نظرية الهابيتوس والرأسمال الرمزي عند بيير بورديو/ زهير الخويلدي

استهلال:
"ما يفتنني عند بيير بورديو هي أريحية ذكائه وسخائه واستعداده الدائم لخوض المعارك الاجتماعية... بحيث لا يرضى بأن يكون شاهدا على الحدث بل فاعلا فيه"[1].
بيير بورديو (1930 -2002) ليس مجرد عالم اجتماع متمكن من العديد من المهارات المنهجية في تخصصه وباحث متعمق في الإنسانيات ترك العديد من الكشوفات البارعة والدراسات السوسيولوجية الدقيقة وإنما هو من فئة المثقفين الملتزمين الذين حركوا المشهد الثقافي الغربي وتركوا بصماتهم على مجال المعرفة الاجتماعية بعد الحرب العالمية الثانية. ولذلك يعتبر واحد من المثقفين العضويين الذين لا يفصلون بين الالتزام الفكري والالتزام السياسي ولا يرضون بالمشاهدة من الشرفات والتفرج على المايحدث من بعيد بل يستهويهم الانخراط في الشأن العام والدفاع على قضايا مجتمعاتهم ويسعون بكل ما أوتوا من جهود الى التغيير الاجتماعي وتفكيك السلطة وتحطيم النظام ويحلمون بحياة بلا ظالمين .
كما أنه حاول الكشف عن أشكال الهيمنة السياسية والإيديولوجية بواسطة تحليل مادي للإنتاجيات الثقافية وذلك عن طريق الحفر في البنى الاجتماعية والأطر السلطوية والاهتداء الى طرق اعادة الانتاج واشكال التبرير والاستغلال، ولذلك اختار هذا الفاعل الاجتماعي تجذير انتمائه الى اليسار عبر تحوله الراديكالي في التسعينات من القرن الماضي نحو نقد الليبرالية الجديدة والتشهير ببؤس العالم الراهن وما ترتب عن ذلك من نتائج كارثية على الانسانية سببتها العولمة المتوحشة وقام بالاعتراض على المخاطر المحدقة بالكون والتلاعب بالعقول واغتصاب الحقيقة.
لعل أهم المفاهيم التي وقعها بيير بورديو ومثلت قاموس المصطلحات التي تشكلت منها مدونته السوسيولوجية وتحولت بعده الى أسلحة للفعل السياسي وتقنيات نظرية للعمل الميداني لحركة العولمة البديلة هي مصطلحات العنف الرمزي والحقل الاجتماعي وإعادة الانتاج والرأسمال الثقافي والبنيوية التكوينية والمدى الحيوي والهابيتوس  habitusأي التطبع والفاعل الاجتماعي والتمايز Distinction وسوق الخيرات الاجتماعية. بناء على ذلك قام بنقد الهيمنة الذكورية والمجتمع الاستهلاكي والبناء الاجتماعي للأجساد وتكلم بلغة علمية ناقدة عن قوة البنية واستراتيجية الانتاج وبحث في علاقة الكلام السياسي بالفضاء السياسي والرمز بالسلطة.
زد على ذلك نذكر انخراط بورديو في انتاج بحوث حول السوسيولوجيا النقدية للممارسة التربوية وخوضه في المشاكل والصعوبات التي يعاني منها المؤسسات التعليمية وحالة القصور التي تردى اليها القطاع التربوي والتغيرات التي حصلت للنظام التعليمي والطرق البيداغوجية المتبعة والتي ساهمت في استفحال الأزمات وتدهور واقع المردودية وتقلص نسب النجاح وضياع القيمة العلمية للمنتوج التعليمي. وربما يعود اليه الفضل في اثارته مفارقة حيادية العلم والتوظيف غير البريء لتطبيقاته التكنولوجية وحذر من لاحيادية استعمالات العلوم والمضمون الايديولوجي للتقنيات والتأثير الخطير على الإنتاجات الثقافية.
من جهة ثانية تعامل بورديو مع الخطاب المنادي بإفلاس الإيديولوجيا نتيجة القول بصدام الحضارات ونهاية التاريخ وموت الانسان وخسوف العقل بوصفه خطابا معبرا عن ايديولوجيا ناعمة تزعم في الظاهر الهيمنة والانتصار على الايديولوجيات الأخرى ولكنها في الباطن تخفي نزعة عنصرية جديدة وعقيدة محافظة ومدمرة قد تشكل تهديدا للقيم الكونية وتمثل خطرا على المكاسب الانسانية.
في هذا المقام البورديوي حري بنا أن نطرح التساؤلات التالية: ماذا تعني مصطلحات من قبيل مجتمع المعرفة ومجتمع المعلومات والمجتمع مابعد الحديث والمجتمع مابعد الصناعي ومجتمع الاستهلاك ومجتمع الفرجة ومجتمع المشهد؟ وماهي الأهمية والخطورة التي تمثلها وسائل الاعلام على المجتمع مثل الأنترنت والصحف والتلفزيون والفضائيات؟ كيف تتحول البرامج التلفزية والإذاعية والمقالات الصحفية من وسائل للتثقيف والتسلية الى أدوات للضبط والتحكم ومخابر لصناعة القرار السياسي وتمارس نوعا من العنف الرمزي والهيمنة الايديولوجية من طرف الطبقة التي تسير هذه الأدوات وتشتغل في هذه المخابر والوسائط الاعلامية المتعددة على الطبقات الاجتماعية المفقرة والمهمشة؟ ماهو دور الاعلام في تشكيل الرأي العام وتنميط الأذواق وبرمجة الأفكار وتسطيح العقول؟ من يتحكم في آليات السيطرة ؟ هل هم الفاعلون والمنتجون أم النظام الذي يتكون في الخلف حيث تتمترس دوائر المال والقوة والمعرفة في الدفاع عن مصالحها؟ ألا توجد بنية فوقية تتحكم في هذه الأدوات وتديرها الى جانب البنية التحتية؟ وماهو النظام السياسي والاجتماعي الذي يقبع وراء كل ذلك؟ وأي منطق يضبط ايقاع هذا النظام ويحدد مصالحه ووظائفه وأهدافه؟ وما العلاقة القائمة بين منطق النظام والايديولوجيا السائدة وحيادية التطبيقات التكنولوجية؟ وبالتالي ألم يكن من الأجدى عند بورديو أن يعرف من يملك؟ وعلى من يسيطر؟ وفي من يتحكم؟ وماذا يفعل الذين يعيشون ضمن شروط معينة من الهيمنة والتحكم؟ كيف يتحررون؟ هل يتم الانعتاق الاجتماعي والسياسي بالإصلاح الجذري أم بالثورة الدائمة؟ أليست أهم ما ابتكره بورديو ودافع عليه بشراسة هي أن مَنْ يملك المعلومة يحكم ويسيطر ويفرض رؤيته للعالم على الآخرين وأن تحديد المصير هو أمر بأيادي الفاعلين المناهضين للنظام؟
ما راهن عليه بورديو هو تغيير محور النضال من تفكيك العلاقة العامودية المتعالية بين من هم في قمة الهرم الاجتماعي ومن هم في قاعدته نحو بناء علاقة أفقية ترتكز على المحايثة الاجتماعية والتعالق الوظيفي وتحارب من هم يهيمنون على المراكز داخل النظام من أجل العمل على ادماج المستبعدين والمعطلين والمفقرين والمهمشين. وما يمكن أن تستفيد الثقافة العربية من بيير بورديو وتراثه السوسيولوجي وسيرته الذاتية النضالية ليس الاكتفاء بنقل وترجمة كتبه ومقالاته الى لغة الضاد وانما الاهتداء بجذريته السياسية ومناهضته للعولمة المتوحشة ورغبته الشديدة في تحطيم السلطة والبحث عن عالم انساني مختلف أكثر عدالة ومساواة وحرية تختفي فيه كل أشكال الاستغلال والتفاوت والتفكير بجدية في توقيع الهابيتوس الخاص بثقافة إقرأ ووضع ملامح للرأسمال الثقافي والرمزي له.
1-    نظرية الهابيتوس:

« L’habitus intègre dans l’unité originairement synthétique d’un principe générateur l’ensemble des effets des déterminations imposées par les conditions matérielles d’existence »[2]
يتمحور العمل الذي يقوم به الفاعلون في العالم الاجتماعي حول مبدأ الهابيتوس مشكلا الأرضية المادية التي تتوثق فوقها الروابط المتعددة بين الدوافع الاجتماعية وأفعال الأفراد وأعمال الجماعات.
على هذا النحو الهابيتوس هو طريقة في الوجود وحالة مجنحة للروح ووضعية اجتماعية مترابطة، ولقد كان المصدر الفلسفي لهذه الكلمة هو المفهوم الاغريقي hexis والذي يفيد المشاركة ويجعل من المعرفة البشرية ليس مجرد امتلاك عابر للأخبار وتقبل للأنوار الطبيعية فقط بل وأيضا الشرط الانساني الفاعل، وتقترب دلالة الكلمة من الفضيلة الأخلاقية التي تتميز بالكسب وبذل الجهد والمثابرة والتحصيل والمعاناة. وبالتالي لا يمكن اختزال نظرية الهابيتوس في القدرة الناتجة عن التعود على التكرار بل ترتبط بالعادة المكتسبة والامتلاك الواعي والتطبع والقدرة على الفعل الحصيف والتصرف الارادي وفق العلل الفاعلة والمقاصد الغائية ضمن شروط مادية معينة ووفق بناء صوري منظم.
 هكذا يمثل الهابيتوس مبدئا مركزيا في رؤية الانسان الكلي عن طريق الأفراد الجزئيين وتَعَيِّنهم في التاريخ الملموس ويلتصق بالنشاطات العملية ويساعد على تشخيص كلية الواقع الاجتماعي وينتج مقاربة استعراضية متعددة العوامل للإنسان ويمثل نقطة الصلة بين الأبعاد النفسية والاجتماعية وشبكة التواصل بين الأشكال اللغوية والفيزيائية والثقافية والرمزية. أضف الى ذلك أن تجربة الهابيتوس تحولت الى مطبعة تترك بصمات من نمط اجتماعي على شخصية الأفراد تحت تأثير مختلف التشكلات التي تحدث لهم في النظام الذين يندمجون به. بمعنى أخر هي طريقة دائمة في الاحساس والتفكير والفعل وحتى في التعامل مع الكون والغير. كما تؤثر الهابيتوس على مختلف مجالات الحياة الانسانية وتتدخل حتى في طرق تصرف البشر في السكن والتغذية والشغل والتربية والثقافة والترفيه والاستهلاك.
 عندئذ " الهابيتوس هو نتاج لعمل الانغراس والامتلاك الضروري لكي تتمكن المنتجات في التاريخ الجماعي التي هي بنى موضوعية (على سبيل المثال اللغة والاقتصاد، الخ.) من إعادة إنتاج نفسها في شكل تصرفات دائمة، في جميع الكائنات الحية وتخضع بشكل مستمر إلى نفس الشروط، ثم توضع في نفس الظروف المادية للوجود."[3] من جهة أخرى ان الهابيتوس هو نسيج التصرفات الفردية التي تقطع مع كل الحتميات المتعالية وتجعل من الحتمية الاجتماعية ترتكز فقط على قدرات الأفراد.
بناء على ذلك يسلط مفهوم الهابيتوس الضوء على ميكانزمات اللاّمساواة الاجتماعية وظاهرة التمايز Distinction في المراتب بين الشرائح الاجتماعية والشخصيات الفاعلة ويفسر تلك الظاهرة بالرأسمال الرمزي وما يسببه من مظاهر التكيف الاجتماعي للأفراد مع عادات وتقاليد شعب معين في اطار نسق من الاستعدادات الموجهة والمضبوطة بحيث يتحركون ضمن مقولات اجتماعية مسموح لهم بها فقط.
غني عن البيان أن الأبعاد الاجتماعية تعمل على تقعيد شخصية الفرد وبنينتها في الطفولة والشباب حتى تتمكن من اكسابها رأسمال اجتماعي وتصرفات وأذواق وأسلوب حياة يتماشى مع منطق المجتمع. لذلك يقوم كل فرد عبر مسار الاجتماعية بتقمص بطيء لمجموع الطرق التي تساعده على التفكير والإحساس والفعل وتستمر في ممارساته المستقبلية. وبالتالي تتحول الهابيتوس الى مصدر وحدة الأفعال والأفكار لدى الأفراد وتندمج بالحس العملي وبنية التصرفات العملية للأفراد في كل مجتمع.
من بين الخصائص العامة للهابيتوس يمكن أن نذكر القدرة على الاستمرارية والديمومة والبقاء والجاذبية والتأثير والتوجيه والمغناطيسية حينما يتم تقمصه والانخراط فيه من طرف الأفراد والمجموعات وتنتقل ملكيته وقابليته للإستعمال من طرف الى آخر حسب تغير المهنة وعلاقات القرابة والمصاهرة والتجارة واخضاع الفعل الذاتي والاعتقادات الشخصية الى جملة من القواعد والتحديدات الموضوعية.
من جهة أخرى يبرهن بورديو على ذلك بأن تصرفات الفاعلين تربط بينهم عروة وثقى واحدة وهي الأسلوب المشترك الذي يرتكز على مواقع طبقية مختلفة وممارسات اجتماعية متنوعة واستعمالات ثقافية للجسد والفكر واستراتيجيات لاواعية تتكون من خلال استعدادات الفاعلين عند تقمصهم للهابيتوس. من هنا ينتصر الفاعل الاجتماعي على الذات الخاضعة للبنية ويمتلك نوع من الاستقلالية والحرية في الفعل وينتصر بورديو على مقولات الذات والوعي والشخص الموروثة عن الفلسفة ويضع مفهوم الهابيتوس في مواجهة الوجودية والفنومينولوجيا عند جان بول سارتر ويقترب من الأنثربولوجيا البنيوية عند كلود ليفي شتراوس.
يترتب عن ذلك أن البنيوية التكوينية هي نظرية سوسيولوجية بنائية تجعل من العالم الاجتماعي ثمرة الطاقة العقلية الخلاقة للمجموعة العلمية ومنتوج العمل الارادي الحر للفاعلين الاجتماعيين في الظروف والوضعيات التي يوجدون عيها في المجتمع ووفق المصالح والمقاصد والرغبات والأذواق والرهانات والطموحات والوظائف التي يقومون بها ويعبرون عنها.

«  La société existe sous deux formes inséparables : d’un coté les institutions qui peuvent revêtir la forme de choses physiques, monuments, livres, instruments, etc ; de l’autre les dispositions acquises, les manières durables d’être ou de faire qui s’incarnent dans des corps (et que j’appelle des Habitus). »[4]
اذا كان المجتمع قد أصبح مع بورديو حقل لعب حر بين الفاعلين الذين يراهنون على مصالح فردية ومشتركة وإذا كان الهابيتوس هو نسق من الاستعدادات للمنسجمة مع قواعد اللعب في هذا الحقل فإن المطلوب من الفاعلين هو الانخراط في الحقل الاجتماعي وحفظ قواعد اللعبة والتعود على ممارستها واستثمار هذا اللعب من أجل تحقيق أقصى حد من المنافع الممكنة بالنسبة الى الذات والمجتمع على السواء. كما يتدخل الهابيتوس في شروط الكسب والملكية ورأس المال و جلب المصلحة وتجنب المضرة عند الفاعلين داخل شبكة اجتماعية معينة بل انها تحدد النسيج اللغوي والفكري الذي يمكن أن يتشكل منه الرأي العام وتضع نوعا من النتائج المتسرعة والتعميمات الايديولوجية عندما تباشر دراسة الواقع الاجتماعي بشكل غير موضوعي ويغلب عليه الارتجال والعفوية والانطباعية والتعميم.
مثلما يوجد هابيتوس في المفرد بالنسبة الى المجتمع ويحتم على الأفراد الخضوع له بشكل معين يوجد أيضا هابيتوس في الجمع بالنسبة الى الأفراد ويجدر بالمجتمع تنظيم هذه الكثرة وصياغة وحدة ناظمة.
الهابيتوس الفردي ثمرة التجربة الخصوصية التي يعيشها الانسان في سيرته الذاتية ومن خلال تفاعل عالمه الشخصي بالمحيط الخارجي وتطبيقه لبرامج الهابيتوس الجماعي ومؤثرات الظروف التاريخية.
الهابيتوس الوظيفي عند العامل مثلا هو رأسمال تقني ناتج عن خبرة في المهنة ومجموع من الاحالات والمرجعيات والمعتقدات التي تجعل يؤدي عمله بإتقان وينجز المطلوب ضمن تسلسل الاختصاصات.
غاية المراد من معالجة بورديو المتأنية للحقل الاجتماعي والقول بالتكيف مع العالم والتعود بأن" نظرية الهابيتوس تقصد تأسيس امكانية علم بالممارسات بالإفلات من المراوحة بين الغائية والميكانيكية"[5].  هكذا يتحول الهابيتوس الى نسق من الاستعدادات المكتسبة التي تتكون بالتعود الضمني أو المعلن ومن المخططات التوليدية يمكن أن تتطابق استراتيجياتها مع المصالح والغايات الموضوعية للفاعلين. من هذا المنطق العملي يرفض التمييز بين الايديوسEidos  بوصفه مجموعة من المخططات النظرية والايتوسEthos  بوصفه مجموعة المخططات الأكسيولوجية ويقوي النظرة الواقعية والتصور الجذري للحقل الاجتماعي.
2-    الرأسمال الثقافي:
" لابد من التذكير بوجود رأسمال ثقافي وهذا الرأسمال يوفر أرباح مباشرة...وأرباح تمايز، والتي تنجم عن ندرته، أي واقع توزيعه غير المتساوي"[6]
اذا كان الرأسمال الاقتصادي هو مجموع العائدات والثروات الاقتصادية للفرد واذا كان الرأسمال الاجتماعي هو الثروات الناتجة عن اقامة شبكة مستقرة من العلاقات التفاعلية والتعارفية فإن الرأسمال الثقافي هو رأسمال رمزي يحظى بتقدير معنوي من قبل أفراد المجتمع ويتكون من المؤهلات والقدرات التي يحصل عليها الفرد نتيجة التعليم والرغبة في المعرفة والبحث المتواصل والاجتهاد العلمي والتجربة التاريخية المتركمة والعمل الجماعي الدؤوب والمثابر.
على هذا النحو إن الرأسمال الثقافي هو مصطلح سوسيولوجي بلوره بورديو وأضافه الى مصطلحات الرأسمال المادي والرأسمال الاجتماعي والرأسمال الاقتصادي ويعني به مجموع المنابت والينابيع والمصادر الثقافية التي ينهل منها الفرد وتتوزع الى العادات والتقاليد والأعراف والسرديات والأساطير والرمز والدين والفنون. كما يفيد جملة المؤهلات الفكرية التي ينتجها المحيط الأسري والنظام التربوي وتشكل أحد أدوات التحكم والتوجيه والتأثير في الفرد ويتم مراكمتها عبر الزمن وتمريرها من شخص الى آخر عن طريق المحاكاة والمشاركة والتقليد ويمكن كذلك نقلها من جيل الى آخر عبر آلية اعادة الانتاج واحترام النفوذ. بناء على ذلك ان الرأسمال الثقافي يحصل عليه المرء بعد مراكمة للتجارب المتنوعة ومثابرة في العمل ويعطيه نوعا من الامتيازات في المجتمع ويتوزع الرأسمال الثقافي الى ثلاثة عناصر هي شكل متسجد في الهابيتوس الثقافي وتكمن وظيفته في جعل الانسان كائنا اجتماعيا ومشاركا في الفضاء العام، وشكل مموضع في مستوى ثان يتكون من منافع ثقافية وخيرات رمزية مثل الكتب والآثار الفنية والأدوات الرقمية وتتمثل مهمتها في حزن وحفظ العناصر الثقافية، وشكل مؤسساتي في مقام ثالث ويتمثل في العناوين المدرسية والمتاحف والمكتبات ودور الثقافة والمسرح والسينما وتتمثل مهمته في عرضه للمنتوجات الثقافية للفرجة والتقبل والتداول التوزيع والاستعراض والاستهلاك وبالتالي تتحول هذه المؤسسات الى سوق ثقافي. هكذا يقوم بيير بورديو بتعريف الطبقة الاجتماعية وتمايزها عن غيرها وفق حجم وبنية الرأسمال الثقافي الذي تمتلكه، وبالتالي هناك طبقة اجتماعية تكون قادرة على امتلاك نظرية مجردة بينما تحوز طبقات شعبية أخرى على منتوجات متعينة ومعطيات تجريبية لا تدوم بل تنقضي بمجرد استهلاكها من قبل المتلقين.
لقد جعل بورديو من التمايز Distinction  معيارا للنقد الاجتماعي لملكة الذوق وقام بعملية قلب لمقولات الجمال والفن والثقافة التي لم تخضع البتة الى المساءلة من قبل. وبيّن أن الجمال ليس مفهوما قبليا ولا غائية دون غاية وإنما الناس يذوقون من خلال خبراتهم الثقافية وتكوينهم العلمي والشهادة الأكاديمية الحائزين عليها وبالاعتماد على موقعهم الطبقي في المجتمع الذي ينتمون اليه. غير أن المفارقة تظهر حينما لا يتناسب الرأسمال الثقافي للطبقة المهيمنة مع الرأسمال الاقتصادي الذي تمتلكه فهو أقل بكثير وفي حالات نادرة أكبر بكثير ويرجع ذلك الى اضطراب نظام التعليم وخلل في المبادئ التوجيهية للفعل وتباين أنماط الحياة وتضارب المواقف والمصالح الايديولوجية للطبقات.
هكذا ينظم التمايز الفاعلين الاجتماعيين داخل الفضاء الاجتماعي في اطار مواقع مختلفة من أجل لعب أدوار متكاملة تجعل من الهابيتوس يحافظ على جاهزيته ويحقق تماسك النسيج العمومي، كما يربط التحليل المعرفي للمجتمع بالنقد الاجتماعي للثقافة واستعمالاتها كوسائل للهيمنة والتحكم ويخضع التمييز بين الحسن والقبيح وبين الغالي والرخيص وبين اللامع والمتهرئ الى الموقع الطبقي.
من هذا المنطلق يعرف بورديو المجتمع على أنه تركيب حقول وتنضيد مجالات مثل الاقتصاد والفن والدين والرياضة والثقافة ويحدد الحقل بكونه فضاء اجتماعي يخضع لقواعد لعبة تنافسية معينة ويسيره منطق ويتموقع فيه الفاعلون حسب دورهم في اللعب ومصالحهم ورهاناتهم من الاندماج في المجتمع. غني عن البيان أن مفهوم اعادة الانتاج هو نوع من العنف الرمزي الذي يمارسه النظام التربوي من أجل اجبار المتعلمين على الخضوع للمنطق الاجتماعي السائد والمحافظة على النظام السياسي القائم. كما تتميز نظرية الفضاء الاجتماعي بمنطق تكوين المجموعات بالاعتماد على البناء الهرمي وأساليب الحياة والصراعات التي تخترق هذه المجموعات وكيفيات اعادة انتاج التراتبية الاجتماعية.
بالرغم أن الثقافة التقليدية  تخضع للنقد من طرف الثقافة الجديدة من زاوية النمو الاقتصادي والمنزلة القانونية إلا أنها تظل مصدر الحرية الانسانية وتمنح الأفراد الملاذ الآمن للشعور بالانتماء والانفتاح. اذا كان الحقل الاجتماعي يتكون من مجموعة من القوى المتصارعة والمتنافسة فإن المبدأ المحرك للقوى هو الصراع قصد التمايز ضمن الإطار الذي يربط بين الرأسمال الثقافي بالرأسمال الاقتصادي. غير أن بورديو يكشف عن رؤيته الجذرية للمجتمع حينما ينتبه الى الفارق بين آليتي التطابق Conformité   والتمايز داخل الفضاء الاجتماعي وبين الفاعلين الاجتماعيين والمهمّشين الذين يتم استبعادهم وازدرائهم. زد على ذلك يشير العنف الرمزي الى كل سلطة تتمكن من فرض دلالات معينة وتصبغ عليها الصفة الشرعية من خلال اخفاء علاقات القوة التي تتأسس عليها هذه السلطة. لذلك تتمثل وظيفة هذا المعطى في كونه يعكس علاقات الهيمنة التي يتم استبطانها من قبل الفاعلين حسب موقعهم في الحقل الاجتماعي ونوعية رأس المال الذي يمتلكونه ويستند الى شرعية مخططات التراتبية الاجتماعية. بناء على ذلك لا يتعلق الأمر بعنف بيذاتي Inter-subjectif يمارسه انسان ضد انسان آخر بل بعنف بنيوي مهيكل عن طريق المؤسسات وبهيمنة بنيوية تنطلق من موقع في مواجهة وظيفية لموقع آخر. كما يحدث في المجتمع صراع على التصنيف ويوجد قطبان متقابلان حيث يحتكر الأول السلطة ويمارس نوع من النفوذ في حين أن البقية تبقى في موقع متدني وتسقط في نوع من التبعية والخضوع. كما أن البنى التي يمارس من خلالها الأفراد الهيمنة على المجموعات وفق بناء هرمي وترتيب تفاضلي هي مرتبط برؤوس المال الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والرمزية التي يحوزون عليها.
على هذا النحو تمارس البنية الاجتماعية نوعا من العنف الرمزي على الأفراد لأنها مخفية عن الوعي الجماعي وغير مدركة من قبلهم ويكون مصدر شعور بالدونية والغبن والازدراء واللاّمعنى وفقدان الدلالة بالنسبة اليهم. كما ترتبط الهيمنة الذكورية بنوع من العنف الرمزي الذي يمارس على المرأة من خلال التقسيم الجنسي للعمل وإعادة انتاج نفس البنى التقليدية في النشاطات الانتاجية والمحافظة على أـولوية الذكور على الإناث في العملية التبادلية والاستهلاكية والتفاوت في التمتع بالأرباح والخيرات وفي قيمة الأجور.

« L’effet de la domination symbolique s’exerce non dans la logique pure des consciences connaissantes, mais à travers les schèmes de perception, d’appréciation et d’action qui sont constitutifs des habitus et qui fondent, en deca des décisions de la conscience et des contrôles de la volonté, une relation de connaissance profondément obscure à elle-même. »[7]
يترتب عن ذلك أن العنف السياسي ليس فقط استبداد الدولة وممارستها الاكراه والقسر والتطويع والإجبار للأفراد والجماعات على الطاعة والخضوع بل هو بالخصوص نظام اجتماعي وسياسي وثقافي يقوم بإدخال علاقات الهيمنة الى النفوس ويدفع الأفراد الى الاعتراف الطوعي بالتقسيم التفاضلي التراتبي للمجتمع بوصفه نظاما بديهيا وعلاقة طبيعية بين الحاكم والمحكومين. كما تمارس الدولة العنف الرمزي عن طريق القوانين في البنى الموضوعية وبالتوافق مع البنى اللاوعية المدخلة والمشرعنة للهيمنة ومن خلال المقولات الادراكية في البنى الذاتية المفروضة بواسطة القوانين.
على هذا النحو تمارس نظرية العنف الرمزي المشروع نوعا من النفوذ على نظرية اعادة الانتاج التي تجعل من العنف مكونا بنائيا للاجتماعي وتبني من السلطة المجهولة مؤسسات تفتن بسحرها الجميع.
عندئذ يمارس العنف الرمزي من خلال الرضا بقوانين السلطة والقبول الضمني للخاضعين بالمقولات الفكرية والدلالات الشرعية والحرص على المحافظة على النظام الاجتماعي القائم وتسلسله الهرمي.
لقد أحدث بورديو ثورة معرفية ليس فقط في علاقة النظرية بالممارسة حينما جعل المثقف المشاكس ينخرط في الصراع الاجتماعي والسياسي ويشارك في التغيير بل في التصورات الاستراتيجية التي تسعى الى تطوير العلاقة بين القوة المادية والرمزية بين الأجناس وتخلصها من الاستبعاد والعنف.
خاتمة:

«  Structure structurante, qui organise les pratiques et la perception des pratiques, l’habitus est aussi structure structurée : le principe de division en classes logiques qui organise la perception du monde social est lui-même le produit de l’incorporation de la division en classes sociales »[8].
في نهاية المطاف ساعد المنهج البنيوي التكويني بيير بورديو على النظر الى الصراعات الاجتماعية داخل الحقول الاجتماعية لا بوصفها احتدام بين الطبقات من أجل السيطرة على وسائل الإنتاج المادية وعلى ملكية رأس المال الاقتصادي وما يرافق ذلك من عنف فيزيائي مادي بل النظر اليها كنزاع حول رأس المال الثقافي بوصفه رأس المال الرمزي ومن أجل التمايز الاجتماعي وما يستوجب ذلك من عنف رمزي داخل الحقل الحيوي والمحتوى الثقافي ومن اعادة انتاج لاواعية للمنزلة الطبقية للفاعلين.
لقد أقام بورديو الثيمة الاجتماعية على جملة من العناصر هي نسق من المواقف والمصالح بالنسبة الى الفاعلين الاجتماعيين وتفاعل بين حلقات مترابطة في هذا النسق تتكون من جملة من الأبعاد الايديولوجية والرمزية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية و ومن عدد من المؤسسات والهياكل التي تتراوح بين الذاتي والموضوعي وبين الفردي والجماعي وبين الخاص والمشترك وبين الخارج والداخل.
اللافت للنظر أن حجر الزاوية في النظرية الاجتماعية الجذرية عند بيير بورديو هو الهابيتوس الذي يقف وراء وعي الأفراد بتكويناتهم الطبقية ومكانتهم الاجتماعية ويتحكم في أعمالهم وأفكارهم ويوجه سلوكاتهم ومواقفهم ويحدد ردود أفعالهم ونظرتهم الى الكون من خلال مرجعية لاواعية. ويدل مفهوم الهابيتوس على منظومة الاستعدادات البعدية  التي يكتسبها المرء عبر التجارب التاريخية وتتضمن جملة تصورات الإدراك والتقويم والفعل التي طبعها المحيط  الاجتماعي بمرور الزمن في الشخصية.
اذا كان الهابيتوس يتوسط الأفعال الفردية والعلاقات الجماعية فإنه يتحول الى شرط لازم ينتج عمليات التقويم ويضفي المشروعية على البناء الهرمي للمجتمع والتراتبية الطبقية والتمايز في المكانة والقيم.  لا يمكن التحليل الاقتصادي الماركسي وفرضية صراع الطبقات على رأس المال المادي من تفسير استراتيجية اعادة انتاج النسق الاجتماعي لذلك يلجئ بورديو الى توظيف فرضيات رأسمال الثقافي والعنف الرمزي والهابيتوس من أجل الكشف عن الصراع الطبقي الرمزي من أجل التنافس على فائض القيمة وامتلاك الرأسمال المادي والرمزي ويعتبر رأس المال الثقافي من الشروط المولد للتكرار وإعادة انتاج نفس المدى الحيوي ونفس البناء الهرمي للحقل الاجتماعي.
كما تلعب المؤسسات السياسية والقانونية والتربوية دورا بارزا في تفعيل استراتيجية اعادة الانتاج وبالخصوص المؤسسات التعليمية وذلك من خلال فرض التعسف الفكري وتمرير العنف الرمزي واجبار المتعلمين على طاعة القوانين والمحافظة على الواقع السائد وتحويل مجال التربية الى حيز تقر فيه الدولة جملة من التدابير السياسية التي ترعى بها الطبقة المهيمنة لمصالحها وتحمي بها نفسها.
 هكذا يغيب الحياد المطلق للمنظومة التربوية وتتحول المدرسة الى أداة في يد الدولة تخدم مصالح طبقية وذلك بإعادة انتاج نفس الحصص للمتنافسين وتكريس عدم تكافؤ الفرص بين المتعلمين وتتحول التربية الى بؤرة استقطاب كل التوجهات والمركز المتميز لرصد الإجماع والحفاظ على تماسك المجتمع. في هذا السياق  رفض بورديو أن تتحول الجامعة الى مؤسسة تابعة للأنظمة الادارية البيروقراطية للدولة وأن تعيد انتاج نظام الهيمنة السياسية السائدة، ولذلك عندما كان بصدد تسجيل أطروحته في الدكتوراه لفت الانتباه بموقفه الشجاع وتمرده على القوانين الجامعية السائدة وأعلن عصيانه على الأطر التنظيمية والتحكيمية. وبالتالي فقد كان بورديو من بين القلائل الذين ظهر نبوغهم وعبقريتهم في اختصاصهم السوسيولوجي رغم رفضه فكرة الحصول على شهادة الدكتوراه بتقديم بعض التنازلات وإعلان تقاليد الولاء والخضوع للسلطة الجامعية وذلك لعدم اقتناعه بهذا الصنيع  وبرر ذلك بأن الامتحانات والمباريات والشواهد هي آليات تعيد انتاج النسق المغلق وانتزاع السلطة وامتلاك الشرعية وإنتاج وإعادة انتاج نفس التدابير المعرفية والثقافية من طرف الطبقة المهيمنة.

« L’organisation même de l’institution, les filières qu’elle proposait, les enseignements qu’elle assurait, les titres qu’elle décernait, reposaient sur des coupures tranchées, des frontières nettes, la division entre le primaire et le secondaire déterminant des différences systématiques dans toutes les dimensions de la culture enseignée, des méthodes d’enseignement, des carrières promises. »[9]
لقد فسر بورديو حدوث أزمات في المشهد التربوي بنظرية التعسف الثقافي وارتباط النجاح بامتلاك رأسمال الرمزي والثقافي وكشف عن وجود علاقة بين لاتكافؤ الفرض بين المتعلمين وآليات اعادة انتاج نفس البناء الهرمي في المجتمع والتراتبية التقليدية في الميدان السياسي وانتبه الى تحول الحقل التعليمي الى حقل خصب لامتلاك الشرعية نقلها من مجموعة الى فئة أخرى ونادى بالإنصاف وتمكين المتعلمين من نفس الحظوظ وتوزيع الشرعية بشكل عادل على الفاعلين والمنتجين والمتعلمين. غاية المراد أن دور الفاعل التربوي ليست اثارة وتنمية جيل الراشدين لدى لأطفال الذين لم ينضجوا بعد عدد معين من الحالات الجسدية الفعلية والأخلاقية التي يتطلبها منه المجتمع بما يجعلهم يتكيفون مع بنيته الخاصة بل يحول التمدرس الى وضعية للالتحام والإدماج والإندماج والتجسد ويجعل رأسمال الرمزي ويتموضع في مؤسسات ويصبح نموذج مثالي للاستثمار الثقافي والأخلاقي ونسق مفتوح من الحقول الحيوية المتداخلة.

«  L’Ecole enfin, lors même qu’elle est affranchie de l’emprise de l’Eglise, continue de transmettre les présupposés de la représentation patriarcale (fondée sur l’homologie entre relation homme/femme et relation adulte/enfant) et surtout, peut-être, ceux qui sont inscrits dans ses propres structures hiérarchique »[10].
في الختام قام بورديو برحلة استكشافية احتجاجية في أروقة العولمة المتوحشة مبينا بؤس العالم وموظفا المعرفة الاستقصائية في خدمة المضطهدين بعيدا عن الاختصاص العميق ودون الاستنجاد بصفحات الكتب الجاهزة ومكتفيا بمحاورة البشر في ظروف حياتهم اليومية وقراءة ظروفهم المعيشية على ضوء التجربة التاريخية والمنعطفات الاجتماعية والسياسات المتبعة. لقد تفطن بورديو الى معاناة الناس من الكبت والحرمان وانتبه الى العنف الرمزي والاستبعاد الاجتماعي والقسوة التي تعصف بالأجساد والى الدوار الذي يغمي الأرواح والوعي المغترب الذي يطمس جوهر الانسان ويجعل من بؤس العالم مصدر بؤس للإنسان وسبب عجزه عن خلق عالم جيد.
المصادر والمراجع:

Bourdieu (Pierre), la distinction, critique sociale du jugement, les éditions de minuit, Paris, 1979.
Bourdieu (Pierre), Questions de sociologie, édition originale de Minuit, Paris, 1984, Cérès Productions Tunis, 1993.
Bourdieu (Pierre), la domination masculine, éditions du Seuil, Paris, 1998.
Bourdieu (Pierre), Esquisse d'une théorie de la pratique, Précédé de Trois études d’ethnologie kabyle, (Droz, 1972), Seuil, 2000.
[1]  من رثاء يورغن هابرماس لبيير بورديو
[2] Bourdieu (Pierre), la distinction, critique sociale du jugement, les éditions de minuit, Paris, 1979.p.512
[3] Bourdieu (Pierre), Esquisse d'une théorie de la pratique,  (Droz, 1972), Seuil, 2000,p. 282.
[4] Bourdieu (Pierre), Questions de sociologie, édition originale de Minuit, Paris, 1984, Cérès Productions Tunis, 1993.p.29.
[5] Bourdieu (Pierre), Questions de sociologie, op.cit.p.119.
[6] Bourdieu (Pierre), Questions de sociologie, op.cit.p.10.
[7] Bourdieu (Pierre), la domination masculine, éditions du Seuil, Paris, 1998 .p.43.
[8] Bourdieu (Pierre), la distinction, critique sociale du jugement, p.191.
[9] Bourdieu (Pierre), la distinction, critique sociale du jugement, p.172.
[10] Bourdieu (Pierre), la domination masculine, p.93.

CONVERSATION

0 comments: