حوار مع الكاتبة والشاعرة / هدلا القصار


أجرت الحوار: عزيزة رحموني 
في عالم تريده الشاعرة ازرقا، تتمدد أهلّة الغياب وترتسم خلجات اللقاء بمَوْج الحَرْف...
معها نفتح الحوار و نمُدّ جِسْر تواصل من غرْب العالم العربي إلى شرْقه...
لنتابع :
نودّ في البدء من "هدلا" أن تفتح قلبها و تحدثنا عن نبضها قليلا كي نتعرف عليها عن قرب :
بداية أحب أن اعرف عن نفسي كطفلة في أسرة مؤلفة من أربعة شبان وأنا، كنت أتابع مع عائلتي حفلات وجلسات الشعر الزجلي، للشاعر زغلول الدامور، كما كان يسمى باسم منطقته، وغيره من شعراء الزجل اللبناني العريق، والعتابة والميجانا وأبو الزولوف ... عبر شاشة التلفاز كل يوم سبت ليلة الأحد، أو من خلال الحفلات التي كانت تقام لهم في عدة مناطق من جبال لبنان وساحله، منذ بداية السبعينات على ما اذكر .
كما اعشق القراءة والكتابة منذ ريعان الشباب، وكنت حينذاك احتفظ بنسخ لأي قصيدة أقرأها من المجلات أو الصحف أو من الدواوين توفرت لي، حيث بدأت كتابة الشعر منذ الصف الخامس ابتدائي، وكنت على يقين بأنني لم اكتب سوى مذكراتي الشخصية... إلى أن اكتشفت فيما بعد أن ملاك الشعر كان يرافقني منذ الصغر .....
إلى أن بدأت نشر نصوصي الشعرية في التاسعة عشر من العمر، ومن ثم التحقت بكتابة المقالات الاجتماعية والأدبية في صحف ومجلات محلية لبنانية عبر صندوق البريد، وكنت سعيدة جدا عندما أرسلت أول ديواني لي بعنوان " تأملات أنثى" إلى مطبعة بيروت . بين عام 1982- 1983 ، إضافة إلى العديد من الدراسات الرؤيوية النقدية والاجتماعية، وبالأخص عن قضية المرأة والرجل في مجتمع ذكوري.
العنوسة في تزايد عبر العالم، لا المجتمعات التقليدية سلِمت منها و لا تلك المنفتحة، و التعدد لا يحل المشكل. ما رأيك كامرأة مبدعة في هذا الموضوع ؟
أن هذا التصدع اليوم الذي يواجه الشباب والشابات والمطلقات في العديد من الدول العربية، يقع على عاتق ومواقف الأهل والدولة معا .
فبرأينا يجب أولا على وسائل الأعلام والمؤسسات الاجتماعية التركيز على التوعية لمثل هذه المشكلة المستفحلة في الوطن العربي عامة، وللخروج من هذه الظاهرة، لأنها  قد تؤدي في النهاية الى انهيار أخلاقي لا يمكن ردعه ... 
ويجب على الدولة أيضاً أن تعالج الاقتصاد، وتحديد المهور، وتوفير المساعدة للمقدمين على الزواج، أولها توفير مباني سكنيه بأسعار مناسبة الهم لأنها ستساهم في حل جزء كبير من مشكلات العنوسة للجنسين معا، كما يجب على الدولة أن تهيئ وظائف للعاطلين عن العمل .
وردا على السؤال تعدد الزوجات، نقول من الطبيعي انه لا يحل مشكلة العنوسة، لا بالعكس قد يزيد من حمل هموم.الزوج.... وقد تتوالد الخلافات بينهما مع مرور الوقت، مما يؤدي في النهاية إلى الطلاق، وبهذا سيزيد من عدد المطلقات والأمراض النفسية والاجتماعية عند الطرفين، ولا شك أيضا أن الآباء والأمهات يجب أن يتحملوا جزءا كبيرا من هذه الظاهرة " العنوسة" التي تحدث لأبنائهم وبناتهم نتيجة ثقل متطلبات الزواج الباهظة من شريك المستقبل .
ثانيا: يجب على الأهل أن يحملوا للفتاة مسؤولية اختيار الزوج الذي تريده بنفسها، خاصة إذا كانت ناضجة أو موظفة أو عاملة.... لكي تتحمل المسؤولية مع من اختارته زوجا لها... ليتم التعاون بينهما منذ البداية في تحمل أعباء الزواج والحياة لبناء عشهم الزوجي .... من خلال المشاركة والتعاون الفعال بينهما، ومن اجل تأمين بناء مستقبل يسوده روح التفاهم والتضحية منذ البداية، ولان مثل هذا التعاون سيزيد الود والمحبة بينهما... وعلى الوالدين أيضاً التساهل في شروط الزواج من الشاب حتى لا يثقلوا عليه الحياة منذ البداية ويستنزفوا كل إمكانياته المادية والمعنوية.... كما يجب أن لا يتعاملوا مع ابنتهم على أنها الدجاجة التي تبيض لهم الذهب... للاستفادة منها... وان يعتبروا أنفسهم يتوجون رسالتهم الأبوية اتجاه أبنائهم بالتعاون معهم لبناء مستقبلهم دون تعويض أو مقايضة ...
- كيف تتفاءل هدلا القصار بتسع و أربعين احتمال و ما هي هذه الاحتمالات ؟
هي احتمالات تفاؤلية تسخر من الأمل المريض الذي نواجهه بكل أطياف الكلم، وكلما أردنا الخروج من ملاعب المعابر وحدود مدينة غزة....، وهي محاولة لإخراج تلك الاحباطات التي ترتكز على احتماليات اللا يقين، والتي تمنعنا ملئ الابتسامة التي أصبحت من إحدى سخريات ألم الفرد، بما انه فقد معظم الأشياء المفرحة، كالتي عددتها وجعلتها تسعة وأربعون احتمالا ساخرا، إلى أن وجدت الحل الأخير في الاحتمال الخمسين وهو : " أن أغمض إرادتي وأعلن استسلامي" بعد أن دعكت جميع الاحتمالات المرغوبة ليتحقق الأمل المراد، وهكذا نظل في حالات قابلة لاحتمال ولادة الأفكار كالينابيع ...
أتفاءلُ بتسعةٍ وأربعين احتمالاً
احتمال
أغمزُ نفسي بشهواتِ الانتظارِ
أو ... أرتبُ وصْفاتِ القلقِ كالغرباءِ
وربَّما أرتعشُ كالزهورِ بفصولِها
أمْ أموتُ كالسيد "هاشم"
واحتماال
تنتهي صلاحياتُ جوازَ سفري
و أ تـــوه
احتمالٌ أصلُ إلى الحدودِ ... وأعودُ
لأسكبَ الحنينَ من أوجاعي
وربما أُصابُ بجرحٍ " كالاسكندر المقدوني"
أو ... تتزاحمُ الأحلامُ آثاري
واحتمالٌ
تجتاحُ المدينةَ قبل أنْ أُنهيَ احتمالاتي
أو ... تُفقِدُني التفاصيلُ اسمي
وربَّما تسرقُني اللحظاتُ منْ نفسي
وأحْبَلُ من شريانِ الصنوبرِ
أو ... أتقيأُ الوهمَ من هذي الحياةِ
احتمااالٌ
أجمعُ شملَ نهاري بأسئلةِ ليلي
الملمِ السحاباتِ منْ طقوسي
أو أخبئُ تلاوينَ الحنينِ في خميلةِ الروحِ
واحتمال ٌ
أمشي في مسيرةِ لا يعرفُ نشيدَها غيري
أو ... أثورُ على منْ حولي
احتمااالٌ
تدخلُ الكهرباءُ أهازيجَ الوقتِ
... أتسلحُ بأحلامِ اليقظةِ
أو تهاجرُ الفصولُ مَقعدي
وربما أبكي كالرافدينِ عِشقي
أو ... أفاوضُ الموجَ على رحيلي
وربما يخطِفُني غرابُ العواصفِ
لأفردَ حكاياتي بألوانِ أجنحتي
واحتماااالٌ
يملأُ فمي أربعونَ ضرساً
ولا أُفطَمُ من حليبِ الوطن
وربما أروّضُ الشتاءَ في صيفي
أو ... أسْكِرُ الحنينَ من مراكبي
... أخترقُ مفهومَ النسيانِ
... أُصففُ تجاعيدَ الليلَ بيدي
واحتمالٌ
أقاطعُ نشراتِ الأخبارِ كلِّها
وألاحقُ تجذُّري في الأرضِ
لألتقطَ لؤلؤةَ الصنوبرِ
وربما ستبقى لغتي متشظّيةً بالخيالِ
أو ... أُحققُ حُلُمَ الأربعين
أرخي جفوني على شمسِ الدُّجى
وأعودُ إلى طفولتي لأرسمَ العلمَ على أوراقي
واحتمااالٌ
أبقى كحقيقةٍ أزليةٍ غيرَ قابلةٍ للفناءِ
وربما ستبكي هالاتُ الصورِ في ذاكرتي
أو ... أُدرّبُ أحصنتي على المغامرةِ
بعد أن أسْجَدَ في الجامعِ العُمَري الموروثِ بالدياناتِ
احتمالٌ
أطلقَ شهَقَاتي المشحونةِ بالوَداعِ
أجمعُ الماءَ المتكسرَ على رمالي
وربما أتمسّكُ بشعلةِ الرؤيةِ
وأتركُ اللهيبَ يترجمُ أحلامي
أو أظلُّ كالرهبانِ أُرتبُ تنهُداتي
حتى لو خذلتني جميعُ احتمالاتي
وفي الخمسين
احتمالٌ أنْ أغْمضَ إرادتي
وأُعلنَ استسلامي
- هل تُحَدّثينا عن رغبات النبوّة عند المبدعات ؟
النبوءة لا تفرق بين المبدعات أو المبدعين، لأنها المعجزة الإلهية، ورسائل العرافين والشعراء، في حالة اللاوعي، إلى أن تصبح النبؤءة ظاهرة أمامهم كالشمس والضحى، والقمر، والنهار، والليل والسماوات وانسه الأرض، وجنه المجتمعين في قلم الشاعر، المطلع من خلال نبوءته على الأسرار والحقائق وما تحيط به من رسائل ومعجزات تعطي الولاء لأفكار الشاعر المستشعر بوجود تلك النبوءة وتصوراتها المتجاوزة التحليل الفكري .
- العالم دون ألوان هل يَصْلح للعيش ؟
لا اعتقد أن أجد حياة دون ألوان، لا بل أنني أرى العالم اليوم يبتكر ألوان تفوق الطبيعة .. فكيف سنجد عالم بلا ألوان .
لا اعتقد أيضاً أن الحياة تصلح أن نعيش فيها إذا كانت خالية من الألوان وإلا ستصبح الحياة كغابة مملوءة بالحيوانات التي تلتهم الفريسة أو تودها، ...
العالم كما ألوان جلود البشر، حتى لو كانت ألوانا قاتمة تبقى ألوانا، لكنها قد تتبدل أو تتفاوت من شخص إلى شخص، لكن البعض في الجانب الأخر، نجدهم سوداويون لا يعترفون أو يرون غير الأبيض أو الأسود الذي يحمل النكد والمشاكسات دون ألوان أو أوسط الحلول .... هؤلاء هم وحدهم لا يصلح أن يعيشوا في العالم ...
- ما هي الساحات التي لا تحتمل كهنة الشعر عبر العالم ؟
الساحات التي لا تحتمل أقلام كهنة الشعر العالم العربي والعالمي، هي التي لا تتسع لموضوعات هؤلاء الاكاديميين الأدباء والشعراء الفرسان...، وهذا التشبيه أو الوصف، هو بالأساس تعبير او تحليل بوءة أفق هؤلاء الشعراء، الذين تفوقوا على الشعر نفسه... وتجاوزا أسهمت الرامية.... من خلال مخيلتهم الخصبة، والمستهلك لمعالجة المجتمعات، والسياسة، والمعرفة، واللغة، وكسر جسور الرهبة في شتى أعمالهم وسياسة كتاباتهم الموزعة بين الإناء والأخر والحب والعشق، في الشعر والنقد والمقترحات والمقالات التي تبرز المسائل العميقة للمجتمعات... على المستوى الإنساني والفردي والاجتماعي والأخلاقي ولانتمائي والغربة والوطن أنهم لم يتركوا عائقا إلا وطرحوا له حلولا على أوراقهم ... الخ، على خلاف بعض الشعراء الذين تجاوزوا منتصف العمر وما زالوا يعيشون مراهقتهم المتأخرة على حساب الشعر، وما زالوا يستهلكون قصائدهم بالكلام عن الجنس والجسد...، لجذب الجيل الشاب من القراء الذين يبحثون عن ما يحك غرائزهم..... بدل أن ينخرطوا في التعبير عن مجتمعاتهم، وما يترتب عليها من أفق، متجاهلين الواقع الحياتي والاجتماعي ما تحتويه الأرض التي يمكثون عليها، أو التي هجروها ....

- ثقافة الاعتذار هل تحلّ المشاكل؟
بما أننا نعيش في زمن النفاق ، فيمكننا أن نوزع نوايا الاعتذار إلى نوعان :
الأول الاعتراف بالخطأ دون الرجوع إليه .
والثاني عبارة عن مخدر للوصول إلى ما يبغيه المعتذر
فبرأيي أن الإنسان السوي والصادق يكفي أن يقدم ما يمحي أخطائه دون اعتذار إذا ما اضطر لذلك .
بين الرصاص و النحلة قصيدة لهدلا..كيف تقرئينها لنا ؟
قصيدة "الرصاص والنحلة "هي ترجمة لحالة عشتها كغيري في تلك اللحظة التي أخرجت هذا النص بهذه الحلة، باختلاف أسلوب الشعر عند البعض أو تفاوته من شخص إلى شخص، أو من شاعرا إلى شاعر.... تبقى تلك النحلة ذكرى لرصاص حرب الأبراج الذي شاهدته عيناي، وشهقته أنفاسي المتعبة من جراء مشاهدة الحدث... لولا لم تأت تلك النحلة لتؤنس خوفي ...
الرصــاصُ والنحلــةُ
هربْتُ لغرفتي ظُهراً
تأففْتُ صوتَ الرصاصِ
الآتي شرقـاً وغربـاً
نظرتُ مِنَ النافذةِ..
رأيتُ العصافيرَ والفراشاتِ تهرولُ
لا تعرفَ إلى أين تذهبْ ؟
كان صوتُ الرصاصِ أقوى مِنْ معرفةِ
من أين يأتـي!
تركتُ النافذةَ مفتوحةً
وإذْ بنحلةٍ على ثوبي البنفسجي تبحثُ
تبحثُ متلهفةً عن وردةٍ تسكنُها
تبحثُ كطفلٍ لا يعرفُ المهــدَ
كان الوردُ على ثوبي خِدْعَةً للنحلةِ
وطااارتْ...
طارتْ فوقَ رأسي محلقةً
وهبطتْ متسللةً
فوضعتْ رحيقَ الأفكارِ زهراًً
وطااارتْ...
طااارتْ ... وفَرَشَتْ على صدريِ جناحيها
وجدتْ في المكانِ خوفاً
وفي النفسٍ ألَمَاً
وطااارتْ...
طارتْ ... وبجناحيها صَفَّقَتْ حُزْناً
فنالتْ مِنِّي مَلَلاً
كانتْ على جسدي نحلةٌ متطفلةٌ
نظرتُ إليها بالسقفِ محلقةً
وهبطتْ...
هبطتْ على جَفْني وارتشفتْ مِنَ العينِ دمعةً
وطااارتْ..
طارتْ وحَطَّتْ على الأذُنِ وتراً
فتحولتِ الأوتارُ في إذني نَغَمَاً
وطااارتْ...
طارتْ ووضعتْ على شفتي عسلاً
فتلعثمتُ في الكلمات
لم تأخذْ إشاراتِ يدي يـأسـاً
وما زالتْ تطيرُ وتُحلقُ حولَ الضوءِ
فنالتْ مني شَفَقاً
فجأة!!
صحوتُ على صمتِ الرصاصِ
نظرتُ من النافذةِ لأتأكـد
سمعتُ صوتَ الرصاصِ يترددُ
رأيتُ النحلةَ على نبتةِ النافـذةِ... كـذلك تتـرددُ
وطااارتْ...
طارتْ
وحلقتْ في كهفِ السماءِ واختفتْ...
عاودتُ الجلوسَ ابحثُ عنها ربما تعودُ
سألتُ نفسي؟!
أكانتْ لِيَ من الخوفِ سلـوى؟
أمْ مِنْ صوتِ الرصاصِ لِي استسلمتْ؟
..................

- لكل يوم اسئلته، ما السؤال الذي راودك اليوم؟
من منا لا تراوده أسئلة كثيرة كل يوم، وكل دقيقة، قد نجد لها جوابا، وقد لا نجد! تبقى الأجوبة داخل بصر السؤال، وقصيدة " سؤال اليوم" " وأسئلة الغد" هي بالنسبة لي رؤية واضحة إلى متى سيبقى الإنسان يعيش في كبد؟! ولماذا كل هذا الضغط السياسي والمعنوي والنفسي على الشعب الفلسطيني؟ ومتى سنصل البر آمنين؟! وهناك أسئلة كثيرة تدور في مخيلتي...، وعندما لا أجد جوابا شافيا لها! ، أبتعد عنهم جميعا واهرب إلى عزلتي الجميلة لأختلي بذاتي وكتابي وأوراقي بعيدا عن سيطرة الأجواء الموجعة ....
- للزمن احذية ...هل تناسبك مقاساتها؟
قد نختار أحذيتنا بأنفسنا، وقد يفرض علينا انتعالها، وقد تريحنا وقد تؤلمنا ...
جميعنا نمشي بحذاء الزمن، هذا أو ذالك، لكن السؤال إلى أي حد يمكن أن يتحمل هذا الحذاء ثقل أجسادنا وانفعالاتنا ... ومن منا سيصمد مع الآخر؟! نحن أم حذاء الزمن؟! الذي يلازمنا في جميع أوقاتنا التي تتم باختيارنا، أم بدعوة من الآخرين، ولربما يوما ما سنستغني عن حذاء هذا الزمن!! أو نعيش الزمن بلا حذاء!! .
- ما هي تعويذة روحك ؟
هي سحر روحي الخفية، وصلاتي الرقيقة....، وهي نداء الشعر الذي يصرخني الم الولادة المباركة، في عقل اللاوعي ...
- ما هي متطلبات يومك كمبدعة؟
متطلبات يومي هي أن أنجز ما يمكن انجازه من استكمال ومضات الشعر، أو أفكار تسوقني نحو الكتابة عامة ... وان يساعدني الوقت والكهرباء أن أطبع نصوصي على جهاز الحاسوب، بدل أن تبقى على الأوراق المذهبة باصفرارها المعتق ...
وان انجح في إيصال كل فكرة كتبتها شعرا كانت، أم رؤية أدبية، أم موضوعا اجتماعيا وإنسانيا .... إلى العالم العربي عامة .
وهناك حلم أخر لدي أن التهم كتب فلاسفة العالم، وان يتوفر لي أوراق ودواوين صفراء كما أتخيلها لأساطير وشعراء و فلاسفة قدامى .
فطبيعة الإنسان يحلم بالكثير، لكن لا يتحقق منها سوى القليل، " ونحن مخيرون في التفكير،ومسيرون في التدبير " وهل يمكن للفرد أن يحقق ما يريده في أي وقت آو زمن؟ بالطبع لا، فكيف الشاعر الذي تباغته رسل القصيدة في أوقات ولحظات غير مناسبة، فأحيانا يسجل الشاعر ومضة الشعر ومن ثم يعود إليها فيما بعد، وأحيانا قد تهرب منه الومضات ولا يجدها، وهكذا يضيع الشاعر الكثير من الومضات، خاصة المرأة المبدعة التي يقع على عاتقها مسؤوليات كثيرة متفرقة كامرأة، والشعر لا يقبل شريكا ولا تراكيب ... كما يفعل البعض اليوم في كتابة الشعر الذي أصبح كرسائل البريد السريع ....
- وما هي شذرات يقظتك؟
شذرات اليقظة! هي يقظة الروح الغافية... وذهب الشعر المختبئ تحت الجلد وداخل الجسد... وهي انتفاضة شهقات الهدوء ... واشتعال الحواس، ونور الشعر.... عند الشاعر، وهي المسكن لكلمات القصائد، التي تدخل عمقي المتوهج بين أصابعي ورجفة ضلوعي ...
- موقفك من الساحة الثقافية العربية التي تعاني من شبه انعدام للمتلقي ؟
أولاً تعود إلى التكنولوجيا الحديثة " الانترنت" التي جعلت القارئ يشعر بالاكتفاء من المعلومات الثقافية والعلمية والاجتماعية على أنواعها، ومن ثم بسبب الصراع العربي والقضية الفلسطينية التي شغلت العالم، مما أضعفت أو أبعدت المتلقي عن الساحة الثقافية ... نتيجة إحباط الفرد والتصدع العام في المنطقة ... وحروبها المسيطرة على حقوق الإنسان وتطور المعرفة وغيره، فعلى ما يبدو أصبح دور المتلقي الذي لا يملك سوى ما يفرض عليه من تفاعلات، بالأخص فيما يتعلق في حاضرهم ومستقبل تعليمهم الذي يواجه التحديات التي أبعدت المتلقي عن الساحات الثقافية وشغلت تفكيره بكيفية معالجة الواقع المسيطر على العالم حتى البعيد عن السياسة، إلى أن أصبح المواطن العادي مثقف سياسي .....
- موقفك من الشبكة العنكبوتية ؟
موقفي من الشبكة العنكبوتية سبق وعبرت عنه في مقالة بعنوان " الشبكة العنكبوتية بين المستثقف والمستكتب والمبتدع" على موقع " الحوار المتمدن " بما أننا لمسنا عن كثب كيف هؤلاء المستكتبين يتجهون إلى أسهل طرق النشر، وهي السرقة أو النسخ أو القص واللاصق، من الشبكة العنكبوتية، التي حولت عقل القارئ والكاتب والجامعي والتلميذ إلى كسل فكري، وهكذا تحولت الشبكة العنكبوتية، التي وفرت على الفرد تصفيف الكتب في مكتبات المنزل وتجميع الأوراق على الطاولات والمكاتب ... لا بل حولت إلى فساد فكري عند البعض الضعيف فكريا... فبدل ان تنير أفكار القارئ والمتلقي .. الصغير والكبير، تحولت إلى لكل من أراد أن يصبح كاتبا أو روائيا أو مثقفا أو شاعرا أو أديبا في يوم وليلة على صفحات هذه الشبكة .
وهناك عارض آخر ومهم الحديث عنه وهو لم يعد المتلقي يثق بالكاتب ولا بانتمائه الفكري، والسياسي، والاجتماعي، والتحليلي، والمهني، والعلمي ... كما كان في الماضي، كنا نميز الكاتب من الأسلوب وقبل أن نقرأ اسمه... لان كل كاتب له أسلوبه الخاص، وصوته، وسياسته، وقرينته، وتميزه ... باختصار شديد أن لكل كاتب شيخ، لكننا اليوم لم نعد نرى سوى شيوخا مستنسخة.
- هل الشعر عند "هدلا" كذب أم حقيقة ؟
الشعر عامة لا يقبل الكذب، لان الشعر إن لم يحمل الطبعة، يصبح صنعة مفبركة... اذكر مقولة للشاعر الألماني " هاينه" الذي قال لأصدقائه الذين رفضوا أن يسمعوا رثائه لوطنه والمجتمع في عهد الدكتاتورية (عندما شكوت لكم الأمي تثاءبتم ولم تقولوا شيئا، وعندما وضعت شكواي في أبيات مزخرفة وجدت الكثير من المديح ) بمعنى أن الشعر يجب أن ينمو داخل الطبعة الموسيقية المحملة بأوتار المشاعر، والروح والمخيلة والتجسيد والحس واللمس... على خلاف اليوم أصبح الشعر عند البعض مجرد تصفيف كلمات في سطور لا تجمع بين الشكل والمضمون المعبر عن إلاهام الداخلي الذي يأتي من حيث لا يدري الشاعر، إلى أن تحول الشعر عند البعض إلى مطلبا وليس نبوءة ... !
- السفر و الغربة نعمة أم نقمة ؟
السفر بشكل عام نعمة، أما الغربة فهي نقمة الروح والجسد....، ونعمة القلم والإبداع
- هل تعتبرين نصوصك مرايا لك ؟
البعض منهم مرآتي، والبعض الأخر مرايا الآخرين في عيوني، وان لم يكن كذلك يكون تركيبا أو فبركة لغوية وليس شعرا ...
 - ما تعني لك غزة؟
كانت غزة بالنسبة لي فيما مضى الرقم الصعب، طالما سعيت الوصول إليه.... لكن بعد وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، رحمه الله، اختلطت الأوراق يبعضها البعض مما خلق لدى الفرد نوعا من الارتباك، بسبب مؤثرات الوضع الاجتماعي والثقافي والحضاري والاقتصادي والسياسي بطريقة والكهرباء وعذابات السفر .... عبر المعابر والأنفاق الخ، إلى أن أصبحت بالنسبة لي سجنا مع وقف التنفيذ .
- بيروت ؟
شهادتي في بيروتي مجروحة، لأنني ابنتها وهي أمي التي أراها أجمل الأمهات وأجمل المدن، وأحنهم على قلبي وفكري وجسدي ....
- الريح ؟
تلقيح النباتات، وغضب الأرواح، ومراسلة المحبين، حسب حضورها وطقوسها .
- الاعتذار ؟
نوع من المهدءات وتخفيف الآلام أن لم يكن نابعا من القلب والعقل ..
- الخواطر المدفونة ؟
الحمل الغير مكتمل .
- الصمت ؟
استراحة المحارب .
- الشعر و العشق أليفان كيف تعيش "هدلا" كلّا منهما؟
الحياة واسعة، والدنيا عالم موزع بين الحب والأمل والسعي والعشق وان ذهب العشق من قلبي! ابتكر عشقا آخر من صنيعي، أعيش معه دون منازع إلى أن يصبح عشيقا ادميا أليفاً موحدا في جسدي وروحي كحقيقية لا تزول...   وسأهديك هذا المقطع من قصيدة
" ابتكار أنثى "
يطالبني هباب الليل
باكتمال صنيعي
لينبض نحلاً من أُنوثتي
أظلل به هيكل مرآتي
وأختصر سعير المسافات
ابتكرته كشمسٍ بشرية
كعودٍ من عظام الأجنحة
أرسم ملامحه من بياض النسيج/
المفتقد من الجدران
لألملم به ريشاً رطباً
وأنطق حجراً أبيضاً/
في ليل يلدُ كل الأصوات
ليفيض نبضاً عارياً من سيلان الحياة/
من هديل صمت الجفون المرمي/
فوق جسور الشفتين
****
- هل تُحدثيننا عن "نبتة بريّة "
هذه النبتة التي ألبستني ثوبها يوم خرج صراخها الصامت بعد أن ضاق الهمس في صدرها...
هذه النبتة البرية التي أيقظت وطني الفكري والإبداعي الذي شجعني على الصمود وترميم البقاء...، كانت وما زالت تبحث عن من يشبه غربة روحها التي أخرجتها إلى الطبيعة لتبحث عما فقدته بين الكائنات اللحمية فوق اليابسة، وفي أعماق التاريخ وصولا إلى نقطة الغاية المقصودة... ذهبت لتسال سكان الغابة عن موطنها الذي كان يناديها ...
توقفت لتنفض ملابس العبارات .... ومن يسكن حنين قلبها لتلقي برأسها على وسائده ... بعد أن وجدت غربة روحها التي فقدت برعمها ... ذهبت إلى الغابة التي لا يوجد فيها من يعاقب أو يلام لتستكشف داخلها الزمني في الذاكرة، وتبحث عن مسامير أرضها في الطبيعة التي اكتشفت فيها ما يشبهها... يدنو منها ...
هذه النبتة التي نشرت ظلال نصوصها خارج ارض الوطن الأم.... وما زال الاغتراب يزاحمها، و مشكلات الواقع، والخداع، والزيف، وتعدد أقنعة الوجوه المزيفة.... وما زلت تهرب منهم جميعا إلى عرش الشعر، وهمس المحبين... لتضيء الحلم الذي يرقص بجناح مضيفة ملكوت الشعر ...
كلمة أخيرة ؟
في النهاية أوجه شكري للكاتبة والشاعرة المحاورة "عزيزة رحموني"، لإعطائي فرصه التحاور، وأتمنى لها التفوق والتقدم الدائم في خدمة العمل الإبداعي ... وأتمنى أن أكون قدمت جديدا للمتلقي والقارئ بهذا الحوار الموسع . ..
كما أوجه شكري إلى كل الذين دعموني معنويا ودفعوني وشجعوني على نشر أنفاسي الشعرية الأدبية عبر الشبكة العنكبوتية منذ العام 2006 حتى يومنا هذا لألتقي بكم اليوم عبر هذه الكلمات... هو رفيق الدرب والشباب، الكاتب والمحلل السياسي حسين حجازي، والصديق الشاعر الفلسطيني الرومانسي باسم النبريص .
نبذة عن الكاتبة هدلا القصار
البلد الأم: لبنان بيروت
الإقامة الحالية : فلسطين
العمل : نائب مدير عام دائرة الإعلام في " وزارة الشؤون الخارجية" التابعة للسلطة الوطنية
إصدارات
ديوان بعنوان " تأملات أنثى" مطبعة بيروت للطباعة والنشر في بيروت سنة 1982 (132) صفحة من الحجم المتوسط .
ديوان بعنوان " نبتـة بريـة" عن دار الشروق للنشر والتوزيع في الأردن ربيع 2008 (117) صفحة من الحجم المتوسط
( ديوان تحت الطباعة بعنوان " مهرة الحكاية " )
- عضو رابطة شعراء العالم
- عضو الموسوعة الكبرى لشعراء العرب
- عضو اتحاد الكتاب العرب
- عضو اتحاد الكاتب الفلسطينيين
- عضو كتاب الانترنت
عضو في جمعية الصداقة الفلسطينية اللبنانية

CONVERSATION

0 comments: