما في عهدك يا مرسي فالكاتدرائية المقدسة التي أكرمها عبد الناصر وشعب عبد الناصر.  تُهاجَم بالطوب والشوم والسكاكين والقنابل ويُسفك فيها دماء وتهدر فيها أرواح الأبرياء الذين كانوا يصلون "صلاة الموت" على شهدائهم. كانوا جمعاً من ثكالى وأرامل وأيتام وآباء وأخوة وأبناء فقدوا أحباباً لهم على يد رعاع غوغاء ووحوش من أدنى الطبقات يُكبِّرون لله!!!. ولست أدري من هو هذا الإله الذي يُكبِّرونه عند سفك دماء البشر الأبرياء. فلا يمكن لإلهٍ أن يبارك ويحلل العنف وقتل البشر.. فيَكبُر ويَعظم بسفك الدماء!!!
في عهدك يامرسي، هُوجِمَت الكاتدرائية لأول مرة في تاريخ مصر بل هُوجِمَت تحت بصرك وبصر وزرائِك ورجال أمنك. هُوجِمَت تحت قيادتك وربما تنفيذا لأوامرك أو أوامر مرشدك وجماعتك. وهذا هو الفرق البيِّن بين رئيس دولة قوي يقود ويعدل ويحرص على روابط المودة والتآلف بين أفراد وطوائف شعب الوطن، وبين رئيس يغطي ضعفه بتبنى العنف والظلم، للمسلمين والمسيحيين سواء، ويتغافل عن قتل الأبرياء ويعفو عن القتلة والمجرمين ويطلقهم أحرارا يصولون ويجولون يبذرون سمومهم في أنحاء مصر على حساب الأبرياء.
وهو الفرق البيِّن بين قائد يجمع شعبه ويعدل بينهم من أجل وحدة وطنه، وبين والٍ من الولاة يجلس على كرسي السلطة يسمع ويطيع أوامر وتعليمات سيده ورئيسه المرشد الغير رشيد يلقنها له من قصره العاجي بالمقطم لخدمة فصيل واحد ارهابي متشدد متخلف. أضف إلى ذلك أنه يُفتِّت ويُقسِّم أوصال الوطن شعباً وأرضاً وموارداً. كرسي القيادة أكبر منك!! وثوب القيادة فضفاض عليك!! لأنك لا تقدر وطنك ولا شعبك ولا تقدر حيادية الدستور وعدالة القانون، ولا حتى عدالة الله!!
هذه هي معالم عصرك يا مرسي، خراب وطن وانهيار اقتصاد وتحرش جنسي وهتك أعراض واغتصاب أطفال وحرق ونهب وسلب وابتزاز ودمار ودوس على أقدس المقدسات الإسلامية والمسيحية. هذا ما جلبته يا مرسي على مصر أنت والمرشد وجماعة الأخوان المتأسلمين وتفريعاتها الارهابية. هل يَرضَى دينُك بهذا؟؟  هل يَرضَى نبيُّك بهذا؟؟  هل يرضَى ربُّك بهذا؟؟  بالطبع لا.. وألف لا!!  فلا دين ولا نبي ولا إله يَرضَى بهذا!!  إذاً فانت كافر بدينِك وبنبيِك وبربِّك مهما صَليت وصُمت وسجدت وركعت متظاهراً.
الأقباط (مسلميهم ومسيحييهم) مصريون. مسيحيو مصر ليسوا جالية أجنبية وافدة على مصر، وليسوا أعداء غزاة لمصر. وعلى مدى التاريخ لم يكن منهم خائن أو عميل أو جاسوس أو عاقد صفقات مشوبة تُخِل بأمن الوطن أو اقتصادياته أو حيوياته أو سلامته أو وِحدته. مسيحيو مصر مصريون. زد على ذلك أننا نحن جميعاً، مسلمين ومسيحيين أبناء مصر، أقباط مصريون. كلنا أبناء وطن واحد. كلنا أمة واحدة، وشعب واحد، ودماء واحدة، وتاريخ واحد، وكفاح واحد. فلماذا هذا الفيض من الكراهية الجماعية والحقد والارهاب وسفك الدماء تحت رئاستك؟؟  ولماذا التراخي المشين والمتعَمَّد من رئيس مصر وحكومتها والمسئولين فيها؟؟
هذا الطبع البغضائي ليس من نبت مصر ولا من طباع المصريين. بل هو مستورد من مستودع الحقد ومخازن التطرف والجهالة. وأقولها صارخة صريحة أن من فعلوا هذا ومن تراخوا عنهم ليسوا بمصريين، بل دخلاء على مصر. فمسلموا مصر الحقيقيين لا يحملون ولم يحملوا لأشقائهم المسيحيين مثل هذه المشاعر المقيتة والأفكار العفنة والنوايا الشريرة.
يا صاحب الجلالة والفخامة والفضيلة، يا طويل العمر، يا سيادة الدكتور المهندس محمد مرسي العياط، يا صاحب الأهل والعشيرة.. أقباط مصر مصريون، وهم أهلك وعشيرتك
وإن لم تؤمن بذلك فلست أهـلاً لرئاسة مصر.
مهندس عزمي إبراهيـم

CONVERSATION

0 comments: