انتصاراً للمرأة العربية 2/ كريم مرزة الأسدي

المرأة والرجل بين التوازن المطلوب والغزل المحبوب في  الزمن المنهوب
الحلقة الثانية 

رويدك مرّة ثانية ... لست وحدي ثائراً ، فهذه ثورات عباقرة أهلنا الأقربين على تقاليد الأولين ...!! نعم يجب أن نثور على  استعباد (الحريم ) ، واستصغار (النسوان) ، و(ربّات البيوت)  بلا أرباب ،  فالإنسان بالإنسان  ، والواحد أكبر منه الاثنان ، وهما زوجٌ واحد لا زوجان ، بمشيئة ربّ الأنس والجان ...!!   مَن  كان له أذنان فليسمع ، ومَن كان له عينان فليقرأ !! ، ألم يقل جواهرينا  مخاطبا  معرينا  :
لثورة الفكر تاريخ يحدثنا *** بأنّ ألف مسيحٍ دونها صلبا ؟!
و هزّ هذا البيت الدكتور طه حسين عميدنا الأدبي ، وقام من كرسيه ، وقال لا أذهب للبيت حتى تقرأه ألف مرّة ، وإكراماً للعميد العتيد ، عدّل جواهرينا بيته قائلاً:
لثورة الفكر تاريخ يحدثنا *** بألف ألف مسيحٍ دونها صلبا
والجواهري ثار على تقاليد ، وعادات ، ومفاهيم مجتمعه ، وذكرنا في الحلقة السابقة (جربيني)  ، و(بداعة التكوين) ) ،  و (الغريزة تغريني) ، ، و(ضده في الدين) ، في أواخر عشرينات القرن الماضي ( ودفع الثمن بطرده من جنة بلاطه الملكي مجبراً تحت ستار الاستقالة ، حفاظاً على ماء وجهه ، وإن الشاعر لم يفصح بهذا ، لذلك  أتبعَ (جربيني) بـ (عريانته) ، بل رمى عمامته الجواهرية ، وهو الأصيل ابن الأصيل عمامة ، وابن حفيد صاحب جواهر الكلام ، آية الله العظمى - لم يكن المصطلح معروفا في عهده -  الشيخ محمد حسن النجفي  المرجع الإسلامي  الرمز الشهير،اقرأ ما يقول  جواهرينا في سنة 1929م ، وعمره حينذاك ثلاثون عاماً :
 قال لي صاحبي الظريف وفي الكفّ*** ارتعاشٌ وفي اللسان انحبــاسه 
أين غــــادرتَ "عمّة ً" وأحتفاظــــاً*** قلت : إنّي طرحتها في الكناسه
هذه ثورة ما بعدها ثورة ،  من عصره  حتى عصرنا ، ولو كما يظهر واضحا من البيتين،  كان الرجلان في حالة سكر ، وهذه ثورة ثانية للجواهري في زمنه ، وبمثل بيئته ، ولكن والحق يقال - كما ذكرت في حلقات سابقة عنه - أجلّ شاعرنا العمامة أواخر حياته ، ووضع صورته ، وهو معتم بها على صدر ذكرياته ، وكررها في طياتها !! والحق ثانيةً أن العمامة زيّ عربي أصيل   ، تمسك بتلابيبها الفقهاء المسلمون لمحافظتهم ، وللإشارة إلى علميتهم !         
لا مناص من أنّ الذي يكشف رؤيته بصراحة متناهية ، وينشر ما يدور بخلده دون حواجز من الرياء الجبان ، والنفاق المصلحي بدافع غريزي متعقل بعقلها ، لا بعقله  ، يجب أن يدفع الثمن ، ربما  باهضاً ، وعليه أن يتفهم ضريبتها الغالية ، ويتدرع بوضع نفسه  في موضع يريد القدر أن يوضعه فيه ، فسيهزأ من القدر لأنه سبقه إلى غاية هو ابتغاها لا قدره ، فسحب البساط من تحت سطوته ، وصولته  ، وبالتالي لا يهتم ، ولا يبالي بضرباته ، ويرجّع اللكمة بزخم أقوى إلى حاسديه ، وشامتيه  ...!!  لذلك كلّه أنا على أتم الاستعداد لدفع ضريبة حبّي للإنسان ،  وما سنّه الله  الجميل من تعلق الإنسان بالإنسان  ، أو قل ما منحته الطبيعة من جمال فتّان ، يجذب كلّ ذي ذوقٍ بعين وجنان ، وجناني عائشٌ وسط الجنان لا يبالي بعلتان أو فلان ...!! ولك أن تعتبرها مزحة ، ولك أنْ تأخذها متعة ، فالأمر متعلق بمستقبل الأمة  !!    
 و مثلي مثل أبناء جلدتي ، ومدينتي المقبرة والحوزة والثورة ، عينٌ على الممات ، والأخرى على الحياة ، بيدها كتاب ، والأخرى عود  ثقاب ، قدمنا الجواهري ، ورحم الله صافينا ، رجلاه في القبر ، ويصرخ :
سنّي بروحـــــــي لا بعدّ سنيني **** فسأهزنَّ غداً من التسعينِ 
عمري إلى السبعينِ يمشي راكضاً**والروح ثابتةٌ على العشرين
هذان البيتان جاءا على الماشي ، سيأتيك بالأخبار من لم تزود !! على مهلك ، والطريق أمامنا ، والمسيرة سائرة ، وقبل أن نشق طريق الشعر والغزل ، والجمال والحلل ، أتطرق  معك استطراداً ثورات شعرائنا الفكرية ، وهذا الصافي النجفي يعلل سبب التباين في الرؤى ، فالمدى غير المدى ، والأبعد رؤية بالحق أولى ، والحقيقة مرّة ، إذا ما كشفها  المفكر أو الشاعر للأقصر مدىً أو الأعشى !!  وإليك الصافي إن صفا  : 
بعض الأنام يرى الحقيقة مرة ***فيفر منها مطبقا عنها الفما  
كيلا تلاحقه فتدخل فاه أو *** يبقى يشــــاهد وجهها المتجهما  
وأنا أراها مرة فألوكها **** كــــي أغتذي منها وإن تك علقما 
ولكم تقاليد شغفت بحبها ***** زمنا وكنــــــــت بظلهـا متنعما  
دب الفساد لها فرمت أصونها *** بالحافظين مطهــــرا ومعقمـا  
لكن عييت بأمرها فتركتها****  لما رأيت فســـــادها مســتحكما  
وللأستاذ صالح الجعفري - وهو من بيت آل كاشف  غطائنا - ثورته ، ففي قصيدته ( تحية لغاندي) التي نظمها أبان الثورة الهندية  في ثلاثينات القرن الماضي،يضع هذه الأبيات الرهيبة :  
قف في منى واهتـــــف بمجتمع القبائل والوفــود
حجوا فلســتم بالغيــــن بحجكم شــــرف الهنــود
حجــوا إلى اسـتقـلالهم وحججتموا خوف الوعيد
وإطاعة الأحـــــــــرار أفضل من طاعـــات العبيد
كما قرأت يحثّ قومه على الثورة متجاوزا حدودها إلى حد التجديف  ، فوقف المجتمع النجفي الصارخ اتجاه المس بركن أساسي من  أركان المسلمين ، وبرّأه المرجع الديني الشهير السيد أبو الحسن الأصفهاني (قدس) ، وقال هذا شعر ، ولا على الشاعر حرج ولا حجج !!  هذا هو حال تعصب  المسلمين المعاصرين ، وتسامح الإسلام ، كرسالة ودين ..!!
وهذا شاعرنا محمد صالح بحر العلوم سليل المرجع الديني الشهير السيد مهدي بحر العلوم ( المتوفي 1212 هـ) الجد الأعلى للأسرة البحر العلومية ورمزها ، ، وبحر العلوم لقب لقب به ، وشاع ذكره ،  وهو أستاذ الشيخ جعفر كاشف الغطاء الكبير المتوفي ( 1228 هـ) الجد الأعلى للكاشف غطائية المار ذكرهم ، وكشف الغطاء ، اسم مؤلف للجعفر الكبير ، لفصل الصراع بين الأصوليين ، إذ تزعمهم ، والإخباريين الذين تزعمهم عناية الله ، الجد الأعلى لعائلة جمال الدين ، ومن الجدير ذكره ، إن الجعفر الكبير هو أستاذ الشيخ محمد حسن صاحب جواهر الكلام ( المتوفي 1266هـ) ، باني مجد الجواهريين ، وهذا الجواهر هو أستاذ الشيخ الزاهد الشهير مرتضى الأنصاري (المتوفي 1281هـ) ، و (الشيخ) الشهير الأخير ، هو أستاذ السيد محمد حسن الشيرازي - الشيرازي الكبير - (  المتوفي 1312 هـ ) ، صاحب ثورة التنباك في إيران ، وهو جد السادة الشيرازيين ، هذا التسلسل المرجعي ، والترابط الأسري بين عوائلهم  يعطيكم فكرة عن الشعراء الثائرين  المذكورين ، نرجع لأبي ناظم ، الشاعر محمد صالح بحر العلوم ، وقصيدته الشهيرة ( أين حقّي) التي نظمها 1955 م ، وأنتشرت بالسبعينات إثر اتهامه بالزندقة !! وهي تهمة قديمة من عصر الخليفة العباسي المهدي المتوفي 169 هـ ، إذ شاعت ، ولو أن من بدأها والده الخليفة المنصور عندما ألبسها للكاتب الشهير عبد الله بن المقفع ، وقطع رأسه بها ، وهذه مقاطع من ( أين حقي ) ، وحقّي ، وحق الحقّ ، ضائع !! :   
ما لبعض الناس لايحسب للتفكير فضلا
ومتى ناقشـــــــــته الرأى تعـداك وولى
زاعما ابقاء مــا كان على ما كان أولى
من جديد يعرف الواقع منه: أين حقى ؟!
***
يا ذئابا فتكت بالـــناس آلاف الـــــقرون
أتريكنى أنـــــا والدين فمــــا أنت ودينى
أمن الله قد استحصلت صــكاً فى شؤونى
وكتاب الله فى الجامع يدعو: أين حقى؟!
***
وفتاة لم تجد غير غبــــــار الريح ســترا
تخدم الحى ولا تملك مـــــن دنياه شــبرا
وتود الموت كى تملك بعد المـــــوت قبرا
واذا الحفار فوق القبر يدعو: أــين حقى؟
وماذا أتوقع أنا  ، وماذا تتوقع أنت ، ما سيكون عليه الحال عندما نطالب برفع الحيف والظلامية عن جنس   التدلع والدلال ، لابد من الثمن من رأس المال  !! ، ولا يهمك يا قارئي الكريم ، ما دام الأمر يتعلق بنهضة الأمة ، نسائها والرجال !! شكرا لكم مع الاحترام 
وإلى الحلقة الثالثة 

CONVERSATION

0 comments: