هناء الخطيب: الرَّسم والإبداع بل الفنّ بحدِّ ذاته هو حاجة حياتيّة ماسّة بالنسبة إليّ

حوار صبري يوسف ـ ستوكهولم
تطرحُ الفنَّانة التَّشكيليّة العراقيّة هناء الخطيب عبر بعض لوحاتها "حوارات مع الوجود"، تتضمَّن أفكاراً وحواراً مفتوحاً، يحملُ بين طيَّاته رؤية أشبه ما تكون ميثولوجية حول الوجود منذ انبعاث آدم وحواء على وجه الدُّنيا. لوحاتها منسابة مثل مياه دجلة وهو يتدفَّق شوقاً إلى مرافئ الخصوبة، خصوبة الرُّوح وهي تتسامى إلى زرقة موشَّحة في عرش السَّماء. تستخدم الفنّانة أسلوب الرِّيليف بتقنيات وإيحاءاتٍ عالية، ويعطى هذا البروز انسجاماً شفيفاً مع تشكيلات اللَّوحة، وقد استوقفني توجيه رأس إحدى لوحاتها المدبَّب نحو الأعلى وكأنَّ اللَّوحة بما تحمل من أفكارٍ في سباقٍ مع الزَّمن لزيادة سرعة الصُّعود نحوَ متاهاتِ الغد القادم، وأعطى هذا التَّشكيل في تكوين اللَّوحة جمالاً فريداً، عندما تمَّ تشكيل الإطار كجزء ممتدّ عبر يمين اللَّوحة وكأنَّها تقصد أنَّ اللَّوحة توّاقة إلى عبور أسرارِ السَّماء، لترتمي بعدها بين أحضانِ غمائم حُبلى بنداوةِ المطر. ترميزات واسقاطات عديدة تصيغها الفنَّانة بإيقاع لوني بهيج، معتمدة على زرقة شفيفة متناغمة مع بياضٍ شفيف أشبه ما يكون ببخور منبعث من الأديرة القديمة، حفاوة الحوار الكوني بين آدم وحواء، هذا الثُّنائي الَّذي سربل الحياة بأسرار ما تزال غائصة بتساؤلاتٍ خصبة، تلامس تدفُّقات جموح مبدعي العالم. تركّز الفنّانة في أغلب لوحاتها على حوار الإنسان مع أخيه الإنسان بأسلوب معبرّ وتشكيلات راقية، كأنّها تحاكي الأزمنة الغابرة عبر الحاضر لتقول كلمتها عبر إيقاعاتٍ لونيّة في غايةِ الإنسجام.  
الفنّانة هناء الخطيب، مواليد البصرة، العراق، أرض الرَّافدين الَّتي رفدَت الحضارة الأولى وما تزال تقدِّم الكثير عبر مبدعيها. ترعرعَتِ الفنّانة في عائلة فنّية فكرية سياسية، فتشرّبتْ إلى جانب الإبداع الفنّي، العمق الفكري والثَّقافي.  
حصلَتْ على دبلوم تكنولوجيا من بغداد عام 1984، وعلى بكالوريوس من أكاديميّة الفنون الجَّميلة من جامعة بغداد 1998، وعلى لقب ماستر: اختصاص رسم عام 2001.                                                             
إنتمت عام 1987 إلى قاعة التَّحرير والنَّصر ضمن جماعة أصدقاء الفنّ في بغداد. وأصبحتْ عضوة في جمعيَّة الفنَّانين التَّشكيليين العراقيين، وفي نقابة الفنَّانين العراقيين في بغداد، وفي المنظَّمة الدَّوليّة السُّويديّة للفنّانين، كما أنَّها عضوة في جمعيَّة الفنَّانين التَّشكيليين العراقيين في السُّويد. 
اشتغلت مدرِّسة في مدارس الفنون، وفي مجال لجان التَّحكيم ضمن النَّشاطات المدرسيّة التَّابعة لوزارة التَّربية والتَّعليم في العراق. وشاركت في رسم العديد من الرُّسوم الخاصَّة لقصص الأطفال، ورسمت جداريات لبعض المدارس الإبتدائية والتَّمهيديّة في بغداد. واشتغلتْ في قسم التَّصميم في شركة "ليفز" للملابس في السُّويد. وشاركَتْ في لجنة التَّحكيم للأعمال الفنِّية في جمعية الفنَّانين التَّشكيليين في السُّويد. كما شاركتْ في معارض ومهرجانات قصر الفنون داخل وخارج العراق، وقدّمت الكثير من المعارض الفرديّة والجَّماعيّة في عمان، دبي، تركيا، سورية، لبنان، السُّويد واسكندنافيا. 
شاركتْ مع فنّانين آخرين في رسم جداريّة بمناسبة زواج الأميرة فكتوريا ابنة ملك السُّويد في صالة (هوسبي غورد).
حصلتْ عام 2009 على الجَّائزة الفضّية للمعرض السَّنوي لجمعية الفنَّانين التَّشكيليين في السَّويد.
تقيم في السُّويد ـ ستوكهولم منذ عام 2002. 
  بعد متابعتي لمعارض الفنَّانة العراقيّة المتميّزة هناء الخطيب، إلتقيتها في ستوكهولم وكان هذا الحوار: 
1 ـ الفنّانة هناء الخطيب، متى وكيف تبرعم شغف اللَّون والرَّسم في عالمكِ؟
تبرعمَ منذ الطفولة، لأنّي نشأتُ وترعرعتُ في كنفِ أسرةٍ فنِّية سياسيّة، ومنذ أن كان عمري ما بين 7- 12 سنة، بدأ إسمي ورسوماتي تحتل نصف الجدار الَّذي كان يخصَّص للعرض، وكانت بداية انطلاق موهبتي الفنّية!
2 ـ كيف تلتقطين خيوط الومضة الاشراقيّة الأولى للَّوحة، أم أنَّ اللَّوحة تنمو بعيداً عن وميضِ الخيوطِ الإشراقيّة؟
عندما يأتي الإلهام ويطرق باب ذاكرتي، أينما أكون، في معبدي أو في خلوتي أو في مركبتي أو حتى بين الناس أو الطّرقات، ولربّما في حلم أو صحوة، تنتابني الرّغبة أن أرسم أفكاري على أيّة ورقة أمامي وأبدأ بالتّخطيط السريع، لتنفيذ التَّخطيط والأفكار على اللَّوحة، وغالباً ما تظهر خيوط الومضة الاشراقيّة الأولى لفكرتي على اللَّوحة مباشرة ومن ثمَّ تنمو وتنمو لتتبلور عبر فكرة أخرى مكمَّلة للأولى إلى أن يصبح العمل متكاملاً.
3 ـ  ما هي طقوسك في الرَّسم ومداعبة الألوان؟ مَن يعانق الآخر أولاً، أنتِ أم اللَّوحة، أم أنكما تتعانقان بآنٍ واحد؟
كلّ فنّان له طقوس خاصّة به، عندما أغوص في عالمي، عالم اللّون والفرشاة والحوار والمداعبة ومن ثم العناق، .. أبدأ بتحضير معبدي بمقطوعة من الموسيقى العالميّة، فهي غذائي الرُّوحي وأداة لتحفيز الإلهام الَّذي يتعانق مع أفكاري وايماءاتي، ثم أحضِّر اللَّون الَّذي يرتسم في مخيَّلتي بشغف والَّذي يجسِّد تلك الفكرة الَّتي داعبتني، والمؤهّل لتنفيذها.. وأبدأ الحوار ما بين أفكاري وفرشاتي وما بين اللَّون الَّذي أختاره بشغف ثم أداعبه مع النّوتات الموسيقيّة لتضيف عليه شيئاً من الإشراق والتَّعبير حسب الإيقاع النّغمي وأبدأ بالمعانقة .. أحياناً يكون لصدى اللَّون شيئاً من الفوضى والإثارة والجنوح وتارةً يضيف عليه شيئاً من الرُّومانسيّة والهدوء وتارةً أخرى ينطلق الى عالم الجَّدل والمجهول لينتهي بمعادلات جدليّة بحتة .. وهكذا نتعانق معاً الى أن نكتفي بما تمخّضَ من إبداع.
4 ـ الرَّسم والإبداع بالنِّسبة للكثير من الفنّانين والفنّانات حاجة حياتيّة، هل الرَّسم بالنّسبة إليك حاجة حياتيّة فعلاً؟
نعم، الرَّسم والإبداع بل الفنّ بحدِّ ذاته هو حاجة حياتيّة ماسّة بالنسبة إليّ، فهو غذائي الرُّوحي, كالغذاء الجَّسدي الَّذي نحتاجه من المأكل والمشرب ...
5 ـ هل تحنّين إلى عوالم طفولتك فتفرشينها على خدود اللَّوحة، كأنّها زهور برّية، أم أنّكِ لا تحنِّين إليها؟!
نعم، أحنُّ كثيراً إلى طفولتي، عالم النَّقاء والبراءة والسَّخاء والعزِّ، حيث كانت أجمل أيام حياتي عندما كنت بينَ أحضان أسرتي ووطني، حيث كنت البرنسيسة المدلّلة، لي ذكريات كثيرة، راسخة في ذاكرتي منذ أن كنت في السَّابعة من عمري وذكريات مياه شطّ العرب في البصرة ومن ثمَّ نهر الفرات ودجلة في بغداد، وتنفرشُ على بياض اللَّوحات.
6 ـ كيفَ تجسِّدين رؤاك الّتي حملتينها من الوطن، مع الأفكار الَّتي تنمو بين أجنحتك عبر محطَّات غربتك؟
إنَّ ما عشته في وطني، من تراكم وخزين معرفي في ذاكرتي، قد حملته معي الى ديار الغربة والاغتراب، ومع هذا أرى أنَّ التصادم والإختلاف بين الحضارتين الشرقية والغربية، قد ساهمت في بلورةِ ونضوجِ أفكاري أكثر وأكثر، وهنا ظهرت أسئلتي وجدالاتي ومعادلاتي بصوت أعلى ومفضوح، هذا هو معنى النّضوج والحرية.
7 ـ كيف تستلهمين حميميات ألوان وبوح اللًَّوحة؟!
عندما تأتي الفكرة والإلهام، يأتي معها شخوص اللَّون الَّذي يرتسم في حلمي، كأن يكون أحمراً قانياً أو رماديَّاً فضيَّاً أو أزرقاً سماويَّاً أو أسوداً وأبيضاً .. الخ
كلها لها دلالات رمزيّة سواء كانت ترمز للمطلقية أو الخلود أو لتجسيد قوَّة الخير والشَّر في الأسود والأبيض ..الخ
وهنالك علاقة حميمية ما بين الفكرة واللَّون واسقاطاتها على أرضية اللَّوحة، لتجسيد فضاءات الفكرة..!
8 ـ ترسمين منذ فترة طويلة، هل تطاوعك اللَّوحة عندما تقبلين عليها، وفي جعبتكِ الكثير من الرُّموز والأفكار والرُّؤى، أم أنَّها تستعصي عليك أحياناً في بعضِ مغاليقها، كيف تعالجين هذه المغاليق المستعصية إنْ وُجِدَتْ؟!
غالباً ما تطاوعني اللَّوحة عندما أقبل عليها، أسخِّرها كيفما أشاء، ولكن أحياناً تستعصي عليّ مواجهتها وتسخيرها بالشَّكل الَّذي أطمح فيه، ولربَّما يتعذَّر عليَ استخلاص اللَّون الَّذي أنتقيه، وهذه تحدث في حالات نادرة ولها أسبابها، فلم تكن اِعتباطية أبداً! إنَّ لها علاقة بالحالة النَّفسية أو بالحدث أو لها معنى روحاني بشكل خاص ما بين الغالب والمغلوب، أحياناً أتركها عندما أكون عاجزة على حلِّ عقدتها وأتركها لوقتٍ آخر لربَّما أجد سبيلاً للخلاص منها، وتارةً أطليها لكي أنفِّذ عليها موضوع آخر، وتارةً لا أجد سبيلاً سوى وضع توقيعي عليها..., ولدي الكثير من اللَّوحات لم تكتمل وقد وضعتُ عليها توقيعي إصراراً.
9 ـ كيفَ ترسيمن لوحتكِ، هل تضعين أفكاراً معيّنة، وتخطيطات أوليّة، ثم تبنين عبرها لوحتك، أم أنَّ اللَّوحة تولد من رحم مشاعرك الفيَّاضة مباشرةً؟
كما ذكرت آنفاً أبدأ بوضع "سكيج" تخطيط أولي حين تراودني فكرة أو إيماءة، أو حلم، ثم أنفِّذها على أرضية اللَّوحة، وممكن أنْ تتبلور أفكار وتضاف الى اللَّوحة مع الفكرة.. وتارةً عندما أطلي لوحة بلون معيَّن لكي أجهِّزها للعمل ثانية لربَّما هي الَّتي كانت تصعب عليَّ تنفيذها سابقاً. مراراً عديدة يحصل لي بأنَّ اللَّوحة قد توحي لي بفكرة معينَّة بعد طلائها وتستقطبني أي تناديني فأسرع بالتجاوب معها وكأنّما اللَّوحة هي الَّتي ترشدني وتوجِّهني، حينها أتفاجأ بعمل رائع لم يكن بالحسبان، فهنا اللَّوحة هي الَّتي تحدثني وتوجِّهني!
10 ـ هل تنبعُ أفكارُكِ وتوهُّجاتُكِ اللَّونيّة من خلال انبعاث حنين الرُّوح إلى جمال الحياة؟
نعم، من خلال انبعاث الرُّوح إلى جمال الحياة ومن خلال قباحتها أيضاً! لِما تحمل في طيَّاتها من الخير والشّر والصِّراع ما بينهما، غالباً ما يكون اللَّون أداة إثارة وتحفيز وتوجيه لي، لفكرة أو لحدث، سواء كان اللَّون مشرقاً أو حياديَّاً فكل لون له لغة وخاصية.
11 ـ كيف تستقبلُ عيناك ألوان الفصول البديعة، هل توافقيني الرَّأي أنَّ الطَّبيعة أكبر فنّان على وجه الدُّنيا؟!
نعم بالتأكيد، أوافقك الرأي أستاذي العزيز، إنَّ الطَّبيعة هي أمُّ الفنّ بعينه وأم الدُّنيا، أمَّا عن الفصول البديعة المتناقضة، فلكل فصل له مذاقه وخصوصيته، ففي الصيف حيث الإشراق والنُّور والانطلاق، وفي الرَّبيع حيث النَّسيم والاعتدال، وفي الخريف حيث الأمطار والوداع وهذا الفصل بالذات يثير حنيني في الغربة، فذلك اللَّون البرتقالي بكل درجاتة والأصفر يوحي لي بالرَّحيل والغربة، وفي الشِّتاء حيث الجّمود والرّكود ودفء المواقد، وعبر هذه الفصول تسير لعبة الحياة.
أمَّا بالنسبة لايقاعها الفنِّي ومدى تأثيرها الحسِّي لي، فغالباً عندما أريد أن أحاور الطَّبيعة، أقوم بنقل أو بتحويل الحقائق وصياغتها بطريقة تجريديّة أو تعبيريّة أي بطريقة الاختزال، فقد تحدَّثت رسوماتي كثيراً عن (الظواهر الطَّبيعية) وما تحمل من البراكين والزَّلازل والفيضانات وغيرها بطريقة تجريديّة أو تعبيريّة.
12 ـ ما أثر الوطن، بغداد، البصرة: مسقط الرَّأس، والذّكريات المنقوشة على مساحات القلب والرُّوح، فنِّياً؟
إن ما أحمله عن موطني من ذكريات، راسخة في ذاكرتي، لم تصدأ أبداً أبداً.. فقد إحتلَّت مساحات كبيرة في القلب والرُّوح, مثل ما وصفتها يا عزيزي، وقد صقلتها بفرشاتي وألوانها على لوحاتي، منها الَّتي خلفتها وتركتها في بلدي ومنها ما أعدت صياغتها بطريقة مغايرة متناقضة، ولم أجتَزْ حدودي بوصف آثارها بالرّغم من حالة التمرُّد والجدل الَّذي يسكنني، إلا أني دائماً أحافظ على حدودي وطقوسي ومنبعي وثرائي ومسقطي.
 13 ـ رسمتِ في الوطن الأم وعبر محطّات الغربة، كيف ترعرَعَتْ وتطوَّرَت اللَّوحة عبر محطّات الوطن والاغتراب؟
كما ذكرت آنفاً، هناك حالة من الإختلاف والتَّصادم بين الحضارتين والبيئتين: الشرقية والغربيّة، وما تحمل كلّ منهما من خزين معرفي وفكري قد زاد مساحة الجدل عندي، وعمّق عالمي الفني والحسِّي لدرجة التكهُّن! وهذا ما لاحظه المتلقِّي عندما يحاور لوحاتي! وهناك الكثير من المعادلات الجدلية والتصوف والتَّطرق الى عالم المجهول.
14 ـ كيف تستلهمين رؤاكِ الفنّية، هل لديك طريقة معيّنة لبناء أسلوب خاص بالفنَّانة التَّشكيلية هناء الخطيب؟!
منذ البلوغ وفي الثمانينات وأنا ألجأ الى الدَّمج ما بين عالم السوريالية وشيء من الواقعية والتعبيرية، متأثرة بالفنّانَين العالميَين مندريان وسلفادور دالي، بطريقة الفن المعاصر الحديث. وكذلك مقتدية بالعالم الكبير فيثاغورث وما تتحدَّث نظرياته عن التكوينات واشكال هندسية وحسابات فلكية وتوابع فلسفية، هذا كله قد أثار لدي الفضول وتتبع آثاره والاستنباط به، إضافة الى استخدامي مواد سريعة كثيفة ما تسمى "بلغة العصر" ووظَّفتها بطريقة فنّية مجتازة سطح اللوحة التي تسعى الى الخروج عن إطارها، .. ومن خلال هذه التشكيلات الفنّية الجديدة أكون قد جسَّدت شخصية فنّية تحمل طابعاً خاصَّاً، قد تكون الفنَّانة هناء الخطيب.
15 ـ كيف تنظرين إلى الزَّمن ـ العمر، وهو يتوارى مثل سديم الصَّباح، هل يقلقكِ أم أنَّكَ تتلقَّفينه بحميميّة إبداعيّة؟
لا أريد أنْ أخفي عليك يا عزيزي، بأني أخاف من القادم والمجهول، فهناك الثَّابت والمتغيِّر وعامل الزَّمن، والمسيَّر والمخيَّر، ونحن مسيَّرون ولا نعرف ما تخبئه الاقدار لنا، وكل شيء تابع للعدم والفناء، وما نتركه سوى الذكرى الطيّبة في عقول الآخرين على مرِّ الزَّمن، وهذا ما يلاحظه المشاهد في أعمالي وموضوعاتي الجدلية!
أما العمر، فيلعب دوراً أساسياً وكبيراً في عملية الإبداع والإنتاج، فعليَّ أن أترك بصمة صغيرة في عالم الفنِّ في يوم من الأيام قبل الرَّحيل.
16 ـ لماذا ترسمين، ولمَن ترسمين، وهل ثمّة ضرورة وأهمِّيّة للرسم والإبداع؟!
أولاً أنا أرسم كي أفجِّر ما في داخلي بصوتٍ عالٍ ولكي أرتاح، وثانياً أرسم لكي أوضِّح بعض الحقائق المخفيَّة للمتلقِّي بطريقةٍ حسّية لانتشاله من عالمه الواقعي المادِّي الى العالم الحسِّي الوجداني! ولكي يتحسَّس معنى الفن والإبداع بالحياة وماهيتها! وثالثاً، غالباً ما أحاول أن أوصل رسالة للبشر عن صراعِ القوى المتضاربة (أرى صراع الأضداد الافضل)، ما بين قوّة الخير والشّر وما تكنُّه هذه الكلمات من معاني عظيمة تؤسر العالم كلّه.
17 ـ أنتِ فنَّانة تشكيليّة متميّزة ولك خصوصيّة في بناء اللَّوحة، هل حقَّقتِ طموحاتكِ الفنّيّة أم تَسْعَينَ نحوها؟!
الحمد لله أني حققت ذاتي مبكراً، ولكنّي ما زلت أسعى لتحقيق المزيد من أحلامي وطموحاتي الفنِّية نحوَ غدٍ أفضل، فلدي الكثير والكثير لم ينجز بعد، آمل أنْ أنجزه على المدى القريب أو البعيد بإذن الله.
18 ـ ما دور الفنّ والإبداع بشكل عام في استنهاض الحياة واستنارة أوطاننا ومنحها الألق والتَّنوير الدَّائم؟
إنَّ الفنَّ والإبداع يلعب دوراً كبيراً في استنهاض الحياة لدى الشعوب في العالم، سواء كان لمعالجة حالات ظلم واستعباد أو إضطهاد لفئة أو جهة ما، كما هو الأمر في حالات الحروب وما شابه ذلك، عن طريق البوسترات السياسية الهادفة والمخطوطات وغيرها، كلها وسائل للتعبير عن مقتضيات الحدث وما يؤرشفه التَّاريخ سواء كان بالنَّصب المجسَّم أو الأبنية الأثريّة أو حتى بالعملة عبر الفن تتجسد حضارة الشعوب وواجهتها ومدى تألقها.
19 ـ لقد آن الأوان أن يأخذ الإبداع دوره العالمي لردمِ الهوَّة بين الحضارات، فهل ممكن أن يحقَّقَ الفن والإبداع حواراً ثقافيّاً فنّياً إنسانيّاً بين الشَّرق والغرب، ويقضي بالتَّالي على صراعِ الحضارات، الَّذي أراه من أقبح القباحات؟
أعتقد أنَّ هناك حواراً ثقافياً وفنياً وانسانيَّاً بين الشَّرق والغرب، وإلا لما توصلوا إلى عملية الاندماج ليومنا هذا وبشكل ملموس، ولأن نكهة الشَّرق يحتاجها الغرب وبالعكس، وما خلَّده الشَّرق من تراث وحضارة وإرث لا يمكن أن يتجاهله الغرب، فهو مؤرشف في التاريخ، مهما حاولوا إنكار تلك الأحداث والإرث الحضاري العريق. وإنَّ ما توصّل إليه العلم والتكنولوجيا الحديثة هي أدلة كافية لمعرفة حقيقة الشرق لدى الغرب، والشعوب الأخرى.
20 ـ أراك ترسمين على مساحات كبيرة، ولديك أعمال جداريّة، هل برأيك الرَّسم على مساحاتٍ كبيرة وجداريّة، مقياس على براعة الفنّان، أين تجدين نفسك أكثر عبر اللَّوحات الصَّغيرة أم الكبيرة؟!
إنَّ أختيار الأحجام الكبيرة والجداريات لدى الفنّان، ليس بالأمر السَّهل، فهي خطرة ومحسوبة عليه من حيث كيفية التَّعامل معَ تلك المساحة أو الكتلة، وطريقة الإخراج من ناحية الإنشاء والتَّوزيع والتَّوازن ..الخ. هذا بالإضافة الى الجَّهد ومدى براعة الفنّان في خلق الإبداع وتوصيل الفكرة بشكل متكامل، لأنَّ تلك الأحجام تعرِّض صاحبها للإحراج إذا لم يتقنْ عمله بشكلٍ ملموس، فالعمل الكبير مفضوح ويختلف عن العمل الصَّغير، فأنا لا أنكر بأنَّ هناك أعمال فنِّية صغيرة لا تتجاوز السنتيمترات، إلا أنها في منتهى الإبداع والدّقة وتحتوي أيضاً على جهدٍ، إلا أنَّ جهدها لا يصل إلى نفس درجة الجّهد في الأعمال الفنّية ذات المساحات الكبرى، فأنا أجد نفسي وراحتي بين تلك المساحات الكبرى لأنّها تعطيني طابعاً مميزاً لشخصيّتي الفنّية.
21 ـ كيف يحقِّق الفنَّان حضوراً في المجتمعات الغربيّة فنّياً، أمام هذا الكم الهائل من الإبداع في دنيا الاغتراب؟!
ليس من السَّهل إثبات وجود الفنَّان في البلدان الغربية، فعليه أن يتفاعل ويتغلغل في مجتمعاتهم لكي يتسنّى له ولهم التَّعرف على بعضهما بعضاً ويصقل بالتَّالي مواهبه وتطلُّعاته الإبداعيّة على أكثر من صعيد، هذا بالاضافة إلى أنَّ الفنَّان مهما وصل وحقَّقَ من نجاحاتٍ ومجدٍ، إلا أنّه يبقى منتمياً إلى موطنه وما خلَّفه من أثرٍ فنِّي هو الأهم، فعليه أن يحافظ على تراثه وخزينه المعرفي والثقافي والفنّي ويصوغه بطريقة حضارية مغايرة للحضارتين كي يخرج بنتيجة مميّزة.

CONVERSATION

0 comments: