توسعة مخيمات لبنان ضرورة إنسانية وسياسية وأمنية/ علي هويدي

من أصل 935 ألف لاجئ فلسطيني طردوا من فلسطين إبان النكبة في العام 1948، وصل إلى لبنان ما بين 80 إلى مائة ألف لاجئ سكنوا المخيمات والتجمعات، ومع إنشاء وكالة "الأونروا" في 8/12/1949 وتحديد سياسات عملها وفقاً لقرار الإنشاء رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتحديد مساحة المخيمات التي يجب أن يقيم عليها اللاجئون؛ بقيت تلك المخيمات على نفس المساحة، على الرغم من مرور أكثر من 66 سنة على النكبة واللجوء.

حسب إحصاء الأول من كانون الثاني/يناير 2014 بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في سجلات "الأونروا" 483,375 لاجئ، يعيشون في 12 مخيم شرعي معترف فيه من قبل الدولة اللبنانية و"الأونروا" بالإضافة إلى 58 تجمع، منها 13 تجمع تأسس بعد تدمير مخيم النبطية من قبل العدو الإسرائيلي في العام 1974، وتدمير مخيمي جسر الباشا والدكوانة (تل الزعتر) إبان الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1976.

عرّفت "الأونروا" المخيم بأنه "عبارة عن رقعة أرض خصصتها السلطات المضيفة للأونروا من أجل توفير الإقامة للاجئي فلسطين وإقامة المرافق التي تلبي إحتياجاتهم". طالت فترة اللجوء ومعها تضاعفت أعداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى حوالي خمسة أضعاف في نفس المساحة الجغرافية!. غني عن القول بالحاجة الماسة والضروروية لوجود مساحات إضافية لاستيعاب اللاجئين الذين يزداد عددهم سنةً بعد أخرى إلا أن هذا لم يتحقق، وبسبب الحظر المفروض على اللاجئين بالتمدد بالبناء إلى خارج حدود المخيم، فقد لجأ الأهالي بداية - مضطرين - للتمدد الأفقي على حساب المساحات التي كانت مخصصة لشوارع المخيم أو إلى المساحات التي كانت قد خصصتها "الأونروا" عند إنشاء المخيمات للمرافق الصحية العامة كالماء والمراحيض..، ثم التمدد الى الساحات التي كانت تعتبر متنفس للأهالي وملاعب للأطفال، ووصل الأمر في بعض العائلات للتمدد خارج حدود المخيم على الرغم من معرفتها بمخالفة القوانين، ومع ازدياد أعدد اللاجئين وبقاء مساحة المخيمات على حالها، لجأ الأهالي - أيضا مضطرين - إلى البناء العامودي غير المدروس هندسياً الذي سبب أحياناً إنهيارات لأسقف المنازل على رؤوس ساكنيها لا سيما في مخيمي برج البراجنة وشاتيلا، ولم يتم الإكتفاء بالتمدد الأفقي والعامودي والقضم التدريجي للمساحات، بل وتعداه إلى البناء فوق الأزقة والشوارع سعياً للحصول على المزيد من وحدات السكن لاستيعاب المزيد من أفراد العائلة وفي كل "مرحلة بناء جديدة" كان يرافقها العديد من المشاكل بين العائلات بسبب التزاحم.. 

مع مرور الوقت، ومع الإزدحام الشديد في المخيمات، وحرمان اللاجئ الفلسطيني من حقوقه الإقتصادية والإجتماعية من قبل الدولة اللبنانية، بدأت مشكلة البطالة بالبروز لتصل إلى أكثر من 60%، و(نسبة فقر 66.4% مقابل 35% في أوساط اللبنانيين)، ووصلت نسبة الأمية إلى أكثر من 25.5%، وتسرب مدرسي إلى 18% تراكمي، وارتفعت نسبة الإصابة بالأمراض الناتجة عن الرطوبة كالربو والضغط والسكري ،عدا عن إنتشار الأمراض النفسية كالإكتئاب وإنشاء المراكز المتخصصة للعلاج من قبل بعض المنظمات غير الحكومية...، ومعها بدأت المُخرجات السلبية بالظهور كالمشاكل الإجتماعية من تعاط للمخدرات والممنوعات، وارتفاع نسبة الطلاق، والزواج المبكر، والمشاكل العائلية..، وغيرها من الآفات لتتحول مع مرور الوقت وإشتداد المعاناة لمشاكل أمنية يستخدم فيها السلاح في المخيمات بغير وجهته الحقيقية..، وجاء نزوح أكثر من 40 ألف لاجئ فلسطيني من سوريا واقامة أكثرهم في المخيمات ليزيد من الطين بِلة وليُفاقم من الأزمات والمشاكل..

نَعَم الضغط يولد الإنفجار، لذلك السؤال الموضوعي الذي يجب أن يُطرح ليس ما الذي يجري في مخيم عين الحلوة؟ على سبيل المثال، وإنما لماذا يحدث ما يحدث في مخيم عين الحلوة ومن المسؤول؟، فلا يُعقل أن يعيش حوالي المائة ألف لاجئ في مساحة جغرافية لا تزيد عن 1.5 كلمتر مربع، ولا نتوقع من هذا الجمع الا يكون هناك حالة من التنفيس عن الإحتقان سواءً مشاكل إجتماعية أو أمنية، ولن يكون هذا شاذاً لو كان هذا الجمع في واحدة من أرقى دول العالم تحضُّراً وتطوراً..

لذا فإن القيام بتوسعة مساحة المخيمات القائمة بطريقة منظمة ومدروسة وبالتنسيق ما بين الدولة اللبنانية ووكالة "الأونروا" والفصائل واللجان الشعبية والأهلية في المخيمات والتجمعات على قاعدة استيعاب العدد الزائد من اللاجئين من جهة، وتوفير الحقوق الإقتصادية والإجتماعية من قبل الدولة اللبنانية لا سيما حقي العمل والتملك من جهة أخرى، سيشكل عنصر حماية ليس للفلسطيني فقط، وإنما لكلٍّ من الفلسطيني واللبناني وللبنان بالعموم، مما يمكن اللاجئ الفلسطيني أولاً من العيش بكرامة وحصوله على الحد الأدنى من حقوقه كإنسان، وممارسة حقه السياسي المشروع في التعبير عن حقه في رفض التوطين والتمسك بحق العودة بالتنسيق والشراكة مع كافة أُطر المجتمع اللبناني الحكومي وغير الحكومي، وثانياً التخفيف من حدة المشاكل الإقتصادية والإجتماعية، وحتماً هذا سينعكس وبشكل مباشر على التخفيف وإلى حد كبير من المشاكل الأمنية وإنعكاسها على محيط وجوار المخيمات.

*المنسق الإقليمي لمركز العودة الفلسطيني / لندن – المنطقة العربية
كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني

CONVERSATION

0 comments: