مناشدةٌ حُـبِّـيَّـة/ محمود شباط

تردَّدتُ قبل أن أوجهَ هذه المناشدة نظراً لحساسية الموضوع الذي تقاربه، ولكني عزمت على المضي بها قدماً بعد أن لاحظتُ تفشي تلك الظاهرة التي تهدد مستقبل لغتنا، ومستقبل أجيالنا،و المستقبل اللغوي لأولئك الأعزاء الذين لم يتذوقوا روعة لغتنا العربية ورحابتها وسلاستها.
بكل حُبٍّ واحترامٍ أتوجَّـهُ إلى شبابنا وشابَّاتنا الذين يستخدمون الحرف اللاتيني بدلاً من الحرف العربي على مواقع التواصل الاجتماعي - مع كامل تقديري واحترامي لما يرونه مناسباً لهم -  إنما ما أردتُ الإضاءة عليه هو بأن لغتَنا غنيةٌ جداً، بل هي أغنى لغات العالم بالمفردات. ولولا ذلك الغنى لما كان لابن الفارض، على سبيل المثال لا الحصر، أن يَـنْـظُـمَ أطولَ يائِـيَّـةٍ في الشعر العربي على نفس القافية، ولا أعتقد بأنَّ لها ندٌّ في الآداب الأجنبية من حيث الحجم وثبات القافية، إذ أنها تتألف من مئةٍ وخمسين بيتاً. ولمن يرغب في التمتع بهذا الشعر الجميل يمكنه أن يعودَ إلى القصيدة التي يبدؤها ابن الفارض بهذين البيتين: 
سائقُ الأضعانِ يَطوي البَـيْـدَا طَـيّ
مُـنْـعِـمَـاً عَـرِّجْ على كـثْـبانِ طَـيّ
وبِـذاتِ الشِّـيـحِ عَـنِّـي إنْ مَـرَرْتَ
بِـحَيٍّ مِـنْ عُـرَيْـبِ الجِّـزْعِ حَـيّْ .... إلخ..
إن استخدامَنا للغتِنا على مواقع التواصل الإجتماعي، وفي أي مجالٍ آخر، يمنحنا فرصةً ثمينةً لتحسين مستوى لغتنا الأم :شعراً ونثراً وإملاءً. من لا يجيد الفُصحى فليستخدم العاميّة، وهذا أضعف الإيمان. لُغـتُـنا بستانٌ غنيٌّ بثمارٍ حلوةٍ طيبةٍ يانعةٍ جاهزةٍ للقطاف. لذا فإننا ندعو الشباب والصبايا، ونرجوهم أن يتمسكوا بهويتهم وتراثهم وكيانهم عبر تعلقهم بلغتهم الجميلة. 
إن أخشى ما نخشاه من استمراريتنا في استخدام لغة الآخرين وترك لغتنا أن يُصيبَنا ما أصابَ أبا مرقال، ذلك الغراب الذي أعجَـبَـتْـهُ مِشيةَ الحجلة فحاول تقليدها ولم يُجِدْها، ونسي مِشيته. حيث وَصَفه الشاعرُ بهذه البيوت الـمُـعَـبِّـرَة : 
إن الغرابَ وكان يَـمْـشِي مِشيةً
فيما مَضَى مِـنْ سَالفِ الأجيالِ
حَسَدَ الـقَـطا(1) وأرادَ يَمْشِي مِـثْـلَها
فأصابَـهُ ضربٌ مِـنَ الـعَـقَّـالِ (1)
أضلَّ مِشْيَـتَـهُ وأخطأ مِشْـيَها
ولـذاكَ سَـمَّـوهُ أبَـا مِـرْقـالِ.
(1) الحجلة.
(2) مشية الـمُـقَـيَّـد ، كمشية الأسير.


CONVERSATION

0 comments: