الشخير/ عبدالقادر رالة


لا زلت أحسد أخي الصغير لا لشيء سوى أنه يدخل في النوم مباشرة بدون مقدمات ولا تقلب في الفراش ولا لقراءة لأذكار المساء أو عد الخرفان وهي قفز فوق السياج ! نومه رائع ، بعد دقيقة أو دقيقتين يشرع في الشخير...
أما أنا فإني دائما أتعذب...فلكي أنام يجب علي أولا أن أعد أحلامي وطموحاتي، وفي ليالي أخرى يجب علي أن أتخيل نهاية رواية أقرأها ولم أنهيها أو مسلسلا أتابعه وأتمنى دائما أن تكون النهايات حسب هواي ، وفي مرات عديدة أسترجع موقفا طريفا أو حزينا مر عليه دهر فأتمنى أني لو لم أفعل ذلك ولو كنت فعلت ذلك لكان أحسن ، أو لماذا ترددت في الإجابة عن سؤال الاستاذ... أو أني اجتاز امتحانا صعبا...
وهذه ليست احلام وانما مقدمات ضرورية للنوم... وليست قليلة هي المرات التي اشبع فيها نوما في القيلولة فلا أستطيع النومفي الليل، فأشرع في عد الغزلان وهي تدخل على الأسد وكنت كل مرة أصل الى الغزال السادس والسبعون فأنام...
وفي الليلة الواحدة استيقظ خمس مرات على الأقل، لأجل قضاء الحاجة ، أو يثيرني صوت في الخارج أو صراع القطط في الأسطح المجاورة... أو هروبا من وحش مخيف طاردني في المنام... فأجد أخي مستمتعا بنومه يشخر.... فأحسده على ذلك...
والشخير مثل العيوب لا نتحدث أبدا عن شخيرنا الذي يهز الغرفة ونتحدث فقط عن شخير الأخرين... كل واحد منا يحلف أغلظ الأيمان بأنه لا يشخر أبدا في نومه...وأن نومه هادئ ولا يزعج الأخرين !
وإني لأ تذكر زميلا في العمل اسمه مصطفى، يعمل لحاما فهو لا ينام باكرا ويستيقظ باكرا ولا يقيل أبدا ولم يشعر بالنعاس أو بحاجته الى النوم أبدا....
أخبرني مصطفى أن زملاءه الأربع الذين ينامون معه في المرقد قالوا بأنه الوحيد الذي يشخر فيفسد عليهم النوم الهادئ بعد يوم كامل من العمل المرهق....
وفي أحد الليالي أصيب بالأرق ولم يستطع النوم فاستمر مستلقيا على ظهره يتأمل في الظلام... وبدأ يتناهى الى سمعه شخير زملاءه الثقيل والمزعج... فنزل بهدوء من على سريره ثم أنار الغرفة، وفتح جهاز الموبايل الخاص به.... وشرع في تصوير زملاءه وهم يشخرون باستمتاع...
وبعد اسبوع تقريبا على مائدة الغداء بدأوا كعادتهم يسخرون منه شاكين شخيره المزعج... وكعادتهم دائما أقسموا بأن نومهم هادئ...
فأخرج مصطفى جهاز الموبايل وأراهم الصور.
ـ من هؤلاء؟ من هؤلاء الذين يشخرون ... ويشخرون الليل بأكمله؟
وصمتوا شاعرين بالخجل...
الشخير جزء أصيل من النوم، ومن لا يشخر ربما هو مريض ولا يشعر....وحتى الأن لم أعثر عن أي معنى للشخير في كل ما قرأته من كتب علمية...أما الاحلام اللذيذة أو الكوابيس المزعجة فهي بسبب أن العقل يقوم في الليل بترتيب وأرشفة ما قام به في النهار ، وقد يكون عمال الاٍرشيف مرهقون فيخلطون الوثائق من أحداث ماضية أو صور سينمائية أو قصص سمعت في يوم ما....فيتشكل الحلم أو الكابوس...وقد يفتح العمال درجا خاصا فتنبعث منه ذكريات الطفولة أو خصام الوالدين أو مطاردة الكلاب....

CONVERSATION

0 comments: