الشيطانُ الإمبريالي الأمريكي الأكبر والأخطر/ د. عدنان الظاهر

ينفي البعضُ أنْ تكون زعيمة الإرهاب العالمي وقاتلة الشعوب وناهبة خيراتها وصاحبة أكبر وأكثر وأوسع قواعد عسكرية بريّة وبحرية وجوية في تاريخ البشرية طرّاً ... ينفي أنْ تكون هذه الأمريكا دولة إستعمارية ! 
يزعمون أنَّ أمريكا ليست دولة إستعمارية لأنها لم تستعمر أي بلد في العالم ! هل هذا الكلام صحيح ؟ بمَ يفسرون هذا العدد الهائل من القواعد العسكرية الأمريكية البرية والبحرية والجويّة المنتشرة في شتى بقاع العالم ؟ أليس هذا إستعماراً برضى بعض الحكومات كإسبانيا واليونان وتركيا وقطر وبالرغم من إرادة شعوب وحكومات بلدان أخرى مثل كوبا حيث تحتل أمريكا جزيرة كوانتانامو بالقوة وضد إرادة حكومة وشعب كوبا ... واليابان حيث تحتل أمريكا جزيرة أوكيناوا بالقوة العسكرية وترفض طلبات اليابان بإخلائها وتسليمها لأصحابها في اليابان. نعم، ولّى زمان الإستعمار البريطاني المباشر الذي حوّل الجزيرة البريطانية المعزولة الصغيرة إلى إمبراطورية لا تغيب الشمسُ عنها وكانت أمريكا نفسها ذات يوم إحدى هذه المستعمرات البريطانية حتى استقلّت عنها بالحرب المعروفة بحرب الإستقلال. كانت بريطانيا في أوج عظمتها وتمددها العسكري في العالم تحكم الشعوب حكماً مُباشراً ففي الهند نائبٌ عن الملك وفي غير الهند حكم المستعمرات مندوبون ساميون بريطانيون إنكليز وهكذا أدارت وحكمت الإمبراطورية " ممتلكاتها " المترامية الأطراف. حكاّم إنكليز وقواعد عسكرية ثم شركات إحتكارية كبرى. فما فرق الإستعمار الأمريكي عن أساليب الإستعمار البريطاني ؟
الولايات المتحدة الأمريكية نظام حكم جمهوري فدرالي لذا لم تحكم البلدان حيث قواعدها العسكرية المنتشرة بين قطبي الكرة الأرضية بنوّاب يمثلون رؤساء الجمهوريات الأمريكية. برزت أمريكا كقوة عظمى بعد الحرب العالمية الثانية واستسلام كل من ألمانيا واليابان وإنتصار الحلفاء على دول المحور الثلاث ألمانيا واليابان وإيطاليا. لم تتضرر أراضيها ولم تجرِ حروب عليها جرّاء اشتراكها في هذه الحرب نظراً لبعدها عن مسارح القتال في أوربا لذا خرجت من الحرب كأقوى دولة بين الحلفاء عسكرياً واقتصادياً ومالياً . ثم كانت الدولة الوحيدة التي تمتلك الأسلحة والقنابل النووية حتى يُقال إنَّ الرئيس الأمريكي هاري ترومان حينذاك إقترح بعد الحرب مباشرة ضربَ موسكو بالقنبلة الذرية لكنَّ مقترحه لم يُلاقِ القبول. 
لم تكن لأمريكا قبل الحرب العالمية الثانية أية قواعد عسكرية خارج حدود الأراضي الأمريكية كما هو معلوم. بل ولم يكن لديها جيش نظامي أصلاً لأنها لم تكن بحاجة له طالما أنها بلد منعزل بعيد يحميه محيطان هائلان هما الأطلسي من الشرق والمحيط الهادي من الغرب. 
إستسلمت اليابان للحلفاء دون قيد أو شرط فأقامت أمريكا قاعدة عسكرية على جزيرة أوكيناوا اليابانية ولم تزل حتى اليوم هناك. وفي حدود العام 1949 إشتعلت الحرب الكورية فدخلت أمريكا طرفاً فيها واستمرت الحرب هناك حتى عام 1952 أو 1953 وهو العام الذي فارق فيه  ستالين الحياة في موسكو وهو العام الذي تآمرت أمريكا فيه للإطاحة بحكومة الدكتور محمد مُصدّق في طهران. كانت نتيجة دخول أمريكا طرفاً فاعلاً في الحرب الكورية من جهة ولوضع توازن القوى الدولي العسكري والسياسي تمَّ حسم الحرب بتقسيم كوريا إلى إثنين شمالية إشتراكية موالية للصين وروسيا وأخرى جنوبية موالية لأمريكا. أقامت أمريكا على أراضي حليفتها الجديدة كوريا الجنوبية قاعدة عسكرية تركت فيها خمسين ألف عسكريٍّ أمريكي ما زالوا هناك حتى اليوم.
ماذا نسمّي كوريا الجنوبية ... مستعمرة أمريكية أم لا ؟
وبعد أنْ وضعت الحربُ العالمية الثانية أوزارها مباشرةً أقامت أمريكا وفرنسا وبريطانيا قواعد عسكرية على أراضي ألمانيا ولم تزلْ قائمة هناك حتى اليوم. ماذا نُسمّي ألمانيا، بلد مستعمَر أم لا ؟ ما أسباب ودواعي إقامة مثل هذه القواعد العسكرية في البلدان الأخرى ؟ أللدفاع عن أمريكا وهي بعيدة كل البعد عن هذه البلدان وعن أوربا عامةً ؟ أم شأنها شأن بقية القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في كل مكان على سطح الكرة الأرضية أُقيمت كخطوط دفاعية أمامية ( حسب مزاعم أمريكا ) وأطواق لخنق الإتحاد السوفييتي السابق زمان الحرب الباردة  ؟ كيف تساهم القواعد العسكرية الأمريكية في بلدان مثل قطر وتركيا واليونان وإسبانيا في رد الخطر السوفياتي السابق والروسي اليوم المزعوم وهل كان ثمّةَ من خطر من هذا القبيل متى وأين ؟ ماذا نُسمّي مشيخة قطر وعلى أراضيها قاعدتان بحريتان أمريكيتان عملاقتان، السيلية وعيديد  ... إمارة مستقلة أم أنها إمارة بحجم إصبع موز مُستعمرة ؟ هل نسينا مرحلة العقداء السود في اليونان ودور قادة الجيوش التركية في التحكم بسياسة هذين البلدين وخلع وتنصيب من شاؤوا من ساسة خاضعين لإرادة أمريكا ؟ هذان البلدان الجاران عضوان في حلف الناتو الذي أسسته أمريكا وبعض حلفائها في عام 1949 وهو العام الذي فجّرت فيه موسكو قنبلتها النووية الأولى ! 
ليس لديَّ إحصائية بعدد ومواقع القواعد العسكرية الأمريكية الأرضية والبحرية والجوية لكنْ يُلفت نظر المتابع موقع قاعدتها العسكرية في المحيط الهندي لا يحضرني اسم الجزيرة والقاعدة هناك لكنه على أية حال اسم معروف وكثير التداول. أظن أنَّ الإسم هو كارسيا ...
باختصار شديد : كل بلد فيه قاعدة عسكرية أمريكية أو أكثر من قاعدة إنما هو بلد تحت الإستعمار الأمريكي. القواعد العسكرية هي معسكرات وأكاديميات مُعدّة للتجسس وجمع المعلومات واصطياد العملاء من أبناء هذه البلدان وهي فوق ذلك عيون تراقب وتدرس وتحلل أوضاع البلد الذي هي فيه لئلا يخرج عن الطوق المضروب بإحكام حوله ولا يشقُّ عصا الطاعة ولا يتحالف مع بلدان أخرى تناصبها أمريكا العداء مثل روسيا اليوم وإيران وكوبا. ليس مسموحاً لكوريا الجنوبية اليوم بالتصالح وتطبيع علاقاتها مع جارتها كوريا الشمالية. وغير مسموح لتايوان بتطبيع علاقاتها مع الصين الأم ناهيك عن الوحدة معها. في " المستعمرات " الأمريكية الأخرى خاصة في أوربا تسمح أمريكا لهذه المستعمرات بالتحرك بمرونة ولكن في نطاق حدود معينة لا تستفزّ أمريكا ولا تعرّض مصالحها حسب رؤيتها للخطر. هذا هو شأن تركيا واليونان وإسبانيا.
على ساحل الجزيرة البريطانية الشرقي قاعدة بحرية أمريكية عملاقة صُممت أصلاً لإيواء غواصات بولاريس الحاملة للرؤوس النووية لا تعرف الحكومات البريطانية ما يجري في هذه القاعدة إلاّ بقدر ما تسمح به أمريكا علماً أنَّ بريطانيا ـ وهي عضو في الناتو ـ هي الحليف الستراتيجي الأقوى لأمريكا بعد إسرائيل. إسرائيل قاعدة عسكرية أمريكية بكامل أراضيها برية ـ بحرية ـ جوية لكنها تتمتع بوضع خاص جداً لا يسمح باعتبارها مستعمَرة أمريكية أخرى كباقي المستعمرات. إنها مُستَعمرة خاصة فهي أكبر من مُستعمِرها الأمريكي.
ولّت مرحلة الإستعمار البريطاني الإستيطاني والحكم المباشر أو بالعملاء المخلصين من صناعة بريطانيا [ وعاصرنا الكثيرين منهم في العراق قبل ثورة تموز 1958 ] بعد الحرب العالمية الثانية لكنه تطور على يد أمريكا ليغدو إستعماراً غير إستيطاني إنما إستعمار بالقواعد العسكرية ومع هذه  القواعد إرتباطات محكمة عسكرية ومالية واقتصادية وصناعات وشركات مختلطة منوّعة خاصة صناعة السيارات والصناعات الألكترونية والأدوية ومصالح أخرى كثيرة متشعبة لا تسمح للبلدان المستَعمَرة أمريكياً بالإستقلال عنها فهو ارتباط مصيري إرتباط موت أو حياة. لخّصَ السيد مسعود برزاني هذا الموضوع فأبدع إذْ قال [ شركة أكسيل موبايل النفطية أقوى من عشر فرق عسكرية وإذا دخلت بلداً لن تخرج منه ] ! لدى هذه الشركة عقود تنقيب واستثمار مع حكومة إقليم كردستان وهناك شركات أخرى غيرها.
تزعم أمريكا أنَّ كوريا الجنوبية هي خط دفاعها الأول، ضمن خطوط دفاعية أخرى، في المحيط الهادي في مواجهة روسيا والصين وخطر كوريا الشمالية المزعوم. طيّب، ولكن ماذا عن تركيا ؟ كانت في تركيا قاعدة عسكرية أمريكية قريبة من حدودها مع الإتحاد السوفياتي السابق وكانت فيها صواريخ نووية كشفتها روسيا في أزمة كوبا خريف عام 1962 وطالبت بنزع هذه الصواريخ وإلغاء القاعدة العسكرية تلك مقابل سحب موسكو لصواريخها النووية التي كانت تنوي نصبها في كوبا وهذا ما حصل حتى ليقال أنَّ تلك الصفقة التي تمت بين خروشوف وجون كندي كانت هي سبب اغتيال الرئيس الأمريكي جون كندي لأنَّ جنرالات البنتاكون حينذاك كانوا قد قرروا غزو كوبا وتدمير الصواريخ الروسية التي كانت ما زالت محمولة على ظهر باخرة روسية كبيرة كانت راسية على مقربة من الساحل الكوبي وكانوا قد وضعوا القواعد العسكرية الأمريكية في كافة بقاع الأرض في درجة التأهب القصوى لحرب نووية مع الإتحاد السوفيياتي. أما موسكو فكان ردّها على قبولها لتلك الصفقة ما يلي وقد قاله خروشوف بنفسه : بهذا الإتفاق سلمت كوبا واستتب السلام العالمي على الأرض. 
نعم وألف ألف نعم، أمريكا بلد مُستَعْمِر وشيطانٌ وبلاءٌ أكبر لم يرَ العالمُ له مثيلاً من قبلُ. إحتلت أمريكا العراق ثم خرجت قواتها العسكرية منه بطلب من الحكومة العراقية زمان المالكي لكنها تروم العودة إليه بزعم الدفاع عنه ضد خطر الدواعش ... تعود إليه ومعها تحالف دولي من أربعين دولة ! نعم ، أربعون دولة ! فكيف يكون الإستعمار ؟ على أرض العراق اليوم 1850 عسكرياً أمريكياً كمستشارين وحرّاس لحماية السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء الحصينة أصلاً ! وبعض قنصلياتها في العراق. وأمس صرّح أوباما أنه سيرسل إلى العراق 350 مجنّداً أمريكياً للمساهمة في عمليات قتالية بريّة. 
الحرية التي تتكلم أمريكا عنها والدمقراطية المزعومة على المحك منذ عام 1947 حتى اليوم فيما يخص فلسطين والقضية الفلسطينية وإقامة دولة فلسطين ضمن حدود عام 1967 . ثمَّ أين حرية ودمقراطية أمريكا في دول حليفة لها في الشرق الأوسط ومناطق أخرى في العالم وأكثرها فضيحة وسخرية كالعربية السعودية وقطر والبحرين ؟ لماذا تتآمر أمريكا وتُسقط حكومات دمقراطية أو إشتراكية مُنتخبة بحرية وحسب نتائج صناديق الإقتراع ؟ لماذا تعادي حكومة فنزويلا وإيران وسوريا ولماذا تحاصر وتقاطع روسيا وكوبا وإيران وسوريا وكوريا الشمالية ولا تعاقب ولا تحاصر ولا تقاطع إسرائيل ؟ 
لستُ خبيراً في المال والإقتصاد لكنَّ المختصين في هذين المجالين أطلقوا على أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية نعت الإمبريالية الأمريكية لأنَّ سمتها الأبرز هي إستعمار غير إستيطاني بل مالي ـ إقتصادي ـ تجاري ـ تقني ـ مخابراتي ـ ثم تعاون عسكري مع إقامة قواعد عسكرية على أراضي هذه البلدان. 
إستعمرت بريطانيا البلدان بالقوة العسكرية لحاجتها الماسة للنفط والفحم الحجري والقطن والمعادن الثمينة خاصة الذهب والفضة والبلاتين والنحاس والحديد ثم التوابل. النفط وبقية مصادر الطاقة والمعادن بما فيها اليورانيوم هي اليوم معروضة للبيع في الأسواق العالمية لذا لا تغزو أمريكا مصادرها وهذا على ما أحسب هو الفارق الجوهري بين طبيعة الإستعمار البريطاني والإستعمار الأمريكي الإمبريالي. كانت بريطانيا تغزو ثم تنهب خيرات البلدان الأخرى .. أما أمريكا فإنها تقيم قواعد عسكرية ثابتة على أراضي الغير ثم تشتري منها أو تستثمر بالمشاركة ما تريد. لذا كانت المستعمرات البريطانية فقيرة لأنها منهوبة الخيرات ( الهند ومصر والصين والسودان والعراق وغيرها ) أما مستعمرات أمريكا فهي مستعمرات مُرفّهة إقتصادها مُتعافٍ وتطورها العلمي والتكنولوجي معروف ( اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية مثلاً ). 
ما كانت المستعمرات البريطانية جزءاً من مخطط للتوسع والإنتشار العالمي لكنَّ وضع مستعمرات أمريكا مختلف جداً من حيث أنها داخلة في المشروع الأمريكي الرهيب لإحتواء العالم والسيطرة عليه بها وبحلف الناتو وإسرائيل. كان هتلر قبيل الحرب العالمية الثانية يقول : الحرب قائمة .. هذا ما يقول علم التنجيم ( الهوروسكوب ) .. وكذلك ساسة أمريكا وأساطين المال والحرب فيها مرضى وهم وهاجس مسكون فيهم مؤدّاه أنَّ قدر أمريكا وتطورها مرهونان بالتوسع التمددي الدائب والسيطرة على الكرة الأرضية برمتها ماءً وجوّاً وبرّاً وما فوق وما تحت الأرض. هكذا يقول الهوروسكوب الأمريكي لذا ليس صعباً تفسير سياسات وتحركات أمريكا هنا وهناك فكم حرباً خاضت بعد الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم وكم من الأزمات افتعلت وما زالت تحارب وتفتعل وتتآمر وتتدخل في فرض هذا الحاكم أو ذاك وتضرب الحصار وتهدد بالويل والثبور ضامنة مواقف مجلس الأمن الدولي وحق الفيتو ومعها الناتو وإسرائيل. نعم، أمريكا ساعية بدأب وحُمّى لتحقيق هدفها الكوني بالسيطرة على العالم وإخضاعه لإرادتها واحتكار أفضل وأندر ما فيه من قيم وخامات ومعادن وأسلحة وتقنيات متطورة. قسّمت ودمرت البلدان التي لم تستطع إخضاعها بالقوة العسكرية. أمريكا هي الخطر الأكبر على البشرية ويبقى السلم والأمن العالميان مهددان ما دام هدف ودين و" رسالة " أمريكا إخضاع العالم وسيطرتها عليه. قد تكفي مراقبة سلوكها الراهن حيال روسيا وإيران والصين وكوبا وبعض بلدان أمريكا اللاتينية ثم مجمل سياساتها في الشرق الأوسط ليعرف المرء إلى أين يتجه عالم اليوم.
أقترح على الأخوة خبراء الإقتصاد أنْ يستفيضوا في شرح الفروق بين الإستعمار البريطاني والإستعمار الإمبريالي الأمريكي حتى يتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض ويقتنع عَبَدة أمريكا الجُدد أنهم على خطأ في عبادتهم وتقديسهم لسيّدتهم أمريكا صنماً أكبر من هُبْل ! الدمقراطية والحرية أصباغ وأقنعة وذرائع تُخفي بها أمريكا مصالحها الحيوية الكبرى شبحاً يمسح سطح الكرة الأرضية نهاراً وليلاً يتراءى ولا يُرى أسنانه النووية ولا من حدود ثابتة لهذه المصالح فتارة تتكلم عن أمنها القومي الذي يتأثر حتى لو ضرطت ذُبابة في مكان ما من عالمنا هذا ... ولو هددت إيران بغلق مضيق هرمز بوجه الملاحة البحرية زعقت أمريكا هذا خط أحمر من شأنه تهديد مصالحها الحيوية وأمنها القومي وتقصد تهديد خطوط الإمدادات النفطية في الخليج. وإذا أطلقت المقاومة الفلسطينية صاروخاً بدائياً من صناعتها هددت إسرائيل ومعها أمريكا أنَّ ذلك تهديد خطير لأمنهما القومي.
كان اليورانيوم سبب اغتيال زعيم الكونغو بياتريس لومومبا وتفتيت جمهورية الكونغو إلى عدة جمهوريات من أكثرها سوءاً واحدة حكمها رئيس اسمه جومبي وكان ذاك هو التفتيت الأول لأحدى الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة تلاه تفتيت يوغسلافيا والإتحاد السوفياتي وجاء اليوم دور تفتيت بلدان الشرق الأوسط ومن أبرز مرشحيه العراق وسوريا ومصر وليبيا وسيأتي دور إيران وربما تركيا. 
هل أُضيف من عندي فرقاً واحداً من بين العديد ؟ بريطانيا تستعمر وتدمّر المستعمرات بجيوشها البرية لكنَّ أمريكا [ وإسرائيل ] تقوم بذلك من الجو بالضربات الصاروخية القصيرة والبعيدة المدى التي تحملها الطائرات أو البوارج وحاملات الطائرات الكبيرة ثم تتدفق العساكر كالجراد المنتشر حاملاً الموت الأصفر. ألم يحصل هذا السيناريو مرتين في العراق عامي 1991 و 2003 ومرة في ليبيا زمان القذافي وما زال السيناريو المشابه الخاص بضرب إيران وتدمير منشآتها النووية جاهزاً محفوظاً في أروقة البنتاكون ووزارة الحرب الإسرائيلية.
لا أفتح ملف أمريكا الدموي والأسود والمُخجل الخاص بأمريكا اللاتينية وكم إنقلاباً دبّرت هناك وكم حكومة مُنتخبة أزاحت وكم زعيماً وطنياً قتلت وكيف حاصرت وأجاعت الشعب الشيلي بالتوقف عن استيراد النحاس منها ثم الإنقلاب الشهير الذي نفّذه عميلها الجنرال بينوشيت. لا أتكلم عن كوبا المحاصرة حتى اليوم وكيف تآمرت أمريكا وكيف دبّرت محاولة إنقلابية للقضاء على كاسترو والثورة الكوبية عام 1959 أي قبل أزمة الصواريخ بثلاثة أعوام. لا تتحرك أمريكا وتغامر لوجه الله وحسن جمال وسحر عيون الشعوب إنما دوافعها مصالحها المتشعبة والمتعددة تحت أسماء وعناوين شتّى لكنَّ الهدف النهائي الأكبر والأعظم والأخطر هو السيطرة على العالم مياهاً وخاماتٍ ومصادر للطاقة وإشباعاً لنزعة سادية خاصة بها كأنها بذلك تعوّض عن واقعها الجغرافي المعزول عن باقي العالم يُضاف له تكهنات مفادها أنَّ الطبقات الحاكمة فيها، وهي خليط من اليهود والمسيحيين المتصهينين، تعتقد بما في التوراة من خرافات وأساطير توحي لهذه الفئات أنَّ أمريكا هي قَدر العالم وقائدة العالم والمثل الأعلى لكافة شعوب وحكّام العالم. إذاً تسعى أمريكا ومعها إسرائيل والناتو إلى هدف ستراتيجي بعيد يُفضي في نهاية الأمر إلى السيطرة على العالم حرباً وسلماً بالقوة والإبتزاز والتهديد أو بالسياسة والدبلوماسية. الحديث معقد وطويل وأنا لست معهد أبحاث متخصص بالتحركات الأمريكية على وجه الأرض ولست خبيراً عسكرياً لكني أستطيع متابعة ما أرى، بعض ما أرى، تاركاً الباقي لخيار الناس الذين لا تحوم حولهم الشُبُهات ولا تعمي أبصارهم العنجهية الأمريكية وشعارت الحرية والدمقراطية اللتين تضربهما أمريكا بالحذاء إذا رأت فيهما ما يضرُّ بمصالحها المُعلنة وغير المعلنة وأمامنا مسرحية مُرسي / سيسي في مصر وقبلها إلغاء نتيجة الإنتخابات في الجزائر أوائل تسعينيات القرن الماضي.

CONVERSATION

0 comments: