ياسمين آذار المخضب بالدم 49 ـ 50/ محمد فاروق الإمام

رفعت الأسد يعد لانقلاب عسكري على أخيه حافظ الأسد
1984

يروي العماد مصطفى طلاس وزير الدفاع السابق أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد في مذكراته أحداث محاولة انقلاب رفعت الأسد على أخيه فيقول:
استشعر الرئيس الأسد أن رفعت جاد في عملية السيطرة على دمشق فطلب مني إحباطها وإشعاره أن المواجهة ستكون عملية انتحارية.
في أوائل شهر شباط من العام 1984م كنت متوجهاً إلى مكتبي في القيادة العامة ولدى مروري قرب حديقة الجاحظ لاحظت عدّة صور ملصقة على الحيطان لشقيق الرئيس «العميد رفعت الأسد» وكانت الصورة تمثله وهو رافع قبضة يده كدليل على القوة والتحدّي,, ولم أكن مرتاحاً نفسيّاً لهذه المناظر المؤذية والغبية وقلت بنفسي طالما أنّني انزعجت منها فلابدّ أنّ الرئيس حافظ الأسد سيكون أشدّ انزعاجاً لأنّ هذا الموضوع يخصّه بالدرجة الأولى قولاً واحداً. 
كان الرئيس الأسد الشخص الوحيد الذي يتابع المواضيع الأمنية داخل الوحدة /569/ (سرايا الدفاع) ذلك أنّ العميد رفعت عندما كان يستشعر أنّ أحد ضبّاط الأمن في وحدته يتعامل مع شعبة المخابرات كان يزجّ به في السجن الخاص بالوحدة ولا يعود أحد يعرف عنه شيئاً لذلك أصبحت الوحدة تشكل (غيتو) خاصاً يصعب انتهاكه ومع هذا فقد كان للقائد الرئيس حافظ الأسد بعض الضباط داخل الوحدة يزوّدونه بأخبارها الخاصة عبر قنوات سريّة للغاية لم يستطع حتى رفعت نفسه أنْ يحيط بها, وبدأت تتشكّل القناعة لدى القائد الأسد أنّ رفعت يبيّت شيئاً ما وأنّ الوحدة في حالة استنفار دائم مع أنّ الظروف المحلية لم تكن تستوجب ذلك.

إقصاء قائد الكتيبة (170): 
في منتصف شهر شباط عام 1984م وجّه القائد حافظ الأسد بنقل قائد الكتيبة «170» (كان القائد الأسد يهدف من وراء عملية حماية القيادة العامة من سيطرة العميد رفعت المباشرة عليها كما أن تغيير القائد المحسوب شخصياً على رفعت وبخاصة في هذا المركز وفي هذا الظرف يعني أن صاحب القرار في تعيين الضباط ونقلهم هو الرئيس الأسد قولاً واحداً, كما أن نقل هذا الضابط يعتبر أول ثقب في قلعة رفعت الأسد) وهي الوحدة المكلّفة بحراسة مبنى القيادة العامة ووزارة الدفاع وكان قائد الكتيبة العقيد سليم بركات من أتباع العميد رفعت الأسد ومن المحسوبين عليه شخصيّاً وقد تمكّن رفعت من إقناع الرئيس الأسد بتعيين هذا الضابط (رغم قلة كفاءته المسلكية) في فترة نشاط الإخوان المسلمين في أواخر السبعينيات ورغم معرفتي بتفاهة هذا الضابط ويشاركني في الرأي رئيس الأركان العماد حكمت الشهابي ورئيس شعبة المخابرات اللواء علي دوبا فانّنا لم نُبدِ رأينا بصراحة وتركنا الأمر يصدر دونما لفت نظر للسيد الرئيس لأننا كنّا نعلم أنّ رفعت كان هو وراء هذا التعيين وكان الهاجس الأمني هو المسيطر على ذهن السيد الرئيس ولذلك كانت الكفاءة العسكرية تتراجع إلى المرتبة الثانية.
ولمّا كان أول الغيث قطرة فقد صدر الأمر بنقل الضابط المذكور بتاريخ 19/2/1984م وتعيين المقدّم علي يونس عوضاً عنه وتمّ إبلاغ أمر النقل لقائد الكتيبة «170» من قِبل العماد حكمت الشّهابي لأنه يتبع إليه مباشرة وكان ذلك في 18/2/1984م الساعة الحادية عشرة صباحاًَ كما تمّ إبلاغ اللواء علي دوبا من قِبل العماد حكمت أيضاً بأنّ قائد الكتيبة المنقول محظر عليه دخول مبنى القيادة العامة بتاتاً.
غادر قائد الكتيبة «170» مبنى القيادة العامة وهو بحالة غضب شديد وتوجّه مباشرة إلى مقر قيادة العميد رفعت الأسد في القابون وشكا له الأمر وكان توجيه رفعت للضابط بأنّ يعود مساءً إلى قيادة الكتيبة ويتسلّم قيادتها من جديد وكان العميد رفعت يعتقد بداخل نفسه بأن القائد الأسد أصدر أمراً بنقل أربعة عشر ضابطاً من المحسوبين على رفعت الأسد بتاريخ سابق ولم ينفذ منهم أحداً الأمر وسكت الرئيس الأسد على مضض ولو لم يكن هؤلاء محسوبين على شقيقه رفعت لكان مصيرهم السجن أو العزل من الجيش في أضعف الاحتمالات.
في الساعة الخامسة بعد الظهر عاد قائد الكتيبة المنقول العقيد سليم بركات إلى مقر القيادة العامة ولم يمانع الحرس لأنّهم أساساً من عناصره وطلب إلى قادة السرايا أنْ يجمعوا له عناصر الكتيبة بلباس الميدان الكامل وبعد دقائق كان الاجتماع جاهزاً في ساحة الأركان الخلفية فخطب بهم قائلاً: «لقد عيّنت قائداً للكتيبة بتوجيهات من العميد رفعت الأسد ولن أغادر هذه الكتيبة إلا بأوامر شخصية من القائد رفعت الأسد (كان هذا التعبير يروق كثيراً للعميد رفعت ولذلك كان عناصر سرايا الدفاع كافة يردّدون هذه العبارات وكذلك المنافقون من عسكريين ومدنيين.
وعَلِمَ اللواء علي دوبا بالأمر من قائد الكتيبة الجديد فتوجّه مباشرةً بسيارته إلى مقر قائد الكتيبة وطلب إلى العقيد أسعد صباغ والمرافقة أنْ تلحق به وصعد مباشرة إلى حيث يتواجد العقيد بركات وتوجّه نحوه قائلاً: لقد انتهى كل شيء ولم يعد لك مكان في هذه الكتيبة وعليك أنْ تغادر فوراً, وصرخ العقيد بركات وهو شاهر مسدسه: سيدي اللواء لا تقترب منّي رجاءً, فقال له اللواء دوبا: بل سأقترب منك يا ابن الكلب.
وفي هذه اللحظة وصل العقيد صباغ وعناصر المرافقة (أربعة مساعدين مسلّحين بالبنادق الروسية) وقاموا بتجريد العقيد بركات من سلاحه وهتف اللواء دوبا إلى العماد حكمت بأنّ المسألة قد حُلّت, والتفت إلى العقيد سليم قائلاً: أتشهر مسدّسك عليَّ يا سليم فقال له: معقول يا أبا محمد أنْ أشهر مسدّسي عليك, وهنا قام اللواء دوبا بصفع العقيد بركات على خدّه: أنا اللواء علي دوبا ولست أبا محمد سأحاكمك يا سليم بركات, ثم أمر اللواء دوبا بإطفاء الأنوار في الكتيبة وأمر العقيد أسعد صباغ بإنزال العقيد بركات في سيارته وزجّه في سجن الشرطة العسكرية بموقع القابون وانتهت الحادثة دون ضجيج وبقي الذين يعلمون بها محصورين في أشخاص معدودين.

بداية المواجهة الحامية بين الأسدين

لم يهضم العميد رفعت الأسد هذا الإجراء الذي قام به اللواء علي دوبا، ولذلك قرّر المواجهة بعد نصائح أصدقائه، في الداخل والخارج، التي أخفقت معها الأساليب كافة للسيطرة على قرار الرئيس حافظ الأسد المستقل والذي يخدم المصلحة السورية ويتناغم مع مصلحة الأمة العربية، ولهذا وجدت واشنطن الفرصة مناسبة لكي توجّه عملاءها نحو تصعيد الأمور في وجه الرئيس الأسد، لأنّ شقيقه رفعت سيكون حتماً مطواعاً لسياسة البيت الأبيض وعلى النقيض من شقيقه وفقاً لحساباتهم ومعلوماتهم ومعلومات أصدقائهم, وكما ذكرت فانّ الرئيس الأسد كان الشخص الوحيد في القوات المسلحة الذي يمسك ببعض الخيوط الأمنية في سرايا الدفاع وعندما تأكّد أنّ المواجهة قادمة لا محالة وأنّ رفعت الأسد قد رفع الجاهزية القتالية في سرايا الدفاع منذ أسبوع أي أنّ العملية جديّة وليست عملية اختبارية لتفقّد الجاهزية القتالية للتشكيل.
وفي الساعة الثانية إلاّ ربعاً من صباح 25/2/1984م هتف لي الرئيس الأسد إلى المنـزل وأعطاني التوجيه التالي: «ارتد لباسك العسكري وتوجّه مباشرة إلى مكتبك في القيادة العامة واستنفر التشكيلات الضاربة القريبة من دمشق وارفع درجة استعدادها القتالي إلى الكامل لأنّ العميد رفعت الأسد استنفر سرايا الدفاع بالكامل وهو يعدّ العدّة للسيطرة على دمشق لذلك يجب أنْ تتّخذ الإجراءات كافة لإحباط خططه وليكن في علمك أنّ رفعت الآن جادٌّ هذه المرة في موقفه وأنا أعرف أنّك لا تخاف من أحد ولكن يجب أنْ تضع في اعتبارك أنّ المواجهة قائمة لا محالة ولذلك ليس أمامك من طريق سوى إشعاره بأنّ المواجهة مع الجيش ستكون عملية انتحارية له ولأتباعه كافة.
وفي دقائق معدودة كنت مرتدياً لباس الميدان ووصلت إلى مبنى القيادة العامة الساعة الثانية وخمس دقائق واستنفرت فوراً لواء الصواريخ المحمول على دبابات والذي تبلغ دقّته بضعة أمتار كما استنفرت اللواء (65) المضاد للدبابات والذي يقوده العميد علي هرمز والوحدة «549» (سرايا الصراع ضد الدبابات) والتي يقودها العميد عدنان الأسد (ابن شقيق السيد الرئيس) كما استنفرت قائد الفرقة الأولى اللواء إبراهيم صافي وقائد الفرقة الثالثة اللواء شفيق فياض وقائد الفرقة السابعة العميد علي حبيب وقائد الفرقة التاسعة اللواء عدنان بدر الحسن وتمّ هذا الإجراء في أقل من خمس دقائق وبعد ذلك وصل إلى مكتبي تباعاً اللواء علي دوبا واللواء محمد الخولي وقال لي كلّ منهما: إنّ الرئيس الأسد وضعنا تحت تصرّفك لكي ننجز المهمّة التي كلفت بها، قلت لهما: لقد استنفرت الوحدات والتشكيلات التي سبق ذكرها ودونكما الهواتف على مكتبي فقوما باستنفار الوحدات القريبة من دمشق وبدا مكتبي كأنّه غرفة عمليات وكل واحد منّا يتكلّم مع قائد تشكيل ويطلب إليه رفع الاستعداد القتالي إلى الكامل, وهكذا تمّ استنفار بقيّة ألوية الصواريخ والقوى الجوية والدفاع الجوي وألوية مدفعية احتياط القيادة العامة وسرايا المهام الخاصة في شعبة المخابرات وسرايا الشرطة العسكرية ومفارز مخابرات القوى الجوية, يعني لم نترك قائداً قريباً من دمشق وبإمرته وحدة مقاتلة إلاّ وتمّ رفع جاهزيّته القتالية إلى الكاملة، مع تأكيدنا للضباط كافة أنّ الرئيس الأسد يضع ثقته المطلقة بهم.
وأعلمت الرئيس الأسد بالوضع في الجيش وأنّ الوحدات والتشكيلات القريبة من دمشق أصبحت جاهزة لتلقّي أيّة مهمّة وشكرني على هذا الانجاز وأوصاني بالمتابعة, وهنا لابدّ من أنْ أقول كلمة حول ذاكرة الرئيس الأسد بأسماء التشكيلات وأرقامها, فلم يترك سريّة أو كتيبة أو لواء أو فرقة في القوات المسلحة إلاّ وذكرها وطلب استنفارها وعندما كنت أقول له: لقد تمّ الأمر سيدّي، وبعد خمس دقائق يرنّ جرس الهاتف والمتكلم كان بالطبع الرئيس الأسد الذي كان يذكّرني بوحدة جديدة وكنت أقول له لقد تمّ استنفارها ولم تهدأ المكالمات والاتصالات إلاّ قرابة السابعة صباحاً حيث طلبت من الرئيس راجياً أن يخلد إلى الراحة ويأخذ قسطاً من النوم وقلت له مازحاً: «بقي رب العالمين لم نستنفره بعد»!, فقال ضاحكاً: لأنّه معنا، طيّب الله يعطيك العافية (أجرى القائد الأسد معي في تلك الليلة أكثر من مئة اتصال هاتفي ولو أنني استخدمت آلة التسجيل لحصلت على وثيقة نادرة تبرهن مدى قوة واتساع ذاكرة الرئيس الأسد ولكن يبدو أن هذا الموضوع أصبح يتمتع بإجماع عربي ودولي.
كان اللواء علي دوبا واللواء محمد الخولي قد استأذنا في الساعة الرابعة صباحاً للنوم في مكاتبهما وبقيت وحدي في المكتب أتلقى اتصالات السيد الرئيس, وفي إحدى المكالمات قلت للرئيس: صحيح أنّنا غيّرنا قائد كتيبة الحراسة لكنّنا لا نعرف الألغام التي وضعها رفعت في الكتيبة كما أنّ حراسة القيادة القطرية القريبة من مبنى القيادة العامة هي من سرايا الدفاع ولذلك فان أمننا القريب لا يوحي بالاطمئنان فهل تسمح لي بأن أنقل فوجاً من الوحدات الخاصة ليكون احتياطاً قريباً في يدي,, فقال لي: هل تستطيع ذلك دون أن تخبر اللواء علي حيدر (وكان الرئيس الأسد يعلم بأنّ هناك تنسيقاً كاملاً بين شقيقه رفعت وعلي حيدر) فأجبته أنّني قادر على ذلك ولمّا سألني أي فوج مغاوير سوف تُحضر من لبنان؟ أجبته: الفوج «35» الذي يقوده العميد صبحي الطيب ورئيس أركانه العقيد محسن سليمان, فأجاب: أشك في أنّك سوف تنجح في هذه المهمة، فقلت له أنا على يقين من النجاح طالما أنّني مغطّى بأوامرك,, فقال: استخدم صلاحيّاتي المطلقة في هذا المجال وتمنّى لي التوفيق.
يتبع

CONVERSATION

0 comments: